العدد 2339 - الجمعة 30 يناير 2009م الموافق 03 صفر 1430هـ

أدعو منتدى دافوس للانضمام إلى مرحلة جديدة من الاتفاق العالمي

بان كي مون comments [at] alwasatnews.com

الأمين العام للأمم المتحدة

لقد أسميتُ هذه السنة سنةَ الأزمات المتعددة. فالأوضاع الاقتصادية غير سليمة. والثقة بقطاع الأعمال والأسواق تتناقص. والناس، أينما كانوا، قلقون على وظائفهم ويكافحون من أجل البقاء. وعلاوة على كل هذه الصعاب، فإننا نواجه أزمة أخرى.

أزمة بدأت تتكون منذ سنوات، وهي عالمية النطاق. إنها تغيّر المناخ الذي يهدد بإفشال جميع أهداف التنمية والتقدم الاجتماعي التي نسعى إلى تحقيقها. وبالفعل فإنه الخطر الحقيقي الذي يهدد الوجود على هذا الكوكب. لكنه، في المقابل، يتيح لنا فرصة ذهبية. فإذا جابهنا تغير المناخ بصورة مباشرة، أمكننا حل العديد من مشاكلنا الحالية، بما في ذلك خطر الركود العالمي. إننا نقف على مفترق طرق، ومن المهم أن ندرك أنّ الخيار في يدنا.فبإمكاننا اعتماد نُهُج أحادية قصيرة النظر فتستمر الأمور كسابق عهدها. أو يمكننا إقامة تعاون وشراكة عالميين على نطاق لم يسبق له مثيل.

قبل عشر سنوات بالضبط، وقف سلفي، كوفي عنان، أمام هذا المحفل (منتدى دافوس) ودعا كبار رجال الأعمال إلى إقامة «اتفاق عالمي» من القيم والمبادئ المشتركة . وسعى إلى إعطاء السوق العالمية وجها إنسانيا. وكان العالم يومها، كما هو اليوم، يواجه أزمة ثقة.

صحيح أن العولمة انتشلت الكثيرين من براثن الفقر. بيد أنّ انتشار الأسواق الحرة ورأس المال لم يعد بالفائدة على الجميع. إنه أضر في الواقع بالعديد من سكان العالم الأشد فقرا. لقد كان الاتفاق العالمي ردنا الواعي على ذلك الوضع. فقد أهاب بالشركات التجارية أن تعتنق المبادئ العالمية وأن تتعاون مع الأمم المتحدة لمعالجة المسائل الكبرى. وكان تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في طليعة هذه المسائل.

وبعد مرور عشر سنوات، يشكل الاتفاق العالمي أكبر مبادرة في العالم في مجال الاستدامة تتخذها الشركات التجارية. وبإمكاننا التباهي بأن عدد الأعمال التجارية المشاركة يزيد على 000 6 في أكثر من 130 بلدا. وأصبح الاتفاق العالمي نموذجا لمسؤولية الشركات.

وتجاوز أعضاؤه مجرد القيام بأعمال خيرية إلى ما أبعد من ذلك بكثير. فقد كانوا السباقين في وضع معايير جديدة لأفضل الممارسات في مجالي حقوق الإنسان وقانون العمل. وهم يعملون، في الكثير من البلدان، من أجل حماية البيئة ومكافحة الفساد. وقد نفَّذوا مئات المشاريع في ميادين الصحة والتعليم والهياكل الأساسية في بلدان من مختلف أنحاء العالم.

لكن مجموعة جديدة من الأزمات تدفعنا اليوم نحو شعور متجدد بالرسالة. لذا، أحثكم اليوم على الانضمام إلى مرحلة جديدة من مراحل الاتفاق العالمي. يمكننا تسميتها ”الصيغة 2.0 من الاتفاق العالمي“.

إننا نعيش في عصر جديد. والصعوبات التي ينطوي عليها يمكن تذليلها كلها بالتعاون، وبالتعاون وحده. زمننا هذا يستلزم تعريفا جديدا للقيادة - هو القيادة العالمية. انه يقتضي كوكبة جديدة للتعاون الدولي، تعمل في إطارها الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل تحقيق الخير العام في العالم بأسره. قد يعتبر البعض هذه الرؤية ساذجة. أمنية يستحيل تحقيقها. لكن لدينا أمثلة ملهمة تثبت العكس. فقطاع الأعمال كثيرا ما اضطلع بدور حاسم.

انظروا إلى الثورة الخضراء في الستينيات التي انتشلت مئات الملايين في آسيا من براثن الفقر. وانظروا إلى حملة التلقيح العالمية التي استأصلت داء الجدري بحلول عام 1979. وقد أدى التعاون بين قطاع الأعمال والحكومات إلى وقف عملية استنفاد طبقة الأوزون.وأحرزنا تقدما ملموسا في مكافحة الإيدز والسل وشلل الأطفال والملاريا. وأمامنا اليوم فرصة - وواجب لإضافة المزيد إلى هذه الأمثلة الملهمة.

لكن علينا التخلص من طغيان التفكير القصير الأمد وتغليب الحلول البعيدة الأجل. وسيقتضي ذلك منا تجديد التزامنا بالمبادئ الأساسية. وسيقتضي اتفاقا عالميا جديدا. وأنا أعرف أن في أوقات الأزمة الاقتصادية هذه، ستوجد نزعة إلى الارتماء من جديد في أحضان القومية والحمائية وغير ذلك من ”ضروب المذهبية“ التي تفضل المصالح الذاتية الضيقة على الأهداف العالمية المشتركة. وسوف يمثل ذلك خطأ. ليس فقط فيما يتعلق بتحقيق التنمية الشاملة، كمنح الفقراء فرصة عادلة لكسب الرزق. بل سيقوض ذلك أيضا المصالح الذاتية الوطنية.

الصعوبات التي تواجهنا اليوم عالمية الطابع. لكن بوسعنا تذليلها بالعمل معا. والاتفاق العالمي يوفر لنا إطارا ممتازا لذلك. واسمحوا لي بتقديم بعض الأمثلة إليكم.

إن مبادرة حماية المناخ في إطار الاتفاق العالمي هي أكبر مبادرة عالمية متعلقة بتغير المناخ يتولى قيادتها قطاع الأعمال. فالرؤساء التنفيذيون يكشفون عن كميات الكربون المنبعث جراء أنشطة شركاتهم ويتعهدون بالتقيد بالسياسات الشاملة ذات الصلة بالمناخ.

وهم يستخدمون مصادر الطاقة المتجددة ويستثمرون في مجال كفاءة الطاقة ويعززون الممارسات المراعية للمناخ من قبيل عقد الاجتماعات من بُعد.

وفي إطار ولاية الرؤساء التنفيذيين المتعلقة بالمياه يتواصل استخدام الموارد المائية بمسؤولية باعتماد استراتيجيات من قبيل الري بالتنقيط وجمع مياه الأمطار. وتُستخدم تقنيات جديدة لإعادة تدوير المياه المستخدمة في الصناعة بحيث تمكن إعادتها إلى الطبيعة بدون أي أضرار.

ويجري بناء محطات لتحلية المياه تعمل بالطاقة الريحية يمكنها إنتاج مياه صالحة للشرب لمدينة يزيد عدد سكانها على المليون نسمة. وبدأ أعضاء الاتفاق العالمي، في الأسواق المالية، عن طريق ”مبادئ الاستثمار المسؤول“، العمل مع كبار المستثمرين لتراعى المسائل الرئيسية في مجال البيئة والمجتمع والإدارة الرشيدة في عمليات تقييم الاستثمار التي يضطلعون بها.

ان جسامة التحديات التي تواجهها الشركات اليوم، في ظل التدهور الاقتصادي وتغير المناخ، لم يسبق لها مثيل. لكن الفوائد جمَّة أيضا بالنسبة للشركات البعيدة النظر. فقد تزايد الزخم في الأشهر القليلة الماضية، لإبرام ما أسمَّيه ”اتفاقا بيئيا جديدا“ على الصعيد العالمي.وشهد الأسبوع الماضي تنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة.

وقد قطع باراك أوباما تعهدا واضحا بإعادة تنشيط الاقتصاد الأميركي عن طريق تعزيز ”الاقتصاد المراعي للبيئة“. والاقتصاد المراعي للبيئة يتسم بانخفاض انبعاثاته من الكربون وكفاءة الطاقة. وهو يخلق فرص عمل جديدة. والاستثمار في التكنولوجيات المستدامة سيحول أزمة يومنا هذا إلى نمو مستدام غدا. والرئيس أوباما ليس الزعيم الوحيد في ميدان السياسة أو الأعمال الذي اختار سلوك هذا الدرب.

لذا، أهيب بكم جميعا، أن تتبعوا من خلال شبكة المورّدين إلى شركاتكم أو عن طريق شركائكم في أعمالكم التجارية، ممارسات وسياسات جيدة في مجالات حقوق الإنسان ومعاملة العمال والبيئة ومكافحة الفساد.

وفي وسعكم استخدام إطار المساءلة الذي ينطوي عليه الاتفاق العالمي لتبيان التقدم الذي تحرزونه كل سنة. وفعلكم ذلك لن يكون فعل صواب فحسب، بل سيكون أيضا عاملا مساعدا على تجديد الثقة بالأسواق وعلى استعادة هذه الأسواق لمصداقيتها. ويتضح من استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا أن الثقة بقطاع الأعمال تتبدد.فثلاثة من أصل كل أربعة أمريكيين يثقون بهذا القطاع اليوم أقل مما كانوا يثقون به قبل عام.

ونسبة الثلث فقط تثق في أن ما يقوم به هذا القطاع صواب وهذه نسبة تعادل نصف ما كانت عليه من قبل. وفقدان الثقة هذا منتشر بصورة خاصة في أوساط الشباب. وهذه النسب هي نفسها في جميع أنحاء العالم.

ويتبين من الاستطلاعات ذاتها أن نسبة 66 في المائة من سكان العالم يرون أنه ينبغي لقطاع الأعمال الانخراط كليّا في معالجة مشاكلنا المشتركة. ولا تتجاوز نسبة المعارضين لذلك الرأي 3 في المائة.

إن الأمور جلية واضحة. لا يمكننا الازدهار في غياب الثقة. ولقد آن الأوان للتحرك ولتنفيذ هذه الخطة بصورة جدية. الكثير منكم بصدد تقليص النفقات لمواجهة تراجع الاقتصاد. لكني أعتقد أنكم ستوافقون على أهمية تغيير اتجاه مؤسساتكم نحو اقتصاد المستقبل.فما من هبوط إلا يقابله صعود. فإذا أحسنتم الاستثمار اليوم، وضعتم الأسس الكفيلة بمعالجة مسائل خطيرة في الأجل الطويل. وستقفون في طليعة الاقتصاد الجديد المراعي للبيئة. وأشجعكم على المساهمة في رسم معالم مستقبل قائم على اقتصاد يتسم بانخفاض انبعاثات الكربون ويوفر فرص عمل مراعية للبيئة ويستند إلى مصادر الطاقة المتجددة ويتميز بكفاءة الطاقة. وأطلب إليكم أيضا المشاركة في المساعي التي تُبذل من أجل التوصل إلى اتفاق شامل ومُجد في القمة التي ستُعقد في كوبنهاغن في نهاية هذا العام بشأن تغير المناخ. وأناشدكم استخدام شبكة الموردين إلى شركاتكم، بأقصى طاقاتها للتأكد من استحداث أنظف التكنولوجيات واستخدامها في كل مكان. وأسألكم أن تكونوا القدوة التي يحتذى بها.

اعملوا على توعية مستهلكي منتجاتكم، ومورديكم وعمالكم. واجعلوا الفقراء يستفيدون من تكنولوجياتكم. ذلك هو المسار الوحيد لبناء مستقبل مستدام يحمل آفاق الازدهار للجميع.

إن علينا إجراء اختيارات. وقد آن الأوان لإعادة بناء الثقة. ولا يمكننا القيام بذلك إلا بتوفير حلول فعلية، طويلة الأجل للمشاكل الحقيقية. ويجب أن يثق الناس في أن ما نفعله هو الاختيار الذكي والسليم. وهذا يعني الاستثمار في الاقتصاد الجديد - اقتصاد المستقبل. إن المصلحة الذاتية النيّرة هي جوهر المسؤولية في قطاع الأعمال والسبيل الرئيسي إلى عالم أفضل.

إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"

العدد 2339 - الجمعة 30 يناير 2009م الموافق 03 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً