العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ

15 ديسمبر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تنجح دول مجلس الأمن الدولي في التوصل الى صيغة قرار مشترك عن العراق في الاسبوع الجاري، وتحديدا في 15 ديسمبر/ كانون الأول، كما اتفقت الدول في القرار الذي صدر بالاجماع في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؟

القرار السابق نص على دعوة «مجلس الحكم العراقي» المؤلف من 25 عضوا الى وضع اطار زمني بحلول 15 ديسمبر الجاري لصوغ دستور جديد واجراء انتخابات عامة حرة وديمقراطية. ونص القرار أيضا على تشكيل قوة متعددة الجنسية تلقى التفويض من الأمم المتحدة تحت قيادة أميركية. ونص أيضا على انهاء مهمة القوات الدولية (القبعات الزرق) عندما تؤدي حكومة جديدة ومنتخبة اليمين الدستورية.

اعطى القرار مهلة زمنية لاتزيد عن الشهرين والآن جاء الاستحقاق فهل «مجلس الحكم» في وضع يسمح له بتلبية الشروط الدولية، وكذلك هل توصلت الولايات المتحدة الى قناعة مفادها ان مشروعها فشل وعليها ترتيب جدول زمني للانسحاب؟

حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة، فلا «مجلس الحكم» يتمتع بمواصفات وصلاحيات ويملك الامكانات التي تسمح له باتخاذ المبادرة وقيادة الدولة بشكل مستقل عن الهيمنة الأميركية وقرارات ادارة الاحتلال. كذلك تبدو واشنطن في وضع حرج لا يسمح لها باعلان فشلها ولا يشجعها على الاستمرار كما هي عليه الحال الآن.

«مجلس الحكم العراقي» ضائع في خطواته فهو نسي مسيرته الأولى ولم يتعلم السير باسلوب جديد يعطيه بعض ما افتقده من حيوية سياسية يجمع عليه العراقيون... وهو غير قادر على العودة الى ما كان عليه او التقدم خطوات تقطع صلاته مع الاحتلال. القوات الاميركية ايضا حائرة في قراراتها فهي فقدت حماسها الأول واستنزفت طاقتها بعد الاندفاعة الأولى إذ انها تواجه المزيد من الخسائر يوميا وتتضاعف نفقات الاحتلال والحماية في وقت يشهد فيه الشارع العراقي بدايات انقلاب في مزاجه السياسي.

الوضع المشترك بين الاحتلال ومجلس الحكم في العراق يتراوح بين وبين. فكل خطوة الى الوراء يجب ان تكون محسوبة جيدا حتى لا تفسر بانها بداية هزيمة، وكل خطوة الى الامام يجب ان تدرس جيدا حتى لاتفهم بانها بداية مغامرة جديدة. وبين هذه وتلك يدفع الشعب العراقي الثمن المضاعف نتيجة سياسات دولية لا ناقة له فيها ولا جمل.

الوضع إذا ليس جيدا لا للعراق واهله، ولا لمجلس الحكم الذي يبدو انه غير قادر على تحمل المسئولية، ولا لقوات الاحتلال التي خاب املها وباتت في موقع محرج اذا قررت الانسحاب او قررت البقاء في مواضع عسكرية واستراتيجية على الحدود العراقية.

الى ذلك يمكن القول ان الحال العراقية من سيئ الى أسوأ في مختلف القطاعات من الأمن الى الاقتصاد. فكل الانشطة شبه معدومة واذا وجدت فهي مشلولة او نصف مشلولة او تعمل بنصف طاقتها او بالحد الادنى من الساعات.

هذه الحال تزيد من صعوبات دور «مجلس الحكم» كذلك تعطل امكانات الاحتلال وترفع من نسبة توتره وتبرمه من الشعب العراقي الذي يميل الى رفض القوات الاميركية، وبات يرى ان واشنطن جاءت لحسابات دولية كبرى لا علاقة لها بالتحرير او انقاذ الدولة من الدكتاتور.

مجلس الأمن اذا على موعد بعد يومين ليوافق على ما تعهد به الاحتلال و«مجلس الحكم» قبل شهرين. وقبل ان يحين الموعد الرسمي باسبوع اطلقت «البنتاغون» قنبلة فجرت كل التفاهمات التي حصلت خلال الاسابيع الاخيرة بين «دول الحرب» و«دول الضد» حين أعلنت حرمان الشركات الفرنسية والالمانية والروسية والكندية وغيرها من الدول من حق المساهمة في اعادة اعمار العراق.

القنبلة انفجرت وتوقيت تفجيرها قبل اسبوع من انعقاد مجلس الامن لبحث مصير العراق في السنوات المقبلة يشير الى وجود مشكلات عالقة بين الطرفين. فالولايات المتحدة تريد احتكار عملية الاعمار وتوزيع المساعدات كحصص ومنح تشرف عليها مباشرة كما فعلت حين وافقت على تدويل القضية (القبعات الزرق) شرط ان تكون القوة المتعددة الجنسية باشرافها. ودول الضد لا تريد التخلي عن حصصها وحقوقها وديونها لسبب بسيط وهو احتمال ان تتحول مسألة العراق الى سابقة دولية تطيح بكل منظومة الافكار المتعلقة بالاقتصاد الحر واقتصاد السوق وحرية التنافس وغيرها من شعارات قيل ان الولايات المتحدة حريصة على تعميمها في العالم.

الا ان المسألة لا علاقة لها بالافكار والشعارات والاخلاق. انها مسألة مصالح وتوازن مصالح ومحاولة للاحتفاظ بالمواقع والادوار. والمشكلة ان اوروبا مدعومة من الصين وروسيا اذا وافقت على التراجع فمعنى ذلك انها اعطت واشنطن «الضوء الاخضر» لمواصلة سياسة اسقاط الانظمة والهيمنة على ثروات الدول والسيطرة على الاسواق ومصادر الطاقة. والمشكلة الثانية، ان اوروبا وبالتضامن مع دول الضد، اذا قررت المضي في المواجهة وتحدي الادارة الاميركية في سياسة البسط والقبض عليها ان تعيد حساباتها في امور كثيرة منها تطوير دفاعاتها الامنية وتأسيس قوة عسكرية بديلة تستغني عن حاجتها للولايات المتحدة في الحلف الاطلسي وغيرها من مناطق تشهد سلسلة توترات أمنية.

المشكلات كثيرة والتحديات اكبر، والولايات المتحدة من خلال قرار «البنتاغون» الاخير - الذي لاقى سلسلة انتقادات حتى من الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان - تريد رفع مطالبها الخاصة قبل انعقاد مجلس الامن في 15 ديسمبر. فبعد ان ترفع تستطيع خفض مطالبها لتحصل على تسوية دولية تنقذ الرئيس جورج بوش من فضيحة سياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

والسؤال هل ينجح في ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً