قال السياسي الفلسطيني مسئول ملف اللاجئين الفلسطينيين في السلطة أسعد عبدالرحمن وبعد 13 عاما على سقوط «جدار برلين»، لاتزال الدولة الصهيونية مصممة على المضي قدما في بناء «جدارها الخاص» على الأراضي الفلسطينية وكأنها لم تستخلص دروس وعبر سقوط الجدار السابق. فقد بدأت «إسرائيل» في يونيو/ حزيران 2002 بإقامة جدار هدفه المعلن «حماية أمنها» عبر تطويق الضفة الغربية تماما والفصل الكامل بين سكانها والدولة العبرية. وقد انتهت المرحلة الأولى من بناء الجدار في يوليو/ تموز 2003، والجزء الغربي من الجدار سيمتد مسافة 360 كم من المناطق الشمالية للضفة الغربية إلى أقصى جنوبها، وعند الانتهاء منه سيكون طول الجدار 700 كم، أي ضعف طول «خط الهدنة» الفاصل بين «إسرائيل» والضفة الغربية، وضعف طول حائط برلين وثلاثة أضعاف ارتفاعه، وهو مبني من الاسمنت المسلح المقوى والأسلاك الشائكة والحواجز الكهربائية والخنادق ومجسات الكترونية وأبراج للمراقبة، وسيكلف بناؤه مليون دولار لكل كيلومتر، وحتى الآن، قامت الجرافات الإسرائيلية بجرف حوالي 11,500 متر مربع من الأراضي الفلسطينية، واقتلعت أكثر من مئة ألف شجرة زيتون وفواكه، ودمرت شبكات المياه في أكثر من 39 قرية، والجدار من الضخامة بحيث يرى من الفضاء تماما مثل سور الصين العظيم.
وانتقد عبدالرحمن في دراسة نشرت في صحيفة «الرأي الأردنية بناء الجدار الفاصل مستعيدا المفاصل التاريخية لفكرة الجدار وقال في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الجاري: وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على بناء الجزء الثاني من الجدار الذي يمتد مسافة 17 ميلا داخل الضفة الغربية بهدف ادخال مستعمرتي ارييل وكادومين داخل «الأراضي الإسرائيلية». ويذكر أنه كان لبناء المرحلة الأولى آثار مدمرة على معيشة أكثر من 210,000 من الفلسطينيين في حوالي 67 قرية شمال الضفة، كما أن الجزء الغربي من الجدار سيضم حوالي 10 في المئة من الأراضي الفلسطينية إلى الدولة العبرية وتم مصادرة حوالي 2850 دونما حتى الآن. ومن أكثر المناطق تضررا من بناء هذا الجدار مدينة قلقيلية التي عزلت تماما عن الضفة و«إسرائيل» وأصبح متعذرا الدخول إليها أو الخروج منها إلا من بوابة واحدة يحرسها الجيش الإسرائيلي، وهذه المدينة «مع الأراضي المحيطة بها»، تعتبر بحق سلة خبز الضفة الغربية، ستخسر حوالي 19 بئرا مائيا تشكل حوالي 30 في المئة من مجمل مياه المنطقة ما سيشكل ضربة قاصمة للزراعة. وعند انتهاء المرحلة الثانية التي وافق عليها سابقا، سيكون هناك ما مجموعه 400,000 فلسطيني على الجانب الغربي من الجدار، كما سيتم مصادرة 25 في المئة من الأراضي الفلسطينية. والنسبة الأخيرة تشكل حوالي 80 في المئة من الأراضي الخصبة كما تضم حوالي 51 في المئة من مصادر الضفة المائية. وعندما يصل العمل في الجدار إلى المرحلة الثالثة التي لم تبدأ بعد، فسيتم إغلاق الضفة الغربية تماما عن العالم الخارجي وستتحكم الدولة الصهيونية بجميع نقاط العبور دخولا إلى الضفة أو خروجا منها كما سيكون هناك حوالي نصف مليون فلسطيني محشورين ما بين الجدار و«الخط الأخضر» أي الحدود «الرسمية» المعترف بها دوليا بين «إسرائيل» والضفة.
يقول تقرير للبنك الدولي إن بناء الجدار سيؤدي إلى تفشي البطالة والفقر والجوع بشكل واسع بين الفلسطينيين، كما أن جزءا كبيرا من الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم «محشورين» ما بين الجدار العنصري والخط الذي يقال عنه إنه «الأخضر» لم يحصلوا على حق الإقامة القانونية داخل الدولة الصهيونية، وبالتالي لن يسمح لهم بالسفر إليها أو الاستفادة من خدماتها، في الوقت الذي يتم فيه حرمانهم من ممتلكاتهم في الضفة أما بالمصادرة أو بالهدم من دون أي تعويض. وعند اكتماله، سيضم جدار الفصل العنصري هذا إلى «إسرائيل» أخصب المناطق الزراعية الفلسطينية بما في ذلك الحوض المائي الذي يشكل أكثر من 65 في المئة من مصادر المياه في الضفة. كما أن 91 في المئة من المستعمرات (المستوطنات) الإسرائيلية وأكثر من 98 في المئة من المستعمرين (المستوطنين) الذين يعيشون في الضفة سيكونون في الجانب الإسرائيلي من الجدار بالإضافة إلى ما سيحمله كل ذلك من تأثير سلبي على العلاقات ما بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني التي ستزداد صعوبة، بل تأزما قد يكون بلا رجعة، بالاضافة الى تقطيع أوصال الضفة وتحويلها إلى بؤر منعزلة ما سيحول الضفة إلى أكبر سجن في التاريخ البشري كله، ويكرس الدولة العبرية باعتبارها اكبر سجان يمارس ايضا ابشع انواع الفصل العنصري الهادف الى التطهير العرقي.
ولفت عبدالرحمن الى أهمية اللجوء الفلسطيني الى الأمم المتحدة بهذا الشأن وقال: على رغم الانتقادات العالمية لبناء هذا الجدار، سواء من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو امينها العام او الاتحاد الأوروبي، أو حتى الولايات المتحدة، في زمن تسقط فيه الحواجز حتى الطبيعية منها بين الدول، بل يشهد انفتاح الدول بعضها على البعض الآخر، نجد «إسرائيل» مصممة على استكمال بناء جدارها العنصري. وبات واضحا للقاصي والداني، ان من يعتقد ان الجدار يستهدف وقف تسلل «الانتحاريين» الى داخل «إسرائيل» ومنعهم من تنفيذ عملياتهم انما هو شخص واهم. فالجدار سيكون بالنسبة الى المقاومين الفلسطينيين بنية تحتية اضافية لليأس والاحباط وفقدان الأمل والكراهية وهي جميعا اسباب من شأنها ان تزيد من هذه العمليات لأن الفلسطينيين سيشعرون اكثر بانه لم يعد امامهم ما يخسرونه.
وعندئذ سيتعمق عند هؤلاء الوعي بان «السور» قد شيد بهذه الذريعة شكليا فقط، اذ ان هدفه الحقيقي مغاير تماما كونه، ببساطة يمثل حلقة جديدة في سلسلة حلقات سابقة ضمن مسلسل تشييد «دولة بندوستانات فلسطينية» طاردة لسكانها عبر تشديد الخناق على الضفة الغربية وسكانها «وأيضا لفصم الوشائج والعرى مع الأهل في قطاع غزة» متواكبة مع زيادة وتوسيع المستعمرات، والطرق الالتفافية، وهذه جميعا اجراءات شارونية / موفازية هدفها تأسيس حقائق جديدة على الأرض، اذا يراد لجدار الفصل العنصري ان يصبح المسمار الأخير الذي يدقه شارون وحلفاؤه، من ليكوديين وغيرهم، في نعش الحل الداعي الى اقامة دولتين ثنائيتي القومية، ناهيك عن حل الدولة الواحدة ثنائية القومية.
ذلكم هو الهدف الحقيقي لبناء الجدار، وذلكم هو «السر المكشوف» الذي يختبئ خلفه السور وكذلك شارون وموفاز وكل المتشبثين باحلامهم التلمودية. فالسور وضع لهدف واحد، ولو غير معلن، وهو الخنق التدريجي للشعب الفلسطيني ولحيويته السياسية، ولاقتصاده، ولفكرة الدولة المستقلة ايضا
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ