في قاعة جمعية المهندسين كان لنا أكثر من لقاء. وهناك تسمرت الأعين وجلس الجميع لتأبين الفقيه السعيد آية الله العظمى السيدمحمد الشيرازي. حضر الحفل جمع من العلماء الأفاضل، وعدد كبير من الشخصيات مع ضيفين عزيزين أحدهما ابن السيد وهو السيدجعفر الشيرازي والذي ألقى كلمة تأبينية ركز فيها على نقطة جوهرية كانت محل اهتمام السيد الراحل وهي قضية المؤسسات ودورها في صوغ وعي المجتمع. والضيف الآخر هو الكاتب المسيحي الأديب انطوان بارا صاحب كتاب (الحسين في الفكر المسيحي)... سرد لنا قصته مع الراحل وكيف كانت لقاءاته به... ما يميز التأبين الحضور وتفاعل الموجودين وكذلك مشاركة هذا المفكر المسيحي الذي آمن بالحوار ووجد في فقيدنا نموذجا للعلم والمحبة الإنسانية.
وكان من بين الحاضرين إخوان أعزاء بعضهم حُفروا في ذاكرة النضال رجال دافعوا عن حرية الكلمة، والبعض الآخر صقلتهم المنافي في سبيل حياة كريمة.
السيد الراحل كان خزانة علم... كتبه تملأ المكتبات ودور العلم. وفي يوم من الأيام كان لي شرف الالتقاء به عندما كنت طالب علم في قم... سمعت عنه كثيرا وقرأت له مرارا لكن لم أره فحاولت أن أحصل على موعد للوصول إليه، والتقيت به في مجلسه المتواضع. تحقق اللقاء دخلت عليه أنا وصديقان لي من منطقتي في البحرين... جلسنا معه، لمسنا فيه التواضع وصدق الحديث... ومازلت أذكر ابتسامته وسؤاله لنا. قال لنا: هل تجيدون النحو؟ قلنا له: نعم. تفضل واسأل. فقال: اعربوا لي: «ولله الأسماء الحسنى». قمنا بإعرابها. تبسم فقال لنا: انتم ستذهبون للخليج، إلى بلادكم، ولكن عليكم أن تفكروا بالناس فلا يأخذكم ترف الحياة وزينتها.
هذا اللقاء بقي في الذاكرة صورة من صور الرحمة. وهكذا هي حياة المراجع تقوى وورع وعلم وإيمان. يعيشون في بيوت متواضعة، يكرسون كل أعمالهم لخدمة الإسلام.
المرجع الراحل هو أحدهم... ألف كتبا، بنى مؤسسات، خرَّج تلاميذ، وأسس وعيا.
تمر ذكراه غالية على قلوبنا لكن على رغم تقادم الزمن، وتصرم الأيام يبقى لهؤلاء الشخصيات حضور في الذاكرة ووعي الجماهير.
فليس غريبا عندما نرى مسيحيا تدمع عينه على رحيل مرجع مسلم وتلك هي الإنسانية وذلك هو الدين يعلمنا أن ننفتح على بعضنا وأن نركز على القواسم المشتركة بما تخدم إسلامنا، وقضايانا.
وما أجمل شبابنا أن ينفتحوا على بعضهم بلا تأزم ولا تحسس فكل هؤلاء هم علماؤنا، ومراجعنا، نحفظهم عندما نعمل سويا في سبيل الإسلام.
آخر كتاب قرأته للسيد الراحل هو كتاب «اللاعنف في الإسلام».
كان كتابا قيما يعكس فيه السيد صورة الإسلام في سلامه وإنسانيته. هذه الأيام لبست إيران ودول الخليج والدول الإسلامية لباس الحداد على هذا السيد... في إيران تقوم احتفالات للذكرى وفي الكويت والبحرين والقطيف. نعم كما أبّنه الفقهاء «انه رجل عرف بالتقوى والعلم». رحم الله السيد يوم عاش ويوم رحل ويوم يُبعث حيا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ