مع أن من أكثر المقولات العربية القديمة التي تجد لها رواجا بيننا تلك التي تقول: «ما لا يُدرك جُله، لا يُترك كله» وهي التي يرجح أنها سادت في فترة السماح الذهبية في هذه الأمة، إلا أن وقوع الرئيس العراقي السابق في الأسر، جعل أطرافا عربية تتحاور في مختلف المنافذ الحوارية تتجاوز هذه المقولة إلى مقولة تتسم بشيء من الحدية، وهي «يا كله... يا خله»، وهي القريبة من قول الشاعر: «لنا الصدر دون العالمين، أو القبر»، لا منطقة وسطى، ولا حوار، ولا سياسة «خذ وطالب» تتسق مع هذا المفهوم. عدد لا يستهان به من هؤلاء المتحاورين يشددون على أن صدام ليس هو الحاكم العربي الوحيد الذي نكل بشعبه، وليس هو فقط من مارس صنوف التعذيب، والسجن والقتل والتصفيات المختلفة الأشكال، وأنه إذا كان ثمة من يحاكَم فليحاكَم كل مسئول عربي مارس الأفعال ذاتها. هذا المنطق لا يستقيم أبدا مع طبيعة الأشياء، إذ إن ارتكاب عدد من الناس - أيا كانت مراكزهم وجنسياتهم - لجرائم أو مخالفات لا يعني أن يزجوا معا في زنزانة واحدة وتجري محاكمتهم معا، وإلا فلا، فإن كان سقوط النظام البعثي في العراق أتى على أيدٍ محتلة - وهو الأمر المرفوض بدءا - فإن هذا لا يعني أن تلغى المطالبات عن صدام وحزبه، ولا يعني تأجيل الأمر حتى يتم «إسقاط» كل حاكم عربي ومن بعدها تبدأ المحاكمة الجماعية على ما اقترفوه. إن درس صدام حسين بدأ يسري بشكل لا يخفى في أوصال عدد من الحكام الذين لم يأبهوا بأنات شعوبهم، وبمطالباتهم بالمشاركة في صنع القرار، وأخذوا يسارعون في التصالح مع أبناء جلدتهم قبل أن تدوس عليهم أحذية المحتل، وتلجئهم إلى الخنادق والحفر... وحتى تستطيع بقية الشعوب العربية النيل من ظالميها، فلنبدأ بواحد من أكثرهم شراسة في التاريخ الحديث
العدد 473 - الإثنين 22 ديسمبر 2003م الموافق 27 شوال 1424هـ