العدد 467 - الثلثاء 16 ديسمبر 2003م الموافق 21 شوال 1424هـ

المقاومة أو الاحتلال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اعتقال صدام حسين أحدث سلسلة انعكاسات ستكون لها نتائجها في المستقبل القريب. فالاعتقال بحد ذاته هو فك ارتباط بين ماضي العراق (ثلاثة عقود) ومستقبله. وكذلك أسهم في فك الارتباط بين صدام والمقاومة. الآن أصبحت المقاومة وجها لوجه مع الاحتلال بعد سقوط تلك الذرائع التي استخدمتها القوات الأميركية لإثارة الشبهات وتخويف الناس.

الآن سقطت الكثير من الذرائع، فلم تعد هناك مخاوف على مستقبل العراق واحتمال عودة صدام إلى السلطة. فصدام الآن في السجن ينتظر محاكمة يرجح أن تكون علنية وعادلة وآماله بعودته إلى القصر تراجعت إلى الصفر. كذلك لم تعد هناك مخاوف من أن يكون صدام وراء عمليات المقاومة أو على الأقل أن تلك المقاومة ستؤدي إلى عودة صدام إلى الحكم. فهذه الذريعة سقطت وأزيل شبح الخوف (المخاوف) من قلوب العراقيين. فالمستقبل أُطلق سراحه باعتقال صدام، كذلك المقاومة أُطلق سراحها وباتت حرة فعلا ولم تعد أسيرة تلك التلفيقات التي اخترعتها واشنطن كما اخترعت موضوع «أسلحة الدمار الشامل» لتبرير عدوانها واحتلالها.

الخوف الآن لم يعد من صدام واحتمال عودته لقيادة العراق راكبا على دبابة المقاومة كما كانت واشنطن تقول. الخوف الآن من مرحلة ما بعد صدام، وكيف ستكون ملامحها ومن هي القوى الفعلية القادرة على صنع «العراق الجديد»؟

الآن بات العراق بين مستقبلين، الأول يقوده الاحتلال والثاني المقاومة. وبين الاحتلال والمقاومة سترسم الحوادث شخصية العراق وتكوينه والقوى الفاعلة التي تملك شرعية تاريخية لإعادة إنتاج دولة حرة ومستقلة. وهذا ستقرره الأيام المقبلة وهي طويلة وشاقة. فالعراق الجديد أمام أكثر من احتمال. وكل احتمال يتعارض مع الآخر.

هناك أولا بقاء الاحتلال واستمراره إلى فترة طويلة يتلاعب بمصير الشعب العراقي فيتحالف مع هذا ضد ذاك ويضعف هذه ويقوي تلك، ثم يعود ليلعب لعبة مخالفة ويعاكس ما فعله حتى ينهك كل القوى ويشتتها ليبقى هو الطرف الوحيد القادر على جمع الأشلاء.

وهناك ثانيا انسحاب الاحتلال من وسط العراق ومعظم مدنه وتركيز قواته على الحدود في مواجهة إيران والسعودية وسورية وتركيا، وإعادة تجميع قواته في قواعد عسكرية ومهابط الطيران لاستخدامها في مهمة إضافية أو لإبقاء سيطرته على العراق وإدارة اللعبة من خلف الستار وفرض هيمنته على الحكومة البديلة المتوقع انتخابها أو تعيينها في يونيو/ حزيران المقبل.

وهناك ثالثا انسحاب الاحتلال بشكل شامل وكلي، وهذا أمر غير وارد الآن، حتى لو سقط جورج بوش في الانتخابات المقبلة. فالانسحاب الشامل والكلي له صلة بالاستراتيجية الكبرى وهذا قرار غير مسموح أن يتخذه أي رئيس أميركي من دون عودة إلى كل الهيئات وباتفاقها.

وقريبا من الأسئلة المطروحة على الاحتلال يمكن طرح أسئلة مشابهة على المقاومة بعد اعتقال صدام. فهناك أولا تراجع المقاومة وتفككها، وفي حال حصل الأمر فمعنى ذلك أن بعض ذرائع الاحتلال صحيحة. وهناك ثانيا استمرار المقاومة على حالها، وهذا يعني أن صدام ادعى بطولات ليست ملكه كما فعل طوال ثلاثة عقود من حكمه. وهناك ثالثا اتساع رقعة المقاومة ونمو عناصرها الضاغطة على الاحتلال ودخول قوى جديدة إليها كانت متخوفة منها ومن احتمال أن تسفر عن عودة صدام إلى السلطة.

كل الاحتمالات واردة سواء بالنسبة إلى الاحتلال أو المقاومة. إلا أن المرجح بالنسبة إلى الاحتلال هو عدم بقاء القوات الأميركية منتشرة كما هي حالها الآن كذلك عدم انسحابها الكامل والشامل كما يتوقع البعض. المرجح أن تنسحب القوات الأميركية إلى داخل العراق لا خارجه وتعيد انتشارها في نقاط ومحطات ومهابط طيران وقواعد عسكرية تعطيها أفضلية التدخل عند الحاجة.

وبالنسبة إلى المقاومة فإن الاحتمال المرجح هو استمرار نموها الطبيعي واتساع رقعة التأييد السياسي لها بعد زوال نقطة ضعفها (عودة صدام إلى الحكم). فالنمو الطبيعي مسألة مرجحة وهذا يأخذ الكثير من الأسابيع والأشهر حتى يشتد عودها وتكتسب الخبرات الميدانية. إلى ذلك تحتاج المقاومة إلى عمق سياسي وهذا توافر الآن بعد اعتقال صدام. فالسياسة ضرورة للمقاومة لأنها تعطي قوة للنشاط العسكري وترفعه من مستوى العمليات السرية إلى مستوى المواجهات الشعبية - المدنية (العصيان، الإضراب العام، المسيرات اليومية) فتفرض على الاحتلال شروط معادلة جديدة وهي: العراق أو الاحتلال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 467 - الثلثاء 16 ديسمبر 2003م الموافق 21 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً