شارك الآلاف من الشعب البحريني مساء أمس في المسيرة التي نظمتها اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب، والتي انطلقت من أمام الجامع الكبير في رأس الرّمان مرورا بشارع الملك فيصل لتنتهي أمام باب البحرين، سادتها روح عالية من الانضباط.
وقد رفع المشاركون في المسيرة اعلام المملكة وصور شهداء وضحايا البحرين في الحقبة الماضية، مطالبين بإعادة الاعتبار إلى الشهداء الذين قتلوا اثناء الحركة المطلبية في التسعينات وماقبلها، واعتبارهم شهداء الوطن والعمل على علاج الحالات التي مازال بعض الضحايا يعاني منها.
وخلال التظاهرة طالب المنظمون من جميع المشاركين في المسيرة بالحفاظ على سلمية المسيرة، مؤكدين «ان هناك بعض الأشخاص يسعون إلى التخريب والمسيرة سلمية مئة في المئة، ويريدون أن تلغى جميع الفعاليات والمسيرات الشعبية من خلال خلق الفتن والتخريب»، مشددين على انه من الضروري «عدم السماح لأي شخص بأن يصطاد في الماء العكر وإفساد ما تم الوصول إليه من مكتسبات».
وردد المتظاهرون الشعارات التي خرجت من منصة قيادة المسيرة والتي طالبتهم بالالتزام بها وعدم ترديد أي شعار لا يردد من المنصة حفاظا على سلامة المسيرة وتحقيقا للأهداف التي وضعتها اللجنة المنظمة، وانتهت المسيرة بسلام، باستثناء محاولة فريدة لتعكير أجوائها، تم ضبطها بسرعة.
وأكد البيان الختامي للمسيرة ان «هذه المسيرة سلمية»، لم تأت لتعكر احتفالات العيد الوطني وعيد الجلوس، بل «إن الاحتفال بذكرى الشهداء هو أفضل عمل وطني يقام به تأكيدا للانتماء إلى هذا الوطن ووفاء للذين قدموا أرواحهم من اجل حريتهم ونيل حقوق المواطنين».
وأضاف منظمو المسيرة ان «جماهير الشعب التي وقعت أكبر عريضة في تاريخ البحرين - بلغ عدد موقعيها ثلاثة وثلاثين ألف مواطن - مازالت تصر وتطالب بحقوق الشهداء وضحايا التعذيب، المتمثلة في المطالب التي تم رفعها إلى جلالة الملك في مايو/أيار الماضي».
واشاروا إلى ان اللجنة الوطنية «تبدي الأسف الشديد للتجاهل والتغاضي الرسمي تجاه العريضة الشعبية، وانه من العقل ومصلحة الوطن الاستماع والتحاور مع أصحاب الحقوق والمظالم».
ومن جانبها قالت وزارة الاعلام أن عددا من المشاركين في المسيرة قاموا بالاعتداء على الأملاك العامة والخاصة بتكسير بعض الاعلانات وواجهات المحلات التجارية والقاء حجارة على رجال الأمن مما أوقع بعض الاصابات في صفوفهم كما أطلقوا هتافات تضمنت قدحا وقذفا جنائيا بحق شخصيات سامية وعامة.
وبحسب الوزارة، استنكر المشرف على المسيرة السيد جعفر العلوي «محاولات بعض المندسين الذين حاولوا تحريف المسيرة السلمية التي شارت بشكل منضبط». ووصفهم بـ «المخربين» الذين أرادوا أن يحرفوا هذه المسيرة عن باب البحرين، شاجبا المحاولات التخريبية ومؤكدا أن الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة واجب وطني «كما أن عقيدتنا الاسلامية لا تبيح التخريب بحق هذه الممتلكات». ومن جانبه قال نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطية إبراهيم شريف إن «المسيرة خرجت في ذكرى اليوم نفسه الذي سقط فيه أول شهيدين في حوادث التسعينات ليكونا بذلك رمزا ويكون اليوم يوما تخلد فيه ذكرى شهداء البحرين، وإن هذه المسيرة ليست استفزازية». مؤكدا «ضرورة فتح التحقيق مع المتهمين بالتعذيب كما يحدث في المجتمعات المتحضرة بتشكيل هيئة وطنية للمصارحة والحقيقة للكشف عن جميع الجرائم التي ارتكبت في الحقبة الماضية، وان يعترف جميع المتهمين بالتعذيب بما قاموا به قبل أن يكون هناك عفو، إذ لا يمكن ان يكون العفو قبل الاعتراف والإقرار بكل ما قاموا به من تعذيب وتنكيل بالمواطنين».
وأشار إلى أن الاحتفال بالشهداء يعد مناسبة وطنية تعتبر جزءا من احتفالات الوطن، مؤكدا ضرورة أن يبتعد الجميع عن التحسس من مثل هذه المسيرات لأنها تمثل شكلا من أشكال الديمقراطية.
كما أكد احد المشاركين ان مطالب ضحايا التعذيب في البحرين «قد اكتسبت شرعيتها وحقها من الشريعة ومن ميثاق العمل الوطني ومواد الدستور واتفاقية مكافحة التعذيب التي قضت بمحاكمة المتهمين بالتعذيب».
واستغرب «السكوت والتجاهل الرسمي تجاه حقوق شريحة واسعة من المواطنين وعوائلهم الذين ذاقوا محنا كثيرة لا تزال آثارها النفسية والجسدية ضاغطة عليهم، وتبعاتها الاقتصادية السلبية مؤثرة عليهم». مؤكدا ان «حقوق ضحايا التعذيب لم ولن تضيع، وستبقى شاخصة حتى ترجع الحقوق إلى أصحابها كاملة غير منقوصة».
وقال مشارك آخر «ان محاولة حرف المسيرة السلمية لم تنجح وتم التصدي للشخص الذي حاول اثارة الوضع وايقافه عند حده»، مؤكدا «ان الاحتفال بالمناسبات يجب ان يكون سلميا وان يصغي جميع الاطراف للمنطق رعاية للحقوق ولمصلحة البلاد وسمعتها».
وردا على سؤال فيما اذا كان بالامكان الاحتفال بذكرى الشهداء في يوم آخر لتحاشي الاتهام بان الهدف ليس احياء الذكرى وانما «احراج الدولة» قال: «كل شيء ممكن مع تحكيم العقلانية، فالذين ضحوا من اجل الوطن انما فعلوا ذلك استجابة للضمير وللدفاع عن مصالح الناس وسمعة الوطن، ولذلك فإن احياء ذكراهم يجب ان يكون ضمن هذه الاهداف السامية ويمكن اعادة النظر في طريقة الاحياء، فليس من مصلحة احد ان يتأجج الوضع الى ما لا نهاية»
العدد 468 - الأربعاء 17 ديسمبر 2003م الموافق 22 شوال 1424هـ