يعتبر تلميذ المدرسة عصام نعيم حامد آخر «متمردي» أميركا المشهورين، في سامراء، إذ ضرب التلميذ على ظهره عندما حاول حماية نفسه مع والديه في منزله في إحدى مناطق مدينة العباسية القديمة. كانت الساعة الثالثة صباحا، -حسب قول أمه منال- عندما جاء جنود فرقة المشاة الرابعة الأميركية إلى المنزل وأطلقوا الرصاص عبر البوابة، فاخترقت احدى الطلقات الباب وعبرت من خلال النافذة لتستقر في ظهره، وأصيب والده في كاحله وأخذ إلى مستشفى تكريت وهو في حال الخطر. وفي جناح الطوارئ بمستشفى سامراء أخذوا يعالجون عصاما وهو يصرخ متألما.
في الشهر الماضي ادعى الأميركيون انهم قتلوا 54 من المتمردين بعد سلسلة هجمات تعرضوا لها في المدينة، والموتى الوحيدون الذين وجدوا في مستودعات الجثث كانوا تسعة مدنيين فقط بما فيهم زائر إيراني للعتبات المقدسة القريبة من المدينة. وقبل خمسة أيام تبجح الأميركيون بقتل 11 شخصا آخرين، ولكن لم يوجد إلا على قتيل واحد كان بائع خضار. وفي مستشفى سامراء، لدى الأطباء أيضا اسم سائق تاكسي يدعى عامر البغدادي، أطلق عليه الأميركيون النار فأردوه قتيلا ليلة الأربعاء الماضي.
ثم هناك المزارع مالود حسين (31 عاما) الذي كان يحاول دفع بناته الخمس الشابات وابنه إلى الغرفة الخلفية في بيته الفقير المكون من غرفتين عندما اخترقت طلقة أخرى المكان محدثة أزيزا لتستقر في نهاية المطاف في ظهره. وأجهش ابنه مصطفى بالبكاء إلى جانب سرير ابيه بينما بناته الخمس: بشرى، هدى، إسراء، وحصة لم يصبن بأذى. لكن الطلقة الأميركية كانت قد مزقت جسمه وخرجت من ناحية صدره، وقام الأطباء للتو بإخراج طحاله.
ارتعش أخوه حامد (41 عاما) عندما رأى تمرغ المالود في المعاناة، وحاول الرجل الجريح التلويح بيده إليّ وسرعان ما دخل في غيبوبة. وأصيب البيت الواقع بضاحية المثنى بـ 23 رصاصة.
منال - أم عصام - أخبرتنا بتفاصيل القصة المروعة: «جاء الأميركيون ومعهم مترجم أخبرنا بأن نبقى في منزلنا. ولكن لم يكن لدينا هاتف ولا نستطيع الاتصال بالاسعاف وكان زوجي وابني ينزفان. أخبرنا مترجم الأميركان بأنه غير مسموح لنا بمغادرة المنزل» ووقف حامد حسين إلى جانب سرير أخيه وهو في حالٍ من الغضب الشديد وسألني: «قلتم إنكم تجلبون لنا الحرية والديمقراطية... فماذا يفترض أن نقول؟». وأضاف «أخذ الأميركيون جاري أمام أنظار زوجته وطفليه وربطوا يديه وراء ظهره، وبعد عدة ساعات من الإهانة، عادوا ليطلبوا من زوجته أن تأخذ جميع الأشياء الثمينة لديها ووضعوا متفجرات في منزلهم ثم نسفوه. إنه مزارع بريء. ماذا فعل ليستحق كل هذا؟».
تعتبر مدينة سامراء مركز المقاومة لفرقة المشاة الرابعة. وقد نشرت القوات الأميركية سرية من الجند و20 مركبة برادلي مقاتلة في الأيام الأخيرة الماضية، وأخذت تقوم بالمطاردة في جميع أرجاء المدينة. واعترف لي بعض أفرادها بأنهم نسفوا الأبواب الأمامية لبيوت «ارهابيين مشتبهين». وعندما سألت الجندي، إيه. ميسيسيبي: من الذي فجر المنزل قال: «نحن الذين قمنا بذلك». وأضاف: «بعد أن ننفذ ذلك، فإنهم يذهبون إلى السلطات الأميركية ويطلبون تعويضا»، هذه حقيقة.
وعلى سبيل المثال، وصف محمد صالح (36 عاما) صاحب كراج، كيف وضع الأميركيون المتفجرات في باب منزله الحديدي بينما اختفى أطفاله الأربعة وزوجته خلف المنزل بعد أن سمعوا اطلاق نار في الشارع. وعثر على السلك الأميركي الذي استخدم في المتفجرات، وكانت سيارته المازدا تقف خلفه وقد حطمها الانفجار كما حطم أجزاء من باب المنزل.
وهناك عشرات البيوت في الشارع نفسه نسفت أبوابها جميعا، وقال صالح: «نريد أن يساعدنا الأميركيون. هذه كانت منطقة صدام السنية ولكن كثيرين منا يكرهون صدام. ولكن الأميركان يقومون بذلك لإذلالنا، وللثأر من الهجمات التي تشنها المقاومة ضدهم».
ودخلت ثلاث مرات إلى منازل محطمة، وكان الشباب فيها يفصحون لي عن رغبتهم في الانضمام إلى المقاومة. وقال أحدهم «نحن قوم قبليون وأنا من أسرة السيد. لدي شهادة جامعية وأنا رجل مسالم. فلماذا إذا يهاجم الأميركان منزلي ويرعبون زوجتي وأطفالي ويزرعون في قلوبهم الخوف؟».
هذا ومازال الجيش الأميركي يتحدث عن معاركه ضد «الارهاب» في سامراء، وهي قصة ربما تكون مقنعة لو لم القوات الأميركية يصحبها رجال مقنعون بملابس مدنية متقلدين بنادق الكلاشنكوف. وتزعم فرقة المشاة الرابعة أن هؤلاء أعضاء في «فيلق الدفاع المدني العراقي». وهم يظهرون أيضا مقنّعين في وسط بغداد، ولكن لا مجال إلى معرفة الحقيقة. فالرجال المقنّعون الذين طلبوا مني هويتي على أطراف سامراء مؤخرا كانوا يرتدون الجينز وأحذية رياضية وسترات واقية وخوذا صوفية، وتبادلوا الشتائم بصوت مرتفع مثل الأطفال. وهكذا إذا وصلت «الحرية» و«الديمقراطية» إلى سامراء!
وهكذا يستمر الوهم... فقبل يوم واحد، أعلن الأميركيون انهم بعد إجراء «تحقيق» - وينبغي القول انه الأسوأ شذوذا في التاريخ الحديث - استنتجوا أن الشاحنة التي انفجرت في بغداد وقتلت ستة عشر مدنيا بريئا في صباح الأربعاء، كان «حادثا مروريا»! وقالوا إن شاحنة نفط انفجرت عند اصطدامها بسيارة، على رغم أن اللوري لا يقطر صهريجا، وكانت النتيجة تناثر الأجزاء المعدنية على بعد 600 قدم تقريبا من مسرح الحادثة، ووصلت القوات الأميركية إلى هناك أولا واكتشفت جزءا من أداة التفجير، وهي قنبلة عرضوها عليّ بأنفسهم.
لذلك تستمر طاحونة الحرب في أرض «المتمردين الأبرياء» و«حوادث المرور»، لكن دون ذكر رجال الشرطة المقنّعين أو تلميذ المدرسة عصام حامد
العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ