أين العدالة في أن يحصل مواطن على قسيمة سكنية يعود تاريخ تقديم طلبها إلى 1997م بينما يبقى آخر يعود تاريخ طلبه الى 1993م؟ هذا السؤال ارتسم في أذهان الكثيرين ممن سمعوا عن حصول بعض أهالي دمستان على الأولوية في توزيع القسائم التي بنيت في قريتهم. طبعا لأول وهلة سيعتبر ذلك ظلما وإجحافا بحق أصحاب الطلبات القديمة سواء كانوا من القرى المجاورة أو من المناطق الأخرى، غير أن الذي يطلع على خلفيات ما حدث يرى أن ما حصل هو مجرد إعادة حقوق طالما حرم منها أهالي دمستان منذ أكثر من عقدين من الزمن، وقد تفهم وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر هذا الأمر وقرر قراره مع علمه بما سيتعرض له من انتقادات لاذعة واتهامات بالمحسوبية على رغم علم الجميع بنزاهته وجدارته التي أهلته لقيادة وزارتين في وزارة واحدة، وأهل كرزكان هم خير من يعلم ذلك قبل غيرهم، وإذا عذرنا الآخرين في احتجاجاتهم فإننا لن نعذر إخوتنا من أهل كرزكان الذين يعلمون علم اليقين أن أراضي أهل دمستان حرموا منها أيام قانون أمن الدولة وأعطيت للكثير منهم على حساب إخوتهم، وهذا ما يحتاج إلى تفصيل سنعود إليه بعد قليل، ونبدأ الآن في إعطاء خلفية عن العلاقة بين القريتين المتجاورتين.
إن الذي بين قريتي دمستان وكرزكان من دعائم التكامل والترابط يفوق ما هو بين أية قريتين متجاورتين أخريين من قرى بلدنا عدا قريتي الدير وسماهيج، فعلاقات النسب والمصاهرة بين أهالي القريتين متداخلة جدا إلى حد لا تكاد تخلو عائلة واحدة من هذه القرية إلا وتربطها من قريب أو بعيد علاقة نسب أو مصاهرة بعائلة أخرى في جارتها ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مشاركة أهالي القريتين لبعضهم بعضا في مناسبات السراء والضراء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن القرب الجغرافي بينهما - أي بين دمستان وكرزكان - وعدم وجود شارع عام يفصلهما عن بعضهما جعل منهما قرية واحدة ممتدة كما يلحظهما القاصد لهما من المناطق الأخرى، بل إن هذا القرب الجغرافي جعل الكثير من أهالي كرزكان يفضلون العيش في قرية دمستان لما تتمتع به من موقع جغرافي مهم إذ إنها المدخل المواجه لقرى المنطقة الغربية بالإضافة إلى قربها من سوق واقف الحيوي، الجانب الثالث من دعائم التكامل بين القريتين هو الصداقات المتبادلة التي تعود نشأتها أحيانا إلى مراحل الصبا، حيث مدرستا كرزكان الإبتدائية والخليل بن أحمد الإعدادية بالإضافة إلى مدرسة بلقيس الإبتدائية للبنات، هذه المدارس الثلاث يحتفظ فيها أجيال القريتين معا ذكريات حلوة وجميلة.
السؤال المطروح الآن: ما سر هذا التنازع المحموم على الوحدات السكنية التي قامت بتوزيعها وزارة الأشغال والإسكان يوم 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري؟ هذا ما سيتم توضيحه الآن.
ساهمت قضية الخدمات الإسكانية مساهمة فعالة في إثارة الحساسية بين أهالي القريتين منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي بل هي من أعقد المشكلات بينهما، وإذا لم يحاول الطرفان تفهم أسبابها فلن يستطيع أي منهما تجاوز مرحلة الحساسية والإقدام بجرأة نحو العمل التكاملي، وتتكون المشكلة من عنصرين، عنصر أصبح أمرا واقعا لابد من تقبله والتعايش معه وهو قضية الأراضي التي يسكنها كثير من أهالي كرزكان داخل قرية دمستان، وخصوصا في المنطقة الشمالية التي يقع فيها مسجد الإمام الرضا (ع)، والعنصر الآخر هو بيوت الإسكان التي بنتها وزارة الأشغال والإسكان في قرية دمستان وقامت بنشر أسماء المستفيدين منها يوم 16 ديسمبر الجاري، ولنتناول هذين العنصرين بشيء من التفصيل.
1- أراضي دمستان التي يسكنها بعض أهالي كرزكان
السؤال المطروح الذي كان ولايزال يتداوله أهالي دمستان هو: هل كان توزيع القسائم عادلا؟ بمعنى أن كل بحريني من حقه أن يتقدم بطلب لوزارة الإسكان للحصول على قسيمة سكنية (زمان) فمن حقه الحصول على أية قسيمة تعرضها عليه الوزارة وفي أي مكان يرغب فيه؟ هل هذا ما حدث فعلا؟ أهالي دمستان غير مقتنعين بذلك، لأنهم يقولون لماذا حرمنا نحن وعطلت طلباتنا سنين طويلة وإذا حصلنا على قسائم لا نحصل عليها إلا في خارج قريتنا بينما تعطى أراضي قريتنا إلى غيرنا ولأهل كرزكان بالخصوص؟ أين هو العدل؟
أرى أن المسألة تحتاج إلى تريث وعدم إلقاء اللوم في هذه المسألة كلية على بعض أهالي كرزكان من الذين حصلوا على قسائم سكنية داخل قرية دمستان، فنحن كنا نعيش في ظل قانون أمن الدولة، ولم يكن الاحتجاج واردا آنذاك، هذا القانون البغيض ألقى بظلاله على كل تفاصيل حياة جميع المواطنين، ولم يكن مستبعدا جدا أن تكون تصرفات الإسكان نفسها أمنية، فكان واردا - بل كان حاصلا فعلا - أن يفرق بين أهالي بعض المناطق - التي عرفت بمطالباتها بحقوق المواطنين في الحرية والعدل والمساواة - عن بعضهم كما حدث لبعض أهالي العاصمة، هذا وقد وضعت قرية دمستان في القائمة السوداء بعد حوادث الثمانينات وحرمت حتى من أبسط حقوقها مثل حق الحصول على ناد ثقافي ورياضي في الوقت الذي حصلت فيه جميع القرى المجاورة على هذا الحق، وكان العمل قائما بطريقة تؤدي إلى إيجاد الحساسيات بين أهالي القرى التي تعاني من الحرمان وذلك لإشغالهم بأنفسهم عما يرتكب بحقهم من انتهاكات لحقوقهم، ليتصور هؤلاء المحرومون أن من سرق حقوقهم هم أهلهم وجيرانهم وليسوا هم المتنفذون الكبار من أصحاب الأيدي الطويلة في الفساد والخراب، هذا بالإضافة إلى المحسوبيات والرشا التي كانت تعطى مقابل كل أرض، فكل شخص كان لديه قريب أو حسيب يعمل في هذه الوزارة أو تلك بإمكانه الحصول على ما يريد عن طريق دفع الرشا والأتاوات.
خلاصة الكلام أنه في ظل قانون أمن الدولة البغيض كان هناك ضحايا مغلوب على أمرهم وهناك مستفيدون انتفعوا بحق أو بغير حق على حساب أولئك الضعفاء، هذه الحقيقة يجب أن يعيها الأهالي جميعهم من القريتين، فالذين حصلوا على الأراضي - سواء كانوا من أهالي كرزكان أو من غيرهم - لم يحصلوا عليها بالقوة بل هذا حق من حقوقهم كمواطنين، لكن الخطأ كان في السياسة الأمنية الخبيثة المتبعة آنذاك ليس في مجال توزيع الأراضي فحسب بل في كل شيء، وكان الخطأ أيضا في الفساد المستشري في جميع خلايا البلد وشرايينه الحيوية.
ومهما يكن فقد أصبح الأمر واقعا ولابد لأهالي دمستان من تقبل إخوتهم والتعايش معهم، فأهل كرزكان هم إخوة وأقارب وأصدقاء وجيران قبل كل شيء، وفي المقابل على أهل كرزكان القاطنين في دمستان أن يشعروا بأنهم بين أحبتهم وأهلهم، وعليهم الاندماج في هذا المجتمع وفي مؤسساته، وخصوصا مؤسسة الصندوق الخيري، وليكف البعض منهم عن ترديد مقولة أن منطقة مسجد الإمام الرضا (ع) هي منطقة تابعة لقرية كرزكان، فهذا الكلام يثير الحساسية ولا يصنع التقارب أبدا، كما أنه من العبث والخزي أن ينهك البعض نفسه بالمطالبة بضم هذا الحي أو ذاك إلى هذه القرية أو تلك.
2- الوحدات السكنية
سيل من العرائض والعرائض المضادة، لقاءات ولقاءات مضادة بالمسئولين، وهؤلاء المسئولون كانوا غير واضحين، مرة يصرحون بأن أهالي أية منطقة هم أحق بالخدمات الإسكانية من غيرهم فيها، ومرة يقولون إن الأقدمية هي المعيار الأساس في توزيع الوحدات السكنية بغض النظر عن المنطقة حتى حانت ساعة الصفر وحصل ما حصل، ما يعني أن البلد مازال يعاني من عدم ترسيخ القانون على رغم وجوده ربما، وهذا ما يجب أن يدركه الأهالي من القريتين، فمادام البلد كذلك يمر في مرحلة التخبط والارتجالية أو لنقل في المرحلة الانتقالية من اللاقانون إلى مرحلة سيادة القانون إن شاء الله فهذا كفيل بأن يوقعنا في مشكلات ونزاعات داخلية كما حدث بشأن القسائم السكنية من قبل. ما يجب أن نعمل عليه جميعا هو أن نطالب بحقوقنا بدلا من منافسة بعضنا بعضا على ما نحصل عليه من حقوق لا وزن لها في ميزان ما ضاع منا بسبب الفساد وسوء الإدارة وانعدام عدالة التوزيع إلى أن جاء مشروع جلالة الملك الذي ساهم في الكشف عن كثير من تلك التجاوزات والتحدث عنها في العلن، فالدولة - بحسب القانون - مطالبة بأن تبني وحدات سكنية لكل الأهالي في كرزكان والمالكية والهملة وكل القرى أو توفر أراضي سكنية مجانية لأهاليها، هذا ما يجب أن نسعى إليه وليس صحيحا أن نتنازع على ما نحصل عليه من حقوق، لنع جيدا أيها الأخوة أن هناك من المتنفذين من يستأثرون بنصيب الأسد من أراضي وثروات الوطن وخيراته وما نحصل عليه هو الفتات الذي لا يستحق منا كل هذا التنازع الداخلي بين الأهل والإخوة والأصدقاء وأهل الجيرة. آمل أن يتفهم أهالي القريتين ذلك جيدا ويجب أن يعملوا معا على المطالبة بحقوقهم في السكن والعمل والبحر الذي سرقه المفسدون في الأرض وألا يتنازعوا فيما يحصلون عليه من حقوق، وليعمل الأهالي جميعا على تدعيم ما بينهم من أواصر الأخوة والمحبة والجيرة والصداقة ويزيلوا ما بينهم من حساسية فارغة لا معنى لها، فأهل كرزكان هم أهل دمستان وإن عاشوا بينهم فهم إخوة وأحبة مرحب بهم، ويمكن للنائب البلدي والصندوقين الخيريين للقريتين ومركزي الشباب وأيضا من خلال نادي التضامن أن يعملوا الكثير في هذا المجال، ولنتمثل قول الله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة/2)، ولنتذكر دائما أننا أبناء المبدأ القرآني السامي: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» (الحشر/9).
الوزير أوضح جيدا أن أهالي المناطق هم أحق بالخدمات الإسكانية فيها وهي توجيهات صادرة عن القيادة العليا، وهذا الأمر في صالح الجميع وليس لأهل دمستان فقط، كل ما في الموضوع أن أهالي دمستان هم أول من طبق عليهم هذا المعيار وهو ما سيتم تطبيقه على القرى المجاورة في المستقبل القريب بعونه تعالى، كما حدث من قبل في تطبيق نظام المقررات لمدارس الثانوية في بداية التسعينات، والوزير محل ثقة، فليطالب أهل كرزكان وغيرهم من القرى ببناء وحدات لهم في الأراضي التابعة لقريتهم وسيكونون هم الأولى بها طبعا، وليس من العدل أن ينازعوا إخوتهم من أهالي دمستان في حقوقهم التي حصلوا عليها بعد طول عناء وجهد وانتظار، بل عليهم أن يهنئوهم وليطالبوا بحقوقهم أيضا وليثقوا في الوزير الذي وعدهم في اتصاله الهاتفي لهم بتخصيص 64 قسيمة سكنية في العام المقبل وستغطى جميع طلبات 1998م حتى نهاية العام المقبل «الأيام» 18 ديسمبر 2003).
فكما أن اهالي دمستان رحبوا وتقبلوا إخوتهم من أهالي كرزكان وتعايشوا معهم، ولم يسببوا لهم أية مضايقات على رغم إحساسهم بالغبن لعدم حصولهم على أراض لا داخل قريتهم ولا خارجها، فالمطلوب من أهالي كرزكان مقابلة الإحسان بالإحسان وعدم تعكير العلاقات بين الأهالي مادام الوزير وعدهم خيرا في القريب العاجل
إقرأ أيضا لـ "حبيب أحمد الهملي"العدد 473 - الإثنين 22 ديسمبر 2003م الموافق 27 شوال 1424هـ