جميعنا يسعى إلى حياة سياسية متطورة يمكن للمرء أن يعبر عن رأيه فيها ضمن إطار حضاري لا يخنق الكلمة المسئولة. فالصحافة وهي التي يفترض أن تعبر عن الرأي العام، محاطة بالشوك من كل جانب. وفي البحرين ومنذ انطلاق حركة الانفتاح السياسي سعينا جميعا من أجل صحافة حرة غير مكبلة بقوانين مجحفة تجرم الكتابة وتحرم النشر وتتعامل مع الكلمة كما تتعامل الأجهزة الأمنية مع تهريب المخدرات. ولكننا فوجئنا بإعادة إصدار القانون الذي كان قد صدر في أيام أمن الدولة، بل وتم تطبيق القانون على الصحافيين على رغم الاحتجاجات وعلى رغم الوعود التي سمعها العاملون في الصحافة من القيادة السياسية بشأن النية لتغيير القانون بسرعة، وما فهم حينها بأنه تجميد للقانون غير الملائم لبحرين ما بعد 2001 وغير الملائم للقرن الحادي والعشرين.
وهكذا مضت الشهور ونحن بانتظار تغيير القانون وبانتظار أن تتوقف الأساليب التي ينتهجها القانون المذكور. ومع مضي الشهور يبدو أن طرح القانون أمام البرلمان قريب - بعيد؛ فهو قريب لأننا نسمع كثيرا عن مقترح لمجلس الشورى يتلاءم مع طموحات الصحافيين وبعيد لأننا نسمع عن مشروع للحكومة مازالت تنقصه بعض الجوانب المهمة. وفي كلتا الحالتين لا وجود لأي منهما إلى الآن. اننا في الوقت الذي نطالب بتغيير القانون لا نسعى إلى انفلات الكلمة، بل نحرص على مراعاة الظروف من دون التضحية بتطلعات الشعب.
لقد أشارت التقارير الدولية الأخيرة إلى تحسن الاقتصاد، وارجع الخبراء الاقتصاديون ذلك إلى تحسن الأوضاع السياسية والشفافية. ونحن في البحرين كانت لدينا فرصة في الثمانينات لتحويل البحرين إلى مركز للمعلومات والنشر في كل المجالات. ولكن وزارة الإعلام شردت وكالات الأنباء التي كانت تتخذ البحرين مقرا لها، وانتقلت تلك الوكالات إلى دبي وتركت لها فروعا صغيرة. كما شردت دور النشر والمطابع التي ذهب عدد منها إلى دبي بدلا من البحرين. وبعض اصحاب المطابع البحرينية فتحوا منشآت في دبي لطباعة الكتب بعد أن أغلق الباب في البحرين.
مع التسعينات ظهرت الحاجة العالمية الى تطوير وسائل الاعلام من فضائيات ومحطات تلفزيون وإذاعات، والشركات الكبرى لم تختر البحرين؛ لأن وزارة الإعلام تتعامل مع أصحاب الكلمة كما تتعامل «الداخلية» مع أصحاب المخدرات. ومع تلك الصناعات خسرنا سوق الإعلانات، وأصبحنا نحتاج إلى الذهاب إلى دبي للارتباط بهذه السوق المهمة. ولو كانت لدينا حكمة لما خسرنا سوق الإعلام وسوق الإعلان ولما خلقنا المشكلات لأنفسنا عبر جرجرة الصحافيين وتشويه سمعة البحرين التي تحسنت دوليا.
المؤشرات لا تدل على أن وزارة الاعلام تعي ذلك. فالبحرين كان بامكانها (ومازال بامكانها) أن تصبح مركزا للإذاعات والوكالات الكبرى ومحطات التلفزيون المهمة وتشغل بذلك كل الأيدي العاملة وتحرك عجلة الاقتصاد كثيرا في جوانب عدة. فهيئة الإذاعة البريطانية كانت قبل سنوات تبحث عن مركز كبير لها في منطقتنا ولكنها فكرت في عدة دول لم تكن بينها البحرين، واختارت القاهرة مقرا لبرامجها الموسعة. وفي اعتقادي أن البحرين لو كانت مستعدة من الناحية الرسمية فإن واحدة من الفرص الكبرى التي مرت بالمنطقة ومازالت تمر بها من الممكن أن ترفع شأن الاقتصاد والسياسة في آن واحد.
نذكر المسئولين بذلك وندعوهم إلى الوثوق بالكفاءات البحرينية وبحكمة شعب البحرين وأن يسارعوا إلى إزالة «المقصلة» المتمثلة في قانون الصحافة والنشر، وعدم التسويف في الامر كما هو الامر حاليا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ