تناولت الصحف العبرية مسألة سقوط الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في أسر قوات الاحتلال الأميركي للعراق، مهللة للحدث وعنون أحدهم «متسول من بغداد» في هزء وسخرية من صورة صدّام حسين التي لم تفارق شاشات التلفزة بعد انتشار نبأ وقوعه في قبضة قوات الاحتلال في العراق... وتأكد للمحللين الإسرائيليين أن هذا الحدث برهن على ان الأميركيين عازمون على الدفاع عن قيم الولايات المتحدة من خلال اللجوء إلى القوة ما يشكل برأيها تهديدا للمجموعات المتطرفة في المنطقة وكل من يقوم باحتضان «الإرهاب».
لكن المحللين الإسرائيليين أوردوا جملة أسئلة من زاوية ما بعد صدام... وأبرزها موضوع المقاومة العراقية وتوقع تسفي برئيل في «هآرتس»، أن يُذهب هذا الحدث الخوف من عودة صدام من قلوب العراقيين المترددين في قتال الأميركيين. وبالتالي أن تتبلور المواقف أكثر من مسألة العلاقة مع قوات التحالف (الاحتلال). وإذ أقر المحللون بالانتصار الذي أحرزه الأميركيون في العراق وخصوصا على مستوى الرئيس الأميركي جورج بوش وفريقه، توقع الجميع أن ينعكس ذلك تقدما لبوش في الانتخابات الرئاسية. واعتبر تسفي برئيل في هآرتس ان الرئيس صدام حسين، قد سقط مرتين، المرة الأولى حين سقط تمثاله في وسط بغداد. والثانية حين وقع في يد القوات الأميركية.
ورأى برئيل، أن اعتقال الرئيس العراقي يشكل انتصارا سياسيا كبيرا للأميركيين أكثر منه للعراقيين لأن الرئيس بوش، الذي فشل في تحقيق أحد أهداف الحرب على العراق ألا وهو الكشف عن أسلحة الدمار الشامل، سجّل فوزا كبيرا عندما ألقى القبض على الطاغية العراقي. غير ان برئيل، شدد على ان أهمية اعتقال صدام، تقاس بالانعكاسات التي ستتركها على الحرب المستمرة في العراق وعلى مستقبل البلاد السياسي. ورجّح أن يؤدي اعتقال الرئيس العراقي إلى إزالة الخوف الذي كانت تشعر به التيارات المعارضة العراقية من ان مشاركتها في محاربة الأميركيين قد تؤدي إلى عودة صدام إلى الحكم، وأن تباشر باتخاذ خطوات سياسية وعسكرية لمقاومة وجود قوات التحالف في العراق. أما في ما يتعلق بوتيرة الهجمات ضد قوات التحالف، فأكد برئيل، انه خلال الأشهر التسعة الماضية لم تكن المجموعات التي تقاتل قوات التحالف، تستمد أوامرها من صدام حسين أو من مساعديه، فحسب كما أن الأميركيين أدركوا أخيرا ان المعارضة العراقية للاحتلال ليست محصورة فأتباع الرئيس المخلوع، بل كانت تلك المعارضة تستمد قوتها من المجاهدين الإسلاميين ومن بعض المجموعات الوطنية وحتى من نشطاء شيعة يعارضون استمرار الوجود الأميركي في بلادهم. من هنا استنتج، برئيل، ان اعتقال الرئيس العراقي، سيلغي فئة «أتباع صدام» من اللائحة وسيبرهن أن ثمة عناصر كثيرة أخرى في الكوكبة المعارضة للاحتلال الأميركي.
وطرح يوئيل ماركوس في هآرتس، جملة أسئلة عن اعتقال صدام حسين، لا سيما عما إذا كان هذا الرجل الذي يشبه متسولا على إشارة طريق في تل أبيب، هو فعلا صدام حسين الذي أراق الدماء في كل زاوية من بغداد والعراق. وسأل هل هذا هو فعلا صدام الذي يملك 28 قصرا رئاسيا والذي اجتاح الكويت ودخل في حرب دامت ثماني سنوات مع إيران والذي قام بإبادة الأكراد والمسئول عن مقتل أكثر من مليوني شخص؟ وما إذا كان ذاك الرجل الشهم الذي أعلن انه يفضل إطلاق النار على نفسه بدلا من مواجهة حكم بالنفي هو نفسه الرجل الذي اعتقل مثل «فأر في حفرة حقيرة»؟ في المقابل، اعتبر ماركوس، أن اعتقال صدام لن يضع حدا لما وصفها الاعتداءات على الأميركيين في العراق، غير أنه أكد أن هذا الحدث برهن على أن الأميركيين عازمون على الدفاع عن قيم الولايات المتحدة، من خلال اللجوء إلى القوة. وخلص إلى ان هذه الحقيقة يجب أن تكون بمثابة تهديد للمجموعات المتطرفة في المنطقة وكل من يقوم باحتضان «الإرهاب».
لكن الصحف العبرية، تجاوزت أيضا الحدث العراقي لتتطلّع إلى معاركها الخاصة في المنطقة، على جري العادة... فالمعركة لا تتوقف عند صدام. وهل تتوقف أعمال المقاومة... يربح بوش الجمهوري وشلته في الإدارة معركة الرئاسة أم لا؟ فهناك خيط إسرائيلي متصل يجب أن يتغذّى من الحدث عينه... ليحقق استمرارا للمعركة في المنطقة بأكملها. وهذا ما شغل زئيف شيف في «هآرتس»، الذي كتب مقالة من أثينا، لافتا إلى أن بعض العراقيين الذين وصفهم بأنهم «مرموقون» قد ألمحوا خلال مؤتمر عقد في العاصمة اليونانية عن مستقبل منطقة الشرق الأوسط، إلى ان الرئيس العراقي قد يتلقى عرضا للإدلاء بمعلومات بشأن حيثيات إخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية وما إذا كان قد قام بتهريب بعضٍ منها إلى سورية، مقابل سجنه مدى الحياة بدلا من إعدامه كمجرم حرب. أما في ما يتعلق برأيه في الاعتقال كحدث بحد ذاته، فرأى شيف، ان ذلك يشكل النجاح الأكبر الذي حققه الأميركيون في العراق منذ بداية الغزو. غير ان شيف بدا متأكدا من ان اعتقال الرئيس العراقي ليس له علاقة بمسألة بقاء القوات الأميركية في البلاد ولن يكون له انعكاسات على الصلاحيات التي سيتم منحها إلى الزعماء العراقيين.
يذكر أن مدير معهد التصدير الإسرائيلي شابه بروش، كشف للإذاعة الإسرائيلية، أن الشركات الإسرائيلية تعمل بصورة غير مباشرة في عملية إعمار العراق عن طريق شركات أجنبية. وقال إن قرار الولايات المتحدة عدم إدراج «إسرائيل»، على قائمة الدول المسموح لها بالمنافسة على عطاءات التعمير لن يؤثر على الشركات الإسرائيلية موضحا أن حجم الصادرات الإسرائيلية غير المباشرة يقدر بمئة مليون دولار للعام المقبل
العدد 469 - الخميس 18 ديسمبر 2003م الموافق 23 شوال 1424هـ