يحث أنصار الرئيس جورج بوش اليهود الأميركيين للقيام بدور رئيسي في دعم حملته لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، والإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي ستجرى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.
ويقول العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي نورم كولمان إنه سيتجول في الولايات المتحدة وسيعمل الكثير مع اشتداد حملة الرئاسة من أجل أن يتحدث عن قصة حياته مضيفا «إن مسلكي هو أنني نشأت ديمقراطيا وانتخبت أول مرة كديمقراطي ثم تحولت إلى الحزب الجمهوري ثم أعيد انتخابي كجمهوري في مدينة نحو 70 في المئة من ناخبيها ديمقراطيون، وأعتقد أن هذا الموقف يمكن لكثير من الناس في الطائفة اليهودية (الأميركية) أن يتحدثوا عنه».
وتظهر الأرقام أن الكثير من الناخبين اليهود يتبعون مسالك سياسية مماثلة لمسلك كولمان. وبعد أن تجاهل اليهود كمجموعات الاتجاهات السياسية في التسعينات من القرن الماضي لكي يصوتوا إلى الديمقراطيين بصورة أكثر من ذي قبل، فإن حصة الجمهوريين من الأصوات اليهودية تضاعفت تقريبا.
ويعزو محللون السبب في ذلك إلى سياسات بوش التي وجد اليهود الأميركيون في سياسته الخارجية الكثير مما يحبونه في دعمه القوي للكيان الصهيوني وفي حربه ضد ما تسميه واشنطن «الإرهاب». فقد أيد بوش جهود رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون ضد المقاومة الفلسطينية ورفضه التعامل مع رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في اللجنة الأميركية اليهودية يهوديت بارسكي إن اليهود كانوا متشككين إزاء الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب. وذكرت أن وزير خارجيته آنذاك جيمس بيكر لا يحب اليهود الأميركيين وهم حسب قوله «لا يصوتون لنا» ولكن موقف بوش الابن القوي ضد المقاومة ودعمه لجهود الكيان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية دفع الكثير من الناخبين اليهود إلى أن يكون لهم «رأي آخر في بوش الابن، وقد تبين أن شخصيته مختلفة عن شخصية أبيه». ويرى بعض أنصار الكيان الصهيوني أن بيكر الذي عينه بوش الأسبوع الماضي مسئولا عن معالجة ديون العراق، سيكون نفوذه أبعد من ذلك ليصل إلى التأثير على الدور الأميركي في تسوية الصراع العربي- الإسرائيلي. وقال رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتن كلين «إن نفوذ جيمس بيكر هو عامل في ضغط بوش على «إسرائيل» لتقليل ردها العسكري» على عمليات المقاومة الفلسطينية، «وأيضا في رفض بوش نقل السفارة الأميركية إلى القدس على رغم تعهد بوش أثناء حملته السابقة لانتخابات الرئاسة وفي شكواه حول جدار الأمن الإسرائيلي وفي طلبه المعلن لإقامة دولة فلسطينية وإشادته العلنية بـ «تفاهم جنيف».
ويرى مراقبون الآن أن الديمقراطيين مثل هوارد دين الذي يسعى إلى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة يعطون الحزب الجمهوري فرصة لكي يكون له صولات في صفوف اليهود الأميركيين وعرض إعادة تشكيل انحيازات بدعوتهم من أجل أن تكون سياسة الولايات المتحدة «منصفة تجاه السلطة الفلسطينية». غير أن أنصار الكيان الصهيوني مثل كولمان يرفضون مثل هذا التوجه ويقولون إنه لا يمكن التسامح مع العمليات الفدائية ضد أهداف الاحتلال الإسرائيلي مشيرين في هذا الصدد إلى العمليات الاستشهادية.
وكان الجمهوريون قد اتجهوا في التسعينات من القرن الماضي لكسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بدلا من التركيز على اجتذاب اليهود الأميركيين، وهو الأمر الذي كان يتطلب منهم اتخاذ مواقف جيدة تجاه الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، وتجاه الدول العربية. غير أن محللين يقولون ان التناقضات في صفوفهم تجعلهم لا يصوتون كقوة واحدة، كما أن هناك تضخيما في تقدير أعدادهم وضعف قدراتهم المالية والدعائية. ومع ذلك فإنه في الوقت الذي يتوقع فيه المسئولون في البيت الأبيض أن تكون انتخابات العام 2004 قريبة في نتائجها من انتخابات العام 2000، فإن أي تحول في الدوائر الانتخابية سيكون له أهميته. وقد بذل كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض كارل روف (وهو يهودي أميركي) جهوده لمغازلة الناخبين اليهود والمسلمين واحتفل بوش باحتفالات اليهود والمسلمين في البيت الأبيض. غير أنه في الوقت الذي يدعو فيه البيت الأبيض العشرات من القيادات اليهودية الأميركية المؤثرة فإن عدد المدعوين من العرب والمسلمين الأميركيين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ومن الهامشيين في صفوف الجالية، وهذا ما ظهر في شهر رمضان المبارك الماضي.
ويمثل اليهود الأميركيون الذين يقدر عددهم بـ 5,2 ملايين نسمة حسب إحصاء العام 2000 نحو اثنين في المئة من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، ولكن نسبة تصويتهم أعلى من نسب مجموعات سكانية أخرى. ويستطيعون في بعض الولايات التي تكون فيها الأصوات الانتخابية متقاربة أن يغطوا الفرق الهامشي في الأصوات لمرشح رئاسة. ويقول كولمان إنه «بسبب الانقسام الكبير في الولايات المتحدة، فإن أي تحسن في الفروق الهامشية سيكون له أثره».
ويتوقع مراقبون سياسيون أن يكون للأصوات اليهودية في ولاية فلوريدا أهمية أكثر من غيرها إذ يقطنها عدد كبير من كبار السن اليهود والتي فاز بها بوش بأقلية تزيد قليلا على 500 صوت في العد النهائي للأصوات، وقد ساهمت أصوات العرب والمسلمين في تلك الولايات بنجاح بوش الذي لم يحسم فوزه بالرئاسة في نهاية المطاف سوى المحكمة الأميركية العليا. ويمكن أن تكون أصوات اليهود الأميركيين مهمة أيضا في ولايات مثل بنسلفانيا وميتشيغان ونيو اورلانيز ووسكونسن وحتى في ولاية مينيسوتا التي يمثلها كولمان فإن نصف واحد في المئة من السكان هم من اليهود الأميركيين (42 ألف نسمة فقط) ويمكن أن يكونوا مهمين في انتخابات رئاسة تتقارب فيها الأصوات. ويذكر أن عضوي مجلس الشيوخ عن هذه الولاية من اليهود الأميركيين. ومعظم السكان اليهود الأميركيين في تلك الولايات هم من كبار السن، كما لا يوجد سوى عدد قليل من المهاجرين نسبيا، وكذلك فإن من بين الـ 42 ألف يهودي أميركي فيها توجد نسبة كبيرة ممن يحق لهم التصويت أي أكثر من 30 ألف ناخب. وتعتقد المدير التنفيذي للمجلس القومي الديمقراطي اليهودي إرا فورمان، أن بوش سيحصل على عدد أفضل من أصوات اليهود الأميركيين في العام 2004. ويقدر اليهود الديمقراطيون بأن بوش قد يحصل على نحو 30 في المئة من أصوات اليهود الأميركيين وهي الحصة نفسها تقريبا التي حصل عليها المرشحون الديمقراطيون في السبعينات والثمانينات. ويقول كولمان ان هناك تيارا من الليبراليين واليساريين مناهض للكيان الصهيوني ومؤيد للفلسطينيين وخصوصا في الجامعات الأميركية و«حتى في وسائل الإعلام» الأميركية.
وفي الوقت نفسه فإن الجمعيات والمنظمات العربية والإسلامية الأميركية تقول إن الدعم اللامحدود الذي يقدمه بوش وحكومته إلى الكيان الصهيوني والحرب التي يشنها ضد أفغانستان والعراق والإجراءات الأمنية التي تستهدف العرب والمسلمين في الولايات المتحدة قد أبعد عنه تأييد المسلمين الأميركيين.
ويقول مدير الشئون العامة في مؤسسة الحرية للجالية المسلمة الأميركية رائد التايه «إن تأييد بوش الأعمى لإسرائيل في وجه انتهاكاتها لحقوق الإنسان أو إغلاقه المؤسسات الخيرية الإسلامية للاشتباه بأنها تمول (الإرهاب) لم يعط الرئيس سوى فرصة ضئيلة لكسب أصوات المسلمين في انتخابات العام 2004» ويضيف التايه وهو مؤلف كتاب «الموجه الإسلامي للسياسات والحكومة الأميركية» «إنني واثق تماما أن التأييد سيذهب إلى مرشح ديمقراطي وخصوصا إذا كان هوارد دين».
ويقول جان أبونادر المدير التنفيذي للمعهد العربي الأميركي الذي يترأسه جيمس زغبي، انه في الوقت الذي لم يفقد فيه بوش كليا الأصوات العربية والإسلامية إلا أن «تأييده غير المتوازن لإسرائيل قد أضر بفرصه».
وفي سياق محاولتها تقزيم أهمية العرب والمسلمين الأميركيين في الانتخابات الأميركية تنفي المؤسسات الصهيونية حقيقة عدد العرب والمسلمين الأميركيين بأن عددهم يتراوح ما بين 6-8 ملايين نسمة، وتروج هذه المؤسسات بأنهم لا يزيدون عن ثلاثة ملايين نسمة، ويشكلون نحو واحد في المئة من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة. وكان فريد نعمان من المجلس الإسلامي الأميركي وجد أن عدد المسلمين الأميركيين في المسح الإحصائي الذي أجراه في العام 1992 يصل إلى خمسة ملايين نسمة. ويحظى السود الأميركيون بنسبة كبيرة من المسلمين الأميركيين وهم يصوتون تقليديا للديمقراطيين. ويعتقد مراقبون أن يحظى بوش بأصوات الكثير من الناخبين العرب العراقيين و«المسيحيين» اللبنانيين الذي يريدون خروج القوات السورية من لبنان.
ويلاحظ مراقبون أن المواقف المناهضة للكيان الصهيوني في أوساط أميركية مختلفة قد ساهمت في التأثير على سياسات الديمقراطيين إذ أظهر ذلك موقف كبار الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بمن فيهم إدوارد كنيدي وتوم هاركين اللذين تبنيا موقف الجمعيات الأميركية الإسلامية والعربية ضد تعيين دانيال بايبس المعادي للقضايا العربية والإسلامية والمؤيد من دون حدود للكيان الصهيوني، في مجلس إدارة معهد السلام الأميركي، الأمر الذي دفع بوش إلى استخدام صلاحياته بتعيينه في هذا المنصب خلال فترة عطلة الكونغرس في صيف العام الجاري
العدد 466 - الإثنين 15 ديسمبر 2003م الموافق 20 شوال 1424هـ