قلّب طالب القانون راسكو لينكوف (بطل رواية «الجريمة والعقاب» للروائي الروسي الشهير فيدور دستوفيسكي)، الأمر مرارا، وتنازعته الأهواء بين فقره المدقع، وعيشته المزرية، وبين تلك العجوز التي يسكن عندها في الدار، والتي تملك من الأموال ما لا تستطيع إنفاقه في السنوات القليلة المتبقية لها قبل أن تفارق الدنيا، فقرر- بعد معاناة - أن يضع حدا لحياتها المنتهية أساسا - من وجهة نظره - وأن يتمتع هو بالمال، ولكن جريمتي القتل والسرقة التي قام بهما، لم تمكناه من المضي قدما في مخططه ببناء حياة سهلة وحريرية.
إن التذرع بالحجج لتبرير العنف أمر لا تقبله النفس البشرية، لأن صاحبه يتوطن عليه، ويقوم بحرمان الآخرين حقوقهم الطبيعية، فأحد خلفاء الأمويين كان يقول بأنه قبل الولاية كان يتحرج أن يطأ نملة بخفّه، ولكن بعد الولاية، يأتيه البريد بأن رجاله قتلوا كذا وكذا من البشر فلا يطرف له جفن، إنها «النقطة» التي متى ما انمحت من النفس البشرية، صار سيان لديه إن سفك دم إنسان، أو أراق ماء كأس.
وإن كان دقيقا، فإن عضو مجلس الحكم العراقي عدنان الباجه جي، قال أنه التقى صدام حسين يوم أمس - ضمن مجموعة من أعضاء مجلس الحكم -وتحدثوا عن جرائم ارتكبها هو شخصيا، أو نظامه، وبمعرفته، فأخذ الأسير يبرر ما قام به، وينظر لأنهر الدم التي سالت منذ بدايات قفز حزب البعث إلى السلطة وإقصاء شركائه، وسل حياتهم من أجسادهم، مرورا بمئات الآلاف الذين خلفتهم الحروب المتلاحقة، وشعارات درء التمرد وإخماد الفتن، على أنها أمور لازمة لاستتباب الحكم، فالرجل لم يشعر بأنه نادم على ما فعل، في مكابرة تستحق الاحترام - ربما - إذ لم يذل كونه أسيرا لدى ألد أعدائه، كما لم يكن من المستغرب أن يتم العثور في «بيت العنكبوت» على رواية «الجريمة والعقاب» من ضمن مجموعة من الكتب التي رافقت صدام في مخبأه
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ