أقسم بالله وبكل المقدسات لو كان المواطن العربي أعطته أنظمته المساحة المعقولة من الحرية، وعاش في أجواء ديمقراطية مثلما يعيش الأوروبيون لتغيرت حتى جيناته وصار يخلق الأبطال والشجعان والقادرين على هزيمة «إسرائيل» منذ زمن طويل، وما لبنان إلا نموذجا من البلدان العربية التي شذت عن قاعدة البلاد العربية التي اتضح كيف أن النظام الديمقراطي وحرية الإنسان يجعلان المواطن يواجه عدوه بل ويفرض هيبته على عدوه، ومن هنا فإن المواطن اللبناني استطاع أن يرغم القوة الإسرائيلية أن تخرج من أرضه مذموما مدحورا.
كان بالإمكان أن يصبح العراق الأوسع والأكثر عددا أكثر خطورة على «إسرائيل» من لبنان، لكن حكم العسكر وسيطرة الحزب الواحد وخنق الحريات وإلقاء المعارضة في السجون وراء هذا «الضعف» مقابل «قوة» لبنان. ولأن هامش الحرية اتسعت في بلادنا بعد إصلاحات جلالة الملك وما تبعها من إفساح المجال أمام قيام جمعيات المجتمع المدني فإن رقعة الشجاعة قد اتسعت بل وستزيد في المرحلة المقبلة بإذن الله.
إن هذه الحرية هي وراء ظهور «جمعية أصدقاء البيئة» في بلادنا، وعلى رغم أن الجمعية لا علاقة لها بأحزاب (الخضر) الأوروبية لكنها تلتقي معها كما يبدو في كثير من توجهاتها، فقد لفت نظري ذلك البيان الذي أصدرته بشأن تجريف الأراضي الزراعية في منطقة عذاري التي تضمن أن التجريف يتعارض مع ما نص عليه الدستور ومع التوجهات المعلنة في المحافظة على البيئة، والطريف تلك الصورة التي تضم عددا من الرجال والأطفال والنساء ونخلة وسطهم ولا أدري إن كانت النخلة تقوم بتظاهرة احتجاج معهم فالحرية غيرت من طبيعتها فأصبحت هي الأخرى تطالب بإيقاف التجريف في منطقة عذاري.
وهؤلاء المواطنون كانوا يرون التجريف منذ سنوات طويلة ليس في منطقة عذاري فحسب بل في أماكن أخرى مثل ما كان يقوم به التجار أصحاب الأراضي الزراعية الواقعة على جانبي طريق البديع ومن خلال ضغط متواصل على الحكومة للسماح لهم بتحويلها إلى أراضٍ تجارية من دون أن يحتج - على ما أذكر - أحد منهم، علما بأن الاحتجاج آنذاك كان يدعم الحكومة في توجهاتها لكن هامش الحرية الجديد قد أطلق ألسنتهم وصار المواطن بمناسبة ومن دون مناسبة يحاول ان يستفز الجهات المسئولة.
كم أتمنى أن يتم التركيز على القضايا الملحة مثل إيقاف الفساد المالي والإداري والأخلاقي لا إصدار بيانات عن تجريف أشجار ميتة أصلا منذ سنوات طويلة
العدد 468 - الأربعاء 17 ديسمبر 2003م الموافق 22 شوال 1424هـ