صحا ضمير اللص فجأة فأعاد مسروقاته من خلال مركز الشرطة وطلب ردها إلى أصحابها، حدث ذلك في إحدى مدن جنوب ألمانيا، بل لم يكتف بذلك فحسب بل بعث خطابات اعتذار للمتاجر التي كان قد سرق منها تلك البضائع، لم يقل هذا اللص وهو الفقير المحتاج في نفسه إن أصحاب المتاجر من الرأسماليين الذين يبتزون المواطنين من خلال أرباحهم وأطماعهم التي ربما لا حدود لها بل رأى أن هذا العمل مشين فلا يجوز أن يسرق كل منّا الآخر فالعمل في حد ذاته بشع، فعل ذلك مع أن تعاليم دينه ربما ليس فيها من الترغيب والترهيب من أجل إبقاء الإنسان ذا ضمير حي، مستقيم لا يعتدي على أموال الغير ولا يعتدي على ما في يد الآخرين.
ترى كم هو عظيم هذا الضمير عندما يكون حيا وحساسا لأن ذلك يدفعه إلى أن يكون نزيها في كل شيء، يرفض أن يخون ما ائتمن عليه سواء كان شخصا بسيطا أو مسئولا عن أموال المواطنين، إن الدنيا ساعتها ستكون بخير ينام الإنسان وهو مطمئن ويشعر المواطن أن أموال الدولة لا تضيع سواء كانت عينية كالأراضي أو المساعدات التي تأتي باسمه من هنا أو هناك، ولولا تقصير بعض المسئولين خصوصا في بلدان العالم الثالث لما وجدت هذا الفقر والجوع والبطالة منتشرة فيها، ولانتفى هذا الحقد الطبقي بين الناس.
ترى لو حدث أن صحا بعض المسئولين في العالم الثالث وتحديدا الخليج صباح يوم ما وعاد إليهم ضميرهم كاللص الألماني وتوقفوا عن نهب المال العام، وأعادوا نصف ما نهبوه من قوت الشعب، ولا أقول كله إلى خزانة الدولة أو استثمروها داخل البلاد فأقاموا مصانع ووجوها مختلفة للاستثمار وفتحوا المجال أمام العاطلين للعمل فيها بأجور مجزية، ألم يكن وضع البلد سيتغير وتسود المحبة بين الشعب وقيادته؟ يقال ان قياديا خليجيا في إحدى الليالي خسر مليون دولار على مائدة القمار خلال وجوده في إحدى الدول الأوروبية من دون أن يرف له جفن، وظن الذين معه أنه سيحزن غير أنه علق قائلا (بكره باسترجعها)، ترى كم نهب هذا المسئول من الأموال طوال بقائه في منصبه الذي كان متسمرا فيه. أمثل هذا يملك ضميرا حيا أم مات ضميره وضمير أمثاله وشبع موتا؟ رحم الله والديّ اللص الألماني الذي صار أفضل من مدّعي البطولات في العالم الثالث
العدد 470 - الجمعة 19 ديسمبر 2003م الموافق 24 شوال 1424هـ