أكدت الهيئة العامة لصندوق التأمينات الاجتماعية في تقرير رفعته إلى لجنة الخدمات في مجلس النواب بشأن التقاعد المبكر للمرأة أن موارد الصندوق المالية لا تتناسب مع حجم المصروفات التأمينية الآخذة في الازدياد بشكل متواصل. ومن بين أهم الأسباب التي تقف وراء زيادة هذه المصروفات هو التقاعد المبكر «كما أكد ذلك الخبير الاكتواري في دراسته الأخيرة». وأضافت الهيئة أن خلو نظام التأمين الاجتماعي في البحرين من سن للتقاعد يفسح المجال للمؤمن عليهم للحصول على المعاش التقاعدي في سن مبكرة جدا الأمر الذي يشكل عبئا ماليا على الصندوق يتحمل تبعات هذا العبء بقية المؤمَّن عليهم الذين يقضون سنوات أطول في الخدمة. وأكد التقرير أن أية رغبة لتعديل مزايا المتقاعدين يجب أن تصاحبها دراسة الكلفة ومن ثم إيجاد الموارد اللازمة لتغطية هذه الكلفة.
وذكرت الهيئة أن قانون التأمين الاجتماعي غير معني بشكل كبير بهذا الاقتراح، لأنه محقق واقعا بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المؤمَّن عليهم.
وقد أوصت لجنة الخدمات في مجلس النواب بعد النظر في تقرير الهيئة بـ«حتمية زيادة نسبة الاشتراكات لدعم وضع الهيئة العامة لصندوق التقاعد والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وتمكينهما من الوفاء بالتزاماتهما واستيعاب مقترح تمكين المرأة العاملة من التقاعد المبكر اختياريا ذو المردود الاقتصادي والاجتماعي». كما أكدت اللجنة على أن على الهيئتين (التقاعد والتأمينات) إيجاد فرص استثمارية ذات عوائد جيدة لسد العجز المتوقع.
الوضع الحالي للتقاعد المبكر
وذكر التقرير أن قانون التأمين الاجتماعي البحريني يتميز بالمرونة في تحديد سن التقاعد«إذ إن هذا القانون لم يضع سنا إلزامية للتقاعد وإنما حدد سن استحقاق المعاش، وعلى أساس هذه السن حدد المدد المطلوبة لاستحقاق المعاش. هذا التميز يعني السماح للمؤمَّن عليهم المشتركين في النظام بالتقاعد قبل بلوغ السن الاعتيادية للتقاعد متى تم استكمال المدة المؤهلة للمعاش بغض النظر عن عمر المؤمَّن عليه أو المؤمَّن عليها عند طلب التقاعد. وهنالك اختلاف بين المرأة والرجل في عدة أمور منها: الاختلاف في سن التقاعد الاعتيادي بينهما، إذ إن السن الاعتيادية للرجل 60 سنة اما للمرأة فهي 55 سنة. والاختلاف في سنوات الاشتراك المطلوبة، إذ إن التقاعد في السن الاعتيادية يستلزم توافر 15 سنة اشتراك للرجل بينما يستلزم 10 سنوات اشتراك للمرأة التي تتقاعد في السن الاعتيادية للتقاعد. أما بالنسبة إلى التقاعد المبكر فان الرجل يحتاج إلى 20 سنة اشتراك بينما تحتاج المرأة فقط إلى 15 سنة اشتراك».
وأكد التقرير أن نظام التأمينات الاجتماعية لا يشكل أية عقبة أمام المؤمَّن عليه الذي يرغب في التقاعد قبل بلوغه سن التقاعد الاعتيادي، وكذلك المؤمَّن عليها إذا رغبت في التقاعد في أي سن إذا استكمل أي منهما المدد المطلوبة.
مدى تأثير التقاعد المبكر على الصندوق
وفي حديثه عن التحديات أمام نظام التأمينات ذكر التقرير أن نظام التأمين الاجتماعي يواجه تحديات عدة من بينها أن موارده المالية لا تتناسب مع حجم المصروفات التأمينية الآخذة في الازدياد بشكل متواصل. ومن بين أهم الأسباب التي تقف وراء زيادة هذه المصروفات هو التقاعد المبكر كما أكد ذلك الخبير الاكتواري في دراسته الأخيرة.
ومن الممكن تلخيص آثار التقاعد المبكر - بحسب التقرير - على الصندوق في عدة نقاط هي الاستغناء عن ممول للصندوق، صرف المعاش قبل أوانه الطبيعي ولمدد أطول، ارباك نتائج الدراسات الاكتوارية، الارتفاع غير المتوقع في المصروفات. إضاعة فرص استثمار من الاشتراكات التي كان من المفترض تحصيلها والمعاشات التي صرفت قبل أوانها. ونتيجة هذه العوامل فضلا عن عوامل أخرى فان الفحص الأخير للمركز المالي للصندوق يشير إلى إن«مجموع الإيرادات في الفرعين سيتعادل مع مجموع المصروفات في العام 2012 وبعد ذلك سيضطر النظام إلى تغطية المصروفات التي ستتجاوز حجم الإيرادات، واللجوء إلى السحب من الاحتياطي المتراكم إلى أن ينتهي هذا الاحتياطي في العام 2023. وتوصي الدراسة بضرورة إجراء التعديلات اللازمة على النظام لتأخير مرحلة الخطر. وقد تضمن التقرير تصورات كثيرة لما سيكون عليه الصندوق في حال إدخال بعض الإصلاحات عليه».
الحد من ظاهرة التقاعد المبكر
أكد التقرير «أن خلو نظام التأمين الاجتماعي في البحرين من سن للتقاعد يفسح المجال للمؤمَّن عليهم للحصول على المعاش التقاعدي في سن مبكرة جدا الأمر الذي يشكل عبئا ماليا على الصندوق يتحمل تبعات هذا العبء بقية المؤمَّن عليهم الذين يقضون سنوات أطول في الخدمة. وذكر التقرير كذلك أنه »في أحدث إصدارات منظمة العمل الدولية ورد أن نظام التأمين الاجتماعي في بعض الدول العربية يسمح بالتقاعد في سن مبكرة قياسا على المستويات الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن. كما تؤكد الدراسة أن هذا الوضع يحتاج من دون شك إلى إعادة نظر في الوقت المناسب طالما أن الكثير من حالات التقاعد المبكر لا تخضع لفرض أية عقوبات (أي تخفيض في المعاش) أو أن هذه العقوبات ضئيلة. وفي موضع آخر تشير الدراسة إلى أن الكثير من الدول لديها المرونة في التقاعد من خلال السماح بالتقاعد قبل سن التقاعد الاعتيادي بخمس سنوات مع إجراء تخفيض على المعاش المبكر بنسبة 6 في المئة عن كل سنة. ويضع نظام التأمين الاجتماعي في البحرين كسائر نظم التأمينات الاجتماعية في دول العالم ضوابط للحد من التقاعد المبكر تتلخص في إجراء خصومات على المعاش بنسب تختلف بحسب سن المتقاعد.إلا أن الدراسة الأخيرة التي قدمها الخبير الاكتواري تؤكد أن عدم صحة نسب التخفيض المعمول بها حاليا في القانون وخلو القانون من سن للتقاعد يعدان عاملين مؤثرين في الزيادة المفرطة في أعداد المتقاعدين وبالتالي يقترح الخبير الاكتواري أن يربط التقاعد المبكر ببلوغ سن 50 للرجل و45 للمرأة بحيث يرتفع سن التقاعد المبكر تدريجيا ليصل إلى 55 و50 للرجل وللمرأة على التوالي. كما يوصي برفع سن التقاعد الاعتيادي لتصل إلى 65 للرجل و60 للمرأة، وذلك لتحسين وضع الصندوق. على أن يخفض المعاش بواقع 5 في المئة عن كل سنة تقع قبل السن الاعتيادية للتقاعد بالنسبة إلى الرجل والمرأة».
ما مدى فاعلية تخفيض معاش التقاعد
هناك مؤشر واضح على أن 94 في المئة من مجموع المتقاعدات تقل اعمارهن عن سن التقاعد الاعتيادي أي أقل من 55 سنة، وان 54 في المئة من المتقاعدات تقع اعمارهن تحت 45 سنه. إن هذا الواقع يعد من منظور نظم التأمينات الاجتماعية غير طبيعي وغير صحي، فلا يتصور وجود هذا العدد الكبير من حالات التقاعد المبكر في الوقت الذي يسعى فيه العالم أجمع إلى إعادة النظر في سن التقاعد وزيادته تبعا للتغيرات التي طرأت على متوسط عمر الانسان.
أما وضع الذكور فانه و ان كان أقل حدة فإنه يشكل أيضا ظاهرة غير مستحبة من منظور نظم التأمينات الاجتماعية، ان ما يقرب من 46 في المئة من مجموع المؤمَّن عليهم المتقاعدين يقل اعمارهم عن سن التقاعد الاعتيادي.
نظام الحد الأدنى للمعاشات ومعدلات التقاعد المبكر
تحدث تقرير الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في تقرير رفعته إلى لجنة الخدمات في مجلس النواب بشأن التقاعد المبكر عن العلاقة بين نظام الحد الأدنى للمعاشات ومعدلات التقاعد المبكر إذ قال بأن «من بين العوامل التي تشجع على التقاعد المبكر وتقلل في الوقت نفسه من تأثير نسب التخفيض التي ترد على المعاشات، تطبيق نظام الحد الأدنى للمعاشات. ويتلخص مفهوم نظام الحد الأدنى للمعاشات في أن المشرع يضع حدا أدنى للمعاش بحيث يمنع أن يتقاضى أي مستفيد معاشا يقل عن هذا الحد. ومن خلال نظرة متأنية في مستوى أجور المؤمَّن عليهم في القطاع الخاص والمدرجة في سجلات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية نجد أن الشريحة الكبرى من المؤمن عليهم (ذكورا وإناثا) يتقاضون أجورا تتقارب جدا من مستوى الحد الأدنى للمعاشات، وهذا يعني بطبيعة الحال انه على رغم احتساب المعاشات وفقا للمعادلات المطبقة في القانون فإنه ونظرا إلى تدني أجور المؤمن عليهم وتقاربها بشكل كبير من الحد الأدنى المعمول به حاليا، فان الشريحة الكبرى من المؤمَّن عليهم سيتقاضون معاشات تقاعدية تكاد تصل معدلاتها إلى مستوى الأجور الفعلية مهما قلت سنوات الخدمة».
وأعطى التقرير مثالا على ذلك كالآتي: «لو أخذنا على سبيل المثال امرأة خاضعة لنظام التأمين الاجتماعي وتتقاضى اجرا يبلغ 150 دينارا شهريا، فانها بافتراض تقاعدها اذا استكملت 15 سنة اشتراك وهي المدة المطلوبة قانونا، فان المعاش وفقا للمعادلة المعمول بها يجب ان يكون في حدود 30 في المئة من الأجر باعتبار ان المعادلة هي 2 في المئة عن كل سنة. إلا أنه ومن خلال تطبيق نظام الحد الأدنى للمعاشات فان المؤمن عليها ستتقاضى معاشا لا يقل عن 150 أي ما يعادل 100 في المئة من الأجر الذي كانت تتقاضاه من العمل. ولو نظرنا إلى مستوى أجور المؤمَّن عليهن سنجد ان شريحة كبرى منهن سيتأهلن للحصول على معاش يعادل أو يقارب الاجور الفعلية. ووفقا لمستويات الأجور المسجلة في سجلات الهيئة فان 74,8 في المئة من مجموع المؤمَّن عليهن مؤهلات للحصول على 60 في المئة من الأجر فيما لو استكملت أي منهن المدد المطلوبة للحصول على المعاش التقاعدي المبكر، كما أن 61 في المئة من مجموع المؤمن عليهن مؤهلات للحصول على 100 في المئة من الاجور التي كن يتقاضينها فيما لو استكملت أي منهن شروط استحقاق المعاش».
واختتم التقرير بعدة نقاط منها «أن نظام التأمين الاجتماعي ممول ذاتيّا من قبل الاشتراكات الشهرية التي يتحملها كل من اصحاب العمل والعمال. ومن المعروف ان هذه الاشتراكات يتم تحديدها من قبل الخبراء الاكتواريين على ضوء مستوى المنافع التي يقدمها النظام. لذلك فان أية رغبة لتعديل هذه المنافع يجب ان تصاحبها دراسة الكلفة ومن ثم ايجاد الموارد اللازمة لتغطية هذه الكلفة. وكما يعلم الجميع فان صناديق الهيئة تعاني من صعوبات مالية كبيرة نتيجة إجراء الكثير من التعديلات على مستوى المنافع ولم يصاحب ذلك زيادة مماثلة في مستوى الاشتراكات بل تعرضت الاشتراكات للتخفيض بواقع الثلث (من 18 في المئة إلى 12 في المئة عن فرع الشيخوخة والعجز والوفاة)، الأمر الذي أدى إلى تدهور الأوضاع المالية للصندوق. وقد دأبت الهيئة على التطرق إلى هذا الوضع غير الصحي في مناسبات كثيرة من دون ان تلقى أي تجاوب. إن المشروع المقترح امامكم سيزيد من الاعباء المالية على الصندوق الأمر الذي سيعجل نقطة التقاء الموارد مع المصروفات، وكذلك نقطة نفاد الصندوق».
وفي تلخيصها لرأيها للجنة قالت الهيئة « لكل ما تقدم فان الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية تود أن توضح للسادة أعضاء اللجنة أن أي تحسين في المزايا فضلا عن الاقتراح المنظور أمام اللجنة يستلزم في المقابل إيجاد موارد كافية لها حتى يضمن الصندوق استمراريته في أداء دوره الاجتماعي. إلا أنه على رغم ذلك فان الهيئة تود أن تؤكد أن قانون التأمين الاجتماعي غير معني بشكل كبير بهذا الاقتراح، لأنه محقق واقعا بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المؤمن عليهن وفقا لما يأتي:
1- نظام التأمين الاجتماعي يسمح للمرأة بالتقاعد في أي سن.
2- يشترط القانون لاستحقاق المعاش توافر مدد قليلة نسبيا وهي 15 سنة اشتراك.
3- من واقع الأجور الحالية فان 74,8 في المئة من المؤمَّن عليهن مؤهلات للحصول على معاش لا يقل عن 60 في المئة من الأجر
العدد 468 - الأربعاء 17 ديسمبر 2003م الموافق 22 شوال 1424هـ