العدد 468 - الأربعاء 17 ديسمبر 2003م الموافق 22 شوال 1424هـ

العائلة سجنت المرأة فيها ثم جاء الاحتلال ليسجن بيتها

شعراء ونقاد سوريون يتحدثون عن رحيل فدوى طوقان:

غابت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان عن عمر يناهز (86) عاما، بعد صراع طويل مع المرض دام عدة شهور، وهي المولودة في نابلس سنة 1917، وفيها تلقت تعليمها الابتدائي، وقد اكتشف شقيقها الشاعر الراحل إبراهيم طوقان ميلها الفطري إلى الشعر فتعهدها بعنايته، وبرزت في العالم العربي كشاعرة تنظم الرثاء في أخيها إبراهيم الذي توفي سنة 1941، ثم تنوعت موضوعاتها بعد النكبة 1948، ونكسة حزيران 1967، وتزامنا مع كل المتغيرات السياسية والاجتماعية التي عاشتها فلسطين وكله ترك اثره على مسيرتها الشعرية.

وكما يرى كثير من النقاد، فان أكثر ما يميز الشاعرة فدوى طوقان عن غيرها أنها استطاعت وصل الشعر القديم بحركة الحداثة والتجديد، وركزت على تناول موضوع المرأة وعلاقتها بذاتها وعلاقتها مع الآخر الذي جعلها تتبوأ مكانة مرموقة بين الشاعرات العربيات.

أصدرت الشاعرة فدوى ثمانية دواوين شعرية وهي: «وحدي مع الأيام» الصادر العام 1952، و«وجدتها» 1958، و«أعطنا حبا» 1960، و«أمام الباب المغلق» 1967، و«الليل والفرسان» و1969، و«على قمة الدنيا وحيدا» 1973، و«تموز والنشيد الآخر» 1989. كما أصدرت العام 1946 كتابها النثري «أخي إبراهيم»، كما أصدرت مذكراتها بعنوان «رحلة جبلية رحلة صعبة».

واذا كانت طوقان حصلت على كثير من الجوائز منها: الزيتونة الفضية الثقافية لحوض البحر الأبيض المتوسط، باليرمو في إيطاليا العام 1978، وجائزة عرار السنوية للشعر، من رابطة الكتاب الأردنيين العام 1983، وجائزة سلطان العويس، في الإمارات العربية المتحدة العام 1990، ووسام القدس، من منظمة التحرير الفلسطينية العام 1990، وجائزة المهرجان العالمي للكتابات المعاصرة، باليرمو في إيطاليا العام 1992، وجائزة البابطين للإبداع الشعري، فاس في المغرب العام 1994. كما حصلت على جائزة كافافيس الدولية للشعر في القاهرة العام 1996.

واعترافا بأهمية مكانة طوقان في ميدان الشعر العربي، وما عالجه شعرها من موضوعات، توقفت «الوسط» في دمشق لمحاولة استطلاع آراء بعض الشعراء والنقاد السوريين في غياب الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان.

نزار بريك هنيدي - ناقد وشاعر

برحيل الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان ترحل سنديانة شعرية شامخة استطاعت أن تؤسس لنفسها مكانة متميزة في خارطة الشعر العربي الحديث سنديانة جسّدت القضية الفلسطينية منذ أن تفتح وعيها فيما قبل نكبة 1948 وحتى اليوم الأخير من حياتها إذ رأت بأم عينها الجرافات الإسرائيلية وهي تمعن في هدم أحياء مدينتها مدينة نابلس، بحيث يمكن القول إن فدوى طوقان هي الأم الحقيقية للشعر الفلسطيني المقاوم، ومع ذلك فإن أهمية فدوى طوقان لا تنبع فقط من ارتباطها بالقضية الفلسطينية فهي شاعرة مبدعة اجتازت الكثير من المراحل الشعرية بدءا من الكلاسيكية ومرورا بمرحلة الرومانسية ووصولا إلى الشعر الحديث الذي كانت رائدة من رواده، على رغم أن انشغالها بالقضية الفلسطينية حجب عن الدارسين دورها الحقيقي في ثورة الحداثة الشعرية العربية.

هالة محمد - شاعرة وصحافية

حين يغيب الكبار يعززون حضورهم أكثر.

يبقى الأثر وطوقان خلّفت الشعر الذي كان له مساهمته في إحدى أنبل القضايا الإنسانية وأكثرها عدالة. كان لها الحظ في مجايلة ومجاورة ومحاورة شعراء كبار.

في لحظةٍ من التاريخ كانت تتطلع إلى التحرر الإنساني وكانت هي أحد خلايا هذه اللحظة هنيئا لها على كل ذلك.

نحن من يستحق الرثاء فلا النضال بات له قيمة أو صدى، والإبداع هو الأثر الذي يبارز من أجل البقاء!! وأقول يبارز لأن العلاقة أضحت بدائية إلى هذه الحد.

الرقابات العربية المتعددة التي تتحدث باسم الوطنية وباسمنا جميعا باتت تكمم أكثر فأكثر نوافذنا لكيلا يرفرف منها سوى الصوت الرسمي الذي أعتقد أنه قضَّى فراش الشاعرة في فلسطين أيضا، فماتت، كما يقض مضاجعنا جميعا، فنكاد!!.

رشا عمران - شاعرة

لم تكن فدوى طوقان مجرد شاعرة قضية أو مقاومة، حتى تحولها الملحوظ بعد 1967 لم يجعل منها شاعرة قضية، فدوى طوقان شاعرة ذات، قضيتها الشعر ومقاومتها لإثبات ذاتها الأنثوية الشاعرة في هذا الكون المليء بالقضايا الخاسرة، والمشحون بالمفردات الذكورية منذ الموت وحتى الألم.

فلسطين لم تكن مجرد أرضها التي تحتل وشعبها الذي يقتل، فلسطين كانت هي سؤالها الكوني؟ (لماذا).

علاقتي بشعر فدوى طوقان جاءت من هنا، من هذا التماهي بين كل القضايا والذات، جاءت أيضا من فهمها الرائع للحب، فدوى طوقان بحسها السليم وحدثها الثاقب كانت لها الريادة في كسر مفهوم المرأة التابعة المتلقية، المرأة كما أرادتها طوقان مبادرة قوية قوتها تأتي من قدرتها على الحب الذي به تستطيع أن تكرس ذاتها.

عادل محمود - شاعر وصحافي

أكملت فدوى طوقان رحلتها الصعبة، هذه الرحلة بدأت مع نهاية حرب أولى العام 1917 وانتهت مع حرب أميركية ليست أخيرة، وما بين الحربين كانت هناك الهزائم التي لفرط تكرارها لم يعد أمام العربي سوى الاستعانة بالأقدار التي تتابع إنتاج أنظمة تحكم عالمنا بهذه الهزائم ثم لكي تبدو كلها عادية في نظر الجميع، لم يعد أمام الشاعر سوى مواد مؤلمة يصنع منها كعكته السامة جماليا، بعد أن قرر النقد أيضا هزيمة الشعر في مهمة ردع الاحتلالات وضع الاختلالات، وأصدر الشعراء في نهايات القصائد صوت الاختناق، في مراسم بعمر تبدد ولم يبق منه سوى المسافة بين المكابرة والمقبرة.

فدوى طوقان عاشت - لم تعش - على رغم أنها كتبت ما يحوي بأنها عاشت، لقد سجنت العائلة المرأة فيها ثم جاء الاحتلال ليسجن بيتها ومدينتها.

أسدلت التقاليد في منتصف القرن الماضي على وجهها نقابا وجاءت العزلة والشوق الممنوع ليزيد مكان الحرية نقصانا.

فكتبت فدوى وحدتها وتوقها إلى الحرية. وتلك الخيالات الأولى في تذوق المتعة، وحين كان الحاجز الإسرائيلي لاحقا يمنع الدخول والخروج كان الحجاب الحاجز في صدر فدوى طوقان قد امتنع طويلا عن تنفس هواء الحياة في مناخها الأرحب.

إن موت فدوى طوقان كشاعرة فلسطينية يجعلني أفكر برعيل لم يتحين ثمانيا حولا كما فعل فيها، فالموت في عصر المزلة المشروعة دوليا، الموت الواقف أمام الشعر والأدب والثقافة، هذا الموت إنجاز تراجيدي إذ لا شيء هناك سوى هندسة الخراب.

الشعراء جميعا يستقصون على حافة الجرف أمام وادي سحيق كما تفعل البطاريق في الشيخوخة ليرموا أنفسهم قبل أن يتبهدل شيء آخر في هذه الحياة.

شوقي بغدادي - أديب وشاعر

إذا كان للأنوثة أن تتجسّد في شعر امرأة فلن تجد بالتأكيد أفضل من شعر فدوى طوقان. ولعل هذه الصفة هي امتياز فدوى الأول والأعمق كشاعرة عاشت طوال حياتها في مجتمع ذكوري طاغٍ ثم استطاعت أن تتحرر إلى حد بعيد من طغيان تقاليد الذكورة وأساليبها في الحياة عامة، وفي التعبير الشعري خاصة، وما أقل الشاعرات العربيات اللواتي استطعن ذلك!

أذكرها جيدا منذ بدايات الخمسينات حين قرأت لها «وحدي مع الأيام» ثم بعد قليل مجموعتها الثانية «وجدتها» كيف انساب صوتها الأنثوي المتفرد برومانسيته الرقيقة، وصراحته، وبساطته إلى أعماق الوجدان فأحببته، وتعلقت به على رغم تيار «أدب الالتزام» الذي كان يجرفني معه في ذلك العهد.

كانت فدوى في تصوري هي الأكثر رقة وأنوثة بين شاعرات جيلها، بل بين جميع الشاعرات العربيات المعاصرات، ومع ذلك فلم تمنعها هذه السمة الناعمة من أن تخرج من قوقعة الأنوثة «والرومانسية» إلى عالم شعبها المعذّب حولها في الأرض المحتلة أو في المنافي فتتلامح رغبتها في مشاركته طموحاته وأوجاعه منذ مجموعتها الثانية «وجدتها» الصادرة العام 1957 فتقول مثلا على لسان أحد النازحين:

أَتُغصبُ أرضي؟.. أَيُسلب حقي وأبقى أنا

حليف التشرد أصحب ذلةٍ عاري هنا

أأبقى هنا لأموتَ غريبا بأرض غريبة

أأبقى؟ ومَنْ قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة (من قصيدة «نداء الوطن»)

أو حين تقول في قصيدة «أردنية فلسطينية في إنجلترا» من ديوانها الرابع «أمام الباب المغلق» الصادر العام 1967 جوابا على سؤال طرح عليها: («من أين؟ إسبانية؟» فتقول: «أنا من الأردن!. / - عفوا من الأردن؟ لا أفهمْ/ ـ أنا من روابي القدس/ وطن السنا والسمش/ - يا... يا... عرفتُ إذن يهودية!/ يا طعنة أهوتْ على كبدي/ صمّاء وحشيّةْ!)

وتتصاعد هذه المشاركة حتى تبلغ ذروتها في «الليل والفرسان» التي صدرت في أواخر الستينات متأثرة بنكسة العام 1967- ولكنْ من دون أن تفقد أنوثتها التي ظلّت العنوان الأول لسيرتها الشعرية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً