لأول مرة منذ أكثر من عامين - وتحديدا منذ إسقاط برجي مركز التجارة العالمية إلى الأرض - كان خبر اعتقال صدام حسين الأحد الماضي خبرا موحدا احتل الصفحات الأولى من صحف العالم أجمع، بغض النظر عن البقعة التي تصدر فيها هذه الصحف.
وعلى خلاف صور المبنيين المدمرين في يوم الثاني عشر من سبتمبر/ ايلول 2001، فان صور العام 2003 كانت فردية لشخص واحد. وكلا الحدثين مثلا أيقنة على نطاق العالم. ولكن حتى لو كانت صور الأحد الماضي هي نفسها تتكرر لأحد أشهر الطغاة في العصر الحديث وهو ملتحٍ ومشعث الرأس ومقيد إلا ان التعليقات التي رافقت الصور كانت مختلفة. المزاج في أميركا وأوروبا كان احتفاليا، ولكن الإعلام العربي كان متحيرا بصورة واضحة تجاه جبن صدام وعدم دفاعه عن نفسه كما فعل ابناه عدي وقصي.
الصحافة الفلسطينية كانت حائرة هي الأخرى تجاه «الغدر» الذي تعرض له «الزعيم العراقي»، وقالت الأيام الفلسطينية: «سقط البطل أمس». المدير في الـ «بي بي سي» كريس ويسكوت قال: «هناك انقسام واضح في التغطية بين اميركا واوروبا، وهو نوع من الخليط بين الابتهاج والارتياح. وفي العالم الاسلامي إذ مازال البعض ينظر إلى صدام على انه بطل، أدانه آخرون لانه لم يخرج مستخدما الأسلحة التي كانت بحوزته».
محرر الشئون العربية في صحيفة «الحياة» ماهر عثمان قال ان هناك شعورا بالصدمة في اماكن مثل الأردن وفلسطين وسورية، من ان صدام سمح لنفسه أن يؤخذ 'بمثل هذه السهولة'. وأضاف: «الناس كانوا يتوقعون انه سيقاوم او ان لديه كبسولة من مادة السيانيدلينينتحر، أو يحتفظ بالطلقة الأخيرة في مسدسه لرأسه. ما حدث جعل الناس تستنتج ان هذا الرجل يحب نفسه جدا».
وقامت الحياة بتغطية الحدث على خمس صفحات، مقارنة بين ما تركه القبض على صدام من فرحة عارمة في الكويت مع «الحزن» الذي تركه في مسقط رأسه في تكريت. كما قارنت أيضا بين النهاية الداجنة بالتعليقات التي صدرت عن أولئك المقربين جدا من صدام وتوقعاتهم بانه لن يستسلم من دون قتال. كما اعدت نشر كلمات صلاح عمر العلي، عضو مجلس قيادة الثورة العراقي الذي يحمل فكرة واسعة الانتشار في العالم العربي عن قدرة صدام على الدفاع عن نفسه. وقال العلي: «انه نابغة في تغيير أماكن تخفيه. وكان يتهم بكثير من الأمور، ولكن لم يكن بالامكان اتهامه بانه لم يكن شجاعا. فشجاعته لم تكن تطلب دليلا، كما هو الأمر مع قدرته على استخدام العنف».
وبالنسبة للكثيرين في العالم الاسلامي كانت هناك تكهنات رهيبة، فقد جاء على الموقع الالكتروني لقناة «الجزيرة» الفضائية القطرية «ان صور إذلال صدام على يد الجنود الاميركان قد يشعل المقاومة، وقد يزيد الدعم العربي لهذه المقاومة ويؤجج من مشاعر الانتقام». واستشهدت الجزيرة بكلام للكاتب المصري جاء فيه: «بحلاقة لحية رمز الفحولة في العراق والعالم العربي، قامت الولايات المتحدة الاميركية بتقديم رمز إذلالها في منطقتنا».
وكان ذلك بعيدا عن اجواء التبجح التي سادت الصحف الغربية. صحيفة «نيويورك تايمز» أصدرت عددا خاصا مع عنوان عريض يقول: «لقد اصطدناه». على غرار الكثير من الصحف الأميركية الاخرى. وقالت الـصحيفة: «اعتقل الجنود الأميركان صدام حسين المتعب الملتحي، لتحكم قبضتها على دكتاتور العراق المخيف وهو قابع في حفرة تحت الأرض مثل الفأر». الصحيفة الاميركية التي كانت اكثر رزانة «نيويورك تايمز» قالت: «إن اعتقال صدام يضع ألويات المتحدة امام أصعب الأسئلة نفسها: ما هي أفضل السبل لاقامة حكم ديمقراطي مستقر في العراق؟»
وتنبأت صحيفة «كوميرسانت» الروسية ان تكون محاكمة صدام فرصة ممتازة للعلاقات العامة بالنسبة لجورج بوش». ومع ذلك لم تكن كل الكتابات معبرة عن الامتنان، ففي بلجيكا قالت صحيفة «دي ستاندرد»: «إن عرض صور مهينة لأسير، حتى لو كان مثل هذا الوحش المتجبر، لا تزيد من السلطة الأخلاقية لمن ألقوا القبض عليه».
ينشر المقال بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية
العدد 472 - الأحد 21 ديسمبر 2003م الموافق 26 شوال 1424هـ