لطالما كرهت الثلاثيات، ولا أظنني الوحيدة في ذلك بل ان هناك الكثيرين ممن يشاركوني هذا الرأي، فالثلاثية تبدأ قوية في جزئها الأول، تبهر المشاهدين سواء بفكرتها أو بنصها أو بأداء ممثليها أو ربما بالتقنيات المستخدمة فيها أو قد يكون بكل ذلك، وعادة ما تكون نهاية هذا الجزء مفتوحة، تثير المتفرجين المتعطشين للمزيد وتفتح المجال واسعا أمام مخيلتهم ليستكملوا فيها ما لم يتم من حوادث. عادة يصاب منتجو الفيلم بالجشع الذي يدفعهم إلى إنتاج جزء ثان، وعادة يأتي الجزء الثاني مخيبا لآمال معجبي سابقه، إذ يكون محتواه أقل بكثير من المتوقع كما ان المنتجين لا يعون حينها ان قمة التشويق والاثارة هي في ترك المشاهد أمام تلك النهايات المفتوحة، أما محاولة وضع النقاط على بعض الحروف أو اغلاق بعض الملفات التي لم تغلق فهي محاولة تعود على الفيلم في الغالب بالفشل. وفي العادة أيضا يلجأ هؤلاء المنتجون إلى اصلاح ما أفسده الجزء الثاني فينتجون جزءا ثالثا لتكون تلك هي الطامة الكبرى التي تنهي أي مجد أو تألق حمله الفيلم أو العاملون عليه.
وبكل تأكيد لا ينطبق ذلك على جميع الأفلام فهناك من الثلاثيات ما ظل يحتفظ بتألقه حتى النهاية ولربما حتى لو قدمت منه أجزاء لاحقة، لكن هذا الأمر لا يتفق مع ثلاثية الماتريكس.
فالثلاثية التي عرض الجزء الأول منها The Matrixفي العام 1999 جاءت بداياتها قوية، بهرت المشاهدين بأسلوبها الجديد في تقديم أفلام الخيال العلمي التي تدخل دهاليز تقنية مختلفة، وتدور في عوالم افتراضية، وتناقش فيها قضايا فلسفية وعقيدية تثير الكثير من الجدل، وبالتالي تحقق أرباحا خيالية في جميع أنحاء العالم، لكن هذه الأرباح تراجعت في الجزء الثاني Matrix Reloaded الذي عرض في نهايات العام الماضي فالمتفرجون هنا لم يجدوا ما يستحق المشاهدة أو انتاج جزء آخر، وليتم تصحيح الاخفاق تم انتاج الجزء الثالث Matrix Revolutions الذي كان منتجوه على علم مسبق بعدم تلهف محبي الجزء الأول لمشاهدته، ولذلك قرروا أن يتم العرض الأول للفيلم في جميع أنحاء العالم في وقت واحد، لكن ذلك لم يجد شيئا اذ لم يحقق الفيلم أيا من الأرباح المرجوة أو النجاح المنشود.
الفيلم في هذا المرة يأتي ليناقش قضية القضاء والقدر من خلال الخطر الذي يتهدد آخر مدينة في العالم الحقيقي وهي مدينة زيون، لا أعرف حقا سبب اختيار هذا الاسم إذ إن كلمة «صهيون» واحدة من مترادفات گion بالعربية! الخطر يتهدد المدينة من عالم الآلات ويبدو أن على جميع سكانها گionist، مرة أخرى لا أعرف نسبهم إلى الصهاينة، مقاومة هذا الهجوم الساحق الذي يبدو أقوى من الجميع والذي يتطلب تدخل عالم الماتريكس بكل برامجه وحتى قاعدة البيانات «أوراكل». حسن، ان لم تكن على اطلاع على عالم الكمبيوتر فلا تشاهد الفيلم لأنك لن تستوعب الكثير من حوادثه، كما حدث لي تماما ما أجبرني على اللجوء إلى شقيقي الأصغر! الأمل يأتي من عالم الماتريكس لكن ما يحدث هو أن أحد البرامج ويدعى سميث «هيجو ويفنغ» يتحرك في الاتجاه المضاد ليدمر العالمين، ما تبقى من العالم الحقيقي، وعالم الآلات، مع العلم بأنه قد أحدث ضررا كبيرا في عالم الماتريكس حين دمر العرافة أو الأوراكل (ماري اليس) وهي قاعدة البيانات التي تعرف أسرار جميع البرامج بل وتستطيع التنبؤ بما سيحدث، ولم يكتف سميث بذلك بل انه قام باستنساخ نفسه أو لنقل نسخ مئات البرامج منه، وسيطر على عالم الماتريكس وهو الآن يحاول القضاء على البرنامج نيو، وهو ما تبقى من أمل لإنقاذ الجميع.
نيو (كينو ريفز) يلتقي العرافة التي ترشده الى طريق الانقاذ الصحيح، ليسافر في رحلة جريئة الى عالم الآلات وليلتقي بالقوة الكبرى (لا أعرف لمن ترمز هذه القوة التي تعيش في السماء!)، وليقنع هذه القوة ويعقد معها صفقة يتم فيها ايقاف هجوم الآلات على المدينة، ليقوم نيو في المقابل بالقضاء على سميث.
طبعا نعرف جميعا كيف انتهى الفيلم بانتصار نيو وعودته الى عالم الماتريكس بعد ان كان تائها بين العوالم الثلاثة، لكن المحير هو ما الذي يريد كاتبا قصة الفيلم ومخرجاه (الأخوان لاري وآندي واشوسكي) ايصاله الى المشاهد... الايمان بالقضاء والقدر، أم العكس، أم هو الايمان بقدرة عالم الماتريكس الذي يشير الى العالم التقني القادر على انقاذنا جميعا من أية كوارث مستقبلية؟
بقي ان أقول انك لن تشعر بأية متعة عند مشاهدة الفيلم الذي لا يأتي بأي جديد على الاطلاق، بل يصيبك بالملل والغثيان بسبب مشاهد المعارك المصورة فيه وهي مشاهد طويلة تشبه الى حد كبير تلك المعارك الموجودة في ألعاب اليديو!
يعرض الفيلم في مجمعات سينما السيف وسار
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ