البيئة السياسية الحالية ليست بمستوى طموح البحرينيين المخلصين لبلادهم، إذ يحز في قلوبنا أن نشاهد انفلات الخطاب السياسي إلى مستويات تقل حتى عن مستوى ما كان منتشرا في أيام أمن الدولة. ففي الماضي لم تكن الأمور مطأفنة أو مشخصنة إلى الدرجة التي نشاهدها حاليا.
إننا في آخر الأمر، أبناء بلاد ذات أصالة عربية وإسلامية، ومن شيم العرب أن تكون بينهم شهامة وأن يبادلوا الود بالود... ومن مبادئ المسلمين إقامة العدل بين كل الناس من دون تفريق «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا»، وعدم التشجيع على السخرية من فئة من الناس أو التنابز بالألقاب «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ».
إن طموحنا يحتم علينا أن نسعى لمنع انزلاق أوضاعنا إلى مستويات دنيا، إذ لا نود أن نجد أنفسنا نتحدث عن سجناء للرأي أو معتقلين سياسيين، أو معتقلين أمنيين... ففي عالم اليوم المفتوح لا ينفع إلصاق تهم الإرهاب الخطيرة لإبعاد الأنظار عن جذور المشكلة، كما أن إبعاد الأنظار مؤقتا لا يعني أن المشكلة تم حلها، بل أنها ستتفاقم وتتعاظم وتولد لنا مشكلات أخرى قد لا تكون بحسبان أية جهة، سواء كانت أهليّة أم رسمية، وبعد ذلك لاينفع الأسف.
نعم، بحريننا تستحق بيئة سياسية أفضل، والحديث هنا لا ينطلق من منهج إيديولوجي بقدر ما ينطلق من أرض الواقع، إذ إن البحرين بالفعل تزخر بكل مقومات المجتمع المسالم والآمن والحيوي والمعطاء، ودليل ذلك انجذاب مختلف أنواع الناس إليه على رغم أنه لا يوجد لدينا ما لدى غيرنا من طقس جميل على مدار السنة أو بيئة خلابة... ولكن لدينا مجتمع جميل، و يمكن التعويل عليه والتفاهم معه نحو خير يشمل الجميع من دون استثناء.
إن الحرية هي جوهر الحياة، والعدل والإحسان هما الضمانة الأساسية لاستقامة الأمور، وعليه فإن ما اكتسبه البحرينيون بعد التصويت على الميثاق في 2001، مثل حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير في كثير من القضايا التي كان يمنع الحديث فيها، وحرية تدفق المعلومات الإلكترونية، وتفريغ السجون من المعتقلين، واشتراك البحرين في مجلس حقوق الإنسان، وغيرها من المكتسبات التي نعتز بها ونود تنميتها... وليس فقدانها.
لا نريد الخطابات العدائية بين الشعب والحكومة، أو بين فئات الشعب المختلفة، ولا نريد عودة الرقابة على الناس، ولا نريد عودة التنصت على المحادثات الهاتفية، ولا نريد الإجراءات التقييدية بحيث لا يمكن لأي شخص أن يتنفس في أي مجال إلا بإذن خاص من هذه الجهة البيروقراطية أو تلك... وبالتأكيد لا نريد العودة إلى أجواء العنف والحرائق والمصادمات.
الشعب البحريني يستحق أفضل من أن ننزلق إلى ما لا تحمد عقباه، وعلى جميع العقلاء من مختلف الأطراف أن يلعبوا دورهم الوطني نحو آفاق رحبة تحمي مصالح الدولة وهيبتها من جانب وتحفظ حقوق الناس من جانب آخر.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2339 - الجمعة 30 يناير 2009م الموافق 03 صفر 1430هـ