العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ

إنهاك الأجندة السياسية يضر بأصحابها

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

ما يحدث في أوساط الاتجاه الإسلامي الشيعي من إنهاك مستمر لطاقاته يضر بالقائمين على الاتجاه وبالناشطين داخله. فأقل ما يمكن قوله في تعدد الأجندة السياسية هو الإنهاك الذي بدأت متاعبه تزداد على الشارع الشيعي أكثر من أي طرف آخر.

الاتجاه الإسلامي الشيعي يتميز عن غيره بكثرته العددية وبكثرة شبابه (ثلثا الناشطين أعمارهم تتراوح بين 16 و25 سنة) وبكثرة القادرين على تحريكه بصورة سريعة، وفي بعض الأحيان مفاجئة. والتحريك المفاجئ يشمل قدرة رموز من خارج التيار على تحريك الشارع كما حدث بالنسبة إلى نانسي عجرم.

أية مجموعة سياسية - اجتماعية لديها قدرات وإمكانات، وإذا لم تعرف هذه المجموعة كيف تستخدم إمكاناتها لخدمة مصالح مجتمعها ومصالحها فإنها تصبح عبئا عليها وهدرا لا يغتفر لمقدراتها. والمفترض من عقلاء هذه الجماعة أو تلك أن يحسنوا الاستفادة من إمكاناتهم التي تميزهم بدلا من هدرها في أي اتجاه واستجابة لأية دعوة، ولأي شعار ولأي طرح غير قابل للتطوير أو التعامل مع الواقع برؤية متجددة.

ولعل الاتجاه الشيعي يشبه إلى حد ما الاتجاه الاشتراكي الأوروبي في القرن التاسع عشر. فالاشتراكيون الأوروبيون كانت لديهم الأعداد الهائلة من العمال الذين بدأ عددهم يزداد في تلك الفترة. وأصبحوا الكتلة السياسية الأكثر عددا. وعلى رغم ذلك فإن الاشتراكيين لم يوفقوا في الحصول على ما يريدون، لأن الايديولوجية التي اتبعوها آنذاك حالت دون توحيد أجندتهم. فكان هناك من يؤمن بالثورة من أجل الثورة، وان الثورة مستمرة لأنها قدرهم المحتوم. وبما ان الحياة تتحرك على أساس الصراع الطبقي المستمر دائما وأبدا، فإن العمال يجب أن يصطدموا مع أصحاب النفوذ بصورة دائمة ومؤيدة...

الاشتراكيون أيضا وعلى رغم كثرتهم لم يستطيعوا تحديد ما يريدونه، وتنتهي مؤتمراتهم في العادة إلى الاشتباك بالألسن وربما بالأيدي، وتحسم الأمور على أساس ثوري أو من خلال تحريك العمال لتأكيد صراعهم الأبدي مع أصحاب الثورة والنفوذ.

البيان الشيوعي الذي أصدره ماركس وانجلز في منتصف القرن التاسع عشر كان أهم بيان ومحاولة لتوحيد تلك الطاقات المبعثرة. ذلك الميثاق لم ينفع كثيرا حتى جاءت فكرة «الحزب الطليعي» لقيادة العمال الكادحين، وتحول بعد ذلك الحزب الطليعي إلى موقع نفوذ وسلطة لا يختلف عن (بل يزداد على) أصحاب النفوذ الرأسماليين الذين كانت تحاربهم الحركة الاشتراكية.

الذين حققوا نجاحا أكبر من غيرهم في الاتجاه الاشتراكي هم الاشتراكيون في بريطانيا الذين نظموا صفوف النقابات العمالية ووحدوا عملها النخبوي الذي كانت تقوده جمعيات مثل «الجمعية النقابية» مع النقابات ونتج عن ذلك تشكيل «حزب العمال» الذي استطاع الوصول إلى موقع القرار بسرعة بعد تشكيله.

الاتجاه الشيعي البحريني لديه العدد ولكن تنقصه الرؤية الموحدة وتنقصه القيادة التي تستطيع توجيه إمكاناته بصورة أكثر فاعلية لخدمة المجتمع ولخدمة أنصار الاتجاه... وهذا ما يبدو عليه الحال مع الخوف المستمر من انفلات الوضع بسبب شعار يرفع هنا أو هناك، أو بيان يصدر في هذه الجهة أو تلك، أو تصريح يصدر من عالم دين أو نائب سلفي أو خطيب في مأتم أو أي شيء آخر لا يتوقعه أحد.

هذه الحال مضرة للاتجاه الشيعي قبل غيره وتنهكه أكثر من إنهاكها لغيره وتبدد طاقاته إلى ما لا نفع فيه ولا رجاء منه أكثر من أي شيء آخر. فمتى يصدر بيان كبيان ماركس وانجلز (مع الفارق في المحتوى)؟ ومتى تنتظم الصفوف كما انتظمت صفوف النقابات البريطانية وجمعياتها النخبوية وأسست حزبا قادرا على تحقيق جزء كبير من الآمال التي يحملها أنصار الاتجاه؟ أسئلة حائرة تبحث عن أجوبة متعقلة وليس عن مهاترات لم تنفع ولن تنفع أصحابها

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 471 - السبت 20 ديسمبر 2003م الموافق 25 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً