في خطابه بمناسبة العيد الوطني وعيد الجلوس أعلن جلالة الملك سعي البحرين إلى تحقيق «المواطنة الخليجية» وإصدار «العملة الخليجية الواحدة»، وهو سعي محمود وفيه خير للبحرين والخليج.
إن فكرة المواطنة «المناطقية» بدأت في أوروبا في مطلع الخمسينات عندما وحدت ثلاث دول أوروبية اجراءاتها وأزالت الجمارك بينها، تلك الدول هي: بلجيكا وهولند ولوكسمبورغ. واختارت الدول الثلاث «بينولكس» اسما لها وهو يتكون من الحروف الاولى للدول الثلاث، وسرعان ما وجدت هذه الدول الفائدة الكبيرة جدا من السعي لانشاء «مواطنة مشتركة» بينها. وهذا النجاح هو الذي حدا بثلاث دول أخرى (فرنسا والمانيا وايطاليا) إلى طلب توسيع تلك التجربة وتم تأسيس «السوق الاوروبية المشتركة» في العام 1957. هذه السوق المشتركة لم تخلص الدول من أعباء الجمارك وحسب وانما ضمنت «تكامل» الاسواق والمنتجات والصناعات الاساسية وسهلت تنقل الأموال والأفراد وزادت من نمو جميع البلدان المشتركة في اقتصاداتها وتعزز الأمن والاستقرار فيها.
ونتج عن كل ذلك تحول السوق الأوروبية المشتركة في العام 1986 الى «المجموعة الاوروبية» ايحاء بأن السوق أصبحت «موحدة»، والتوحيد أكثر من الاشتراك. وفي خلال خمس سنوات حققت اوروبا انجازات عادلت ما حققته خلال ثلاثين سنة عندما كانت سوقها «مشتركة»، ما حدا بها إلى تطوير مؤسساتها واعلان قيام «الاتحاد الاوروبي» في العام 1992.
والحوار الدائر بين الأوروبيين الآن يدور بين اتجاهين، أحدهما تقوده فرنسا والمانيا اللتان تودان ان يتحول الاتحاد الاوروبي من اتحاد اقتصادي-اجتماعي فقط الى اتحاد يشمل الجوانب المالية كلها (بما في ذلك توحيد العملات في اطار اليورو)، بالاضافة إلى توحيد السياسة الخارجية والدفاعية والجوانب الاستراتيجية الاخرى. أما الاتجاه الثاني فتقوده بريطانيا التي ترفض الطرح الفرنسي- الألماني وتصر على البقاء على الوضع كما هو وخصوصا ان بريطانيا تعتبر نفسها أقرب الى أميركا في الجوانب السياسية والعسكرية. ولكن الجميع متفق على الاتحاد الاقتصادي- الاجتماعي، لأنه يمثل أنجح تجربة في المواطنة «المناطقية» في مقابل المواطنة «القومية» الخاصة بدولة واحدة فقط.
من هذا المنطلق فإن دعوة الملك إلى إقامة المواطنة «المناطقية» الخليجية دعوة جريئة ولها فوائدها الجمة. وفي قناعتي لو تحققت هذه المواطنة لما بقي شخص واحد من دون عمل. فقطر مثلا تحتاج إلى أيدٍ عاملة ومدرسين وفنيين ومهندسين ما يستوعب كل الفائض البحريني في هذا المجال. وقطر لن تحصل على أفضل مما يتوافر لدى البحرينيين في مجالات كثيرة وستستفيد قطر كما ستستفيد البحرين من خلال إطار مواطنة «مناطقية» تماما كما هو الحال في أوروبا. ومن منطلق حرصنا على مصالح البحرين والخليج فإننا ندعو الى تكثيف الجهود بين الدول الخليجية لإزالة الحال التنافسية وأن يستبدل بها نهج تكاملي يخدم الجميع من دون استثناء
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 467 - الثلثاء 16 ديسمبر 2003م الموافق 21 شوال 1424هـ