كغيري من المواطنين والمقيمين كنت حتى الأمس القريب أشتكي من الأسعار المجحفة لخدمات الاتصالات في البحرين لكن الخوف الآن من مستقبل كلف المكالمات في البلاد على ضوء إجراءات هيئة تنظيم الاتصالات. لأول مرة أرى نفسي في موقع الدفاع عن شركة البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية (بتلكو) بسبب الظلم الذي بدأ يلحق بهذه المؤسسة الوطنية بعد تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب. وأخشى أن تتسبب قرارات الهيئة بتعقيد خدمات الاتصالات وزيادة كلفها خلافا لأهداف فتح المجال أمام المنافسة.
في البداية لابد من تأكيد أهمية قرار الحكومة بفتح باب المنافسة في قطاع الاتصالات. فالمنافسة مسألة جوهرية لابد منها دائما وفي كل المجالات لسبب تقليدي وهو أنها تساهم في نهاية المطاف إلى الاستخدام الأمثل للثروات والامكانات المحدودة الموجودة في البلاد. وأعتقد أن الخطوة الآتية تتمثل في فتح باب المنافسة في مجال الانترنت. فقرار الهيئة بمنح ترخيص لشركة إم تي سي فودافون (وهي شركة كويتية بريطانية مشتركة) والتي حصلت على رخصة تقديم خدمة النقال إبتداء من نهاية 2003 ولمدة 15 سنة خطوة صحيحية. لكن الخطأ يكمن في بعض الأمور التفصيلية فيما يخص تنظيم الاتصالات في البلاد بعد بدء المنافسة في منتصف ديسمبر/ كانون الأول. هناك اتهام واضح من شركة بتلكو للهيئة لإجبارها بدفع مبالغ غير واقعية لشركة إم تي سي فودافون. جاء هذا الاتهام على لسان الرئيس التنفيذي لبتلكو طوني هارت وذلك في الندوة التي أقامتها حديثا جمعية الإداريين البحرينية. على سبيل المثال تلزم الهيئة بتلكو بدفع 40 فلسا إذا استخدمت شبكة إم تي سي فودافون إلا أن المطلوب منها دفع 4 فلوس لاستخدام شبكة بتلكو. ويعتقد هارت أن شركته ستخسر 36 مليون دينار للاستجابة للضوابط المختلفة المفروضة عليها من قبل هيئة تنظيم الاتصالات. بطبيعة الحال ستعمل الشركة على تحويل جزء من هذه الكلفة على عاتق المستهلكين. ويخشى هارت من ارتفاع كلفة المكالمات الهاتفية بنسبة قد تصل إلى 60 في المئة في غضون السنة والنصف سنة المقبلة. وبلا شك فإن الخاسر الأكبر في هذه الحال هو المواطن البحريني. أيضا يوجد تخوف من أن تؤدي إجراءات الهيئة إلى قيام إدارة بتلكو بتسريح المئات من المواطنين في وقت تعاني فيها البحرين من أزمة بطالة خانقة إذ تبلغ نسبة البطالة في أحسن الأحوال 15 في المئة من القوى العاملة. ويعمل في بتلكو حوالي 1600 موظف حوالي 95 في المئة من هؤلاء من البحرينيين.
يذكر أن الاستعداد للمنافسة تسبب في تدني صافي ربح بتلكو بنسبة 17 في المئة في التسعة الشهور الأولى للعام الجاري إذ هبط إلى أقل من 44 مليون دينار. تدني الأرباح يضر بملاك الأسهم ويبلغ عددهم 14000 مساهم. وتعتبر حكومة البحرين والهيئات الأخرى التابعة لها المساهم الأكبر والمستفيد الرئيسي من دخل بتلكو إذ ساهمت الشركة بأكثر من 14 مليون دينار لدخل موازنة المملكة في العام 2002. وبحسب هارت فإن بتلكو ساهمت 94 مليون دينار في الاقتصاد المحلي في العام الماضي واستثمرت 30 مليون دينار سنويا في السنوات الخمس الماضية على تطوير البنية التحتية للاتصالات.
قدمت بتلكو الكثير للاقتصاد البحريني وساهمت بتلكو بجعل البحرين المركز المالي الرئيسي في المنطقة وذلك بتوفيرها لأفضل وآخر تقنيات الاتصالات. ويرجع الفضل لبتلكو لتحقيق البحرين المرتبة الثانية على مستوى العالم العربي بعد دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يخص انتشار ثقافة الاتصالات. إذ تشير الإحصاءات الصادرة من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات للعام 2002 إلى وجود نسبة توغل تبلغ 27 في المئة للأرقام الثابتة و 59 في المئة في قطاع النقال و 25 في المئة في مجال الانترنت. باختصار نجحت بتلكو بجعل خدمة الجوال في متناول الجميع فترى التاجر ومتوسط الدخل والفقير يمتلك خط نقال.
المطلوب من هيئة تنظيم الاتصالات أن تكون محايدة من دون تفضيل شركة على غيرها. وعلينا كمواطنين أن نقدر مساهمات بتلكو في الاقتصاد الوطني
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ