أقامت جمعيتا العمل والمنبر الديمقراطي حفلا تأبينيا لاحياء الذكرى السابعة والعشرين للشهيدين محمد غلوم والشاعر سعيد العويناتي اللذين استشهدا في ديسمبر/كانون الأول 1976 بقاعة جمعية الاطباء البحرينية في الجفير... وكان المشهد:
قاعة... وحضور متعدد الاجيال من الجنسين ومنصة تتوسطها لوحة كبيرة بدت على جانبيها صورة الشهيدين غلوم والعويناتي، فيما كانت خلفية اللوحة تضم صورا لشهداء البحرين تتقدمها زنزانات من القماش الأسود الممزق و... و... و... وبدأت مراسم الاحتفال بالذكرى الحزينة بالوقوف دقيقة على أرواح الشهداء ثم صدح الغياب البعيد غياب القصيدة التي لم تعد خرساء قائلا:
دخل الجند الحديقة
فتشوا عن بقعة الضوء
ولكن الحقيقة وقفت ممتدة
وقفت كل أزاهير الحديقة
وقفت كل العصافير الصغيرة
وبعدها عُرضت مسرحية «الشهيدان» التي قام بتأليفها الشاعر أحمد العجمي وأخرجها علي حبيل.
ثم ألقى رئيس جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن كلمة الجمعيات الست «السياسية» وقال في جانب منها: «لقد شكلت الاعتقالات التي جرت بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر من العام 76 استمرارا للنهج الذي ساد البلاد، إذ تعرض المناضلون للتعذيب المادي والمعنوي والجسدي والنفسي الوحشي والذي سقط بسببه شهيدان محمد غلوم وسعيد العويناتي وكان استشهادهما ايذانا بمرحلة جديدة في تاريخ الصراع في البلاد، ولم تعد أجهزة القمع بعده تتورع عن قتل المناضلين تحت التعذيب وهو الأمر الذي استمر في الثمانينينات والتسعينات إذ قدم الشعب كوكبة من أبنائه وبناته البررة في بحرين النضال من أجل الحريات الديمقراطية وإعادة الحياة النيابية وفتح طريق التحولات السياسية أمام البلاد.
مشيرا مدن الى ان تلك المرحلة السوداء قد أخرت البلاد 35 سنة الى الوراء وأخرت صناعة الدولة الحديثة دولة القانون والمؤسسات، والحقت اضرارا فادحة بالاقتصاد وبالاوضاع المعيشية لجماهير الشعب، ولكن الحركة الشعبية لم تنهر تحت الضغط والقمع وواصلت نضالها الذي عمدته بنضال الشهداء الذين شقوا طريق الحرية الذي مكن للشعب البحريني وعيه، إذ أمكن وضع نهاية لسياسة القمع والتنكيل وجرى اطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المنفيين الى البلاد في مرحلة ما بعد التصويت على الميثاق الوطني بيد ان الحركة الشعبية مازالت تطالب بطي صفحة هذا الماضي الأسود من خلال سن تشريع يعوض ضحايا التعذيب والقتل ولا ينطلق هذا المطلب من رغبة للثأر او التشفي وانما من رغبة حقيقية في مصالحة جادة تضع البلاد على طريق تأسيس هياكل جديدة خالية من جميع أشكال التعسف تسودها ثقافة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وكرامته وحقه في العيش الكريم... ومن الطبيعي ان ذلك يتطلب التوافق بين الدولة والمجتمع على الكثير من القضايا الجوهرية التي تشكل مفاصل رئيسية للعملية الاصلاحية التي تضافرت حولها إرادة الشعب وجلالة الملك بما يضمن لهذه العملية الانطلاق للآفاق التي نتطلع اليها جميعا وفي مقدمة هذه القضايا تبرز مسألة استكمال المقومات الدستورية وخصوصا ضمان الفصل الحقيقي للسلطات وحصر سلطة التشريع في المجلس المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب، كما نص على ذلك ميثاق العمل الوطني وتمكين المجلس المنتخب من أداء دوره التشريعي والرقابي كاملا وغير منقوص».
بعد ذلك القت فاطمة الجاسم كلمة جمعيتي العمل الوطني والمنبر الديمقراطي قالت فيها: «لقد عاش الشعب البحريني تحت مؤامرة ومزاج مرتزقة أجانب وعناصر محلية سارت على خطاهم بتطبيق أبشع أنواع التعذيب الوحشي الذي ذهب ضحيته العشرات من أبناء هذا الشعب، وان هذه الخطوة التي أقدمت عليها جمعيتا العمل والمنبر هي الأولى للتواصل والاتفاق على احياء يوم للشهداء، إذ يعبر عن تكريمنا للشهداء جميعا وعن ايماننا بضرورة الوحدة الوطنية ولن نسمح جميعا بأن تعود مرة أخرى الى بلادنا الجميلة وشعبنا الوفي المناضل الصابر الذي قدم وعلى استعداد لأن يقدم المزيد من التضحيات من أجل المزيد من الحقوق في المشاركة السياسة لصنع القرار... ومن أجل بلاد أجمل... وان تكون مملكة دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة».
وأضافت الجاسم «لقد أرادت الأجهزة الأمنية ان تستثمر الجريمة البشعة التي نفذها مجرمون وأدانها المجتمع والقضاء والتي ذهب ضحيتها أحد رموز الحركة الإسلامية الشيخ عبدالله المدني لشن حملتها الشعواء ضد التيار الوطني الديمقراطي الذي تصدى لسياستها الخاطئة مستهدفا بذلك العلاقات بين القوى الوطنية والإسلامية الفاضلة، فاعتقلت العشرات من مناضلي الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني ولفقت التهم ضدهم وحيث صمد كل المناضلين ورفضوا تلطيخ سمعة وشرف تنظيماتهم المناضلة وكان الضحية الأولى الشهيد محمد غلوم إذ رفض الجلادون تسليم جثته الى أهله وأعقبه بعدة أيام الشهيد سعيد العويناتي وكان على طريق كوكبة من المناضلين وصلوا الى درجة متقدمة من المعاناة».
وأشارت الجاسم الى انه «قد يكون بمحض الصدفة ان نقيم هذه المناسبة تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان، وننتهز هذه المناسبة لنعبر عن وقوفنا الى جانب المطالب العادلة لشعبنا ونطالب بتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والكشف عن الجرائم ومرتكبيها التي مورست في مرحلة قانون أمن الدولة ولدينا الكثير من تجارب العالم التي يمكن الاستفادة منها في هذا الميدان، كما نؤكد ان العهد الذي دشنه صاحب الجلالة والذي استبشر به كل الناس يتطلب العمل الجاد والمخلص لمواجهة كل الصعوبات الكبيرة التي يعاني منها شعب البحرين، ولعل أبرز هذه الصعوبات هي القضية الوطنية والوحدة الوطنية، هذه الوحدة التي يجب ان نحافظ عليها كما نحافظ على حدقات أعيننا وان نرفض كل دعوات الطائفيين والغلاة والمتطرفين الذين لا يستطيعون العيش إلا بإشاعة المزيد من عوامل التفرقة بين أبناء الشعب الواحد».
ولم تنس الجاسم ان تشير الى نضال الشعب الفلسطيني الذي يقدم يوميا الشهداء ويعاني من الحرمان من أبسط حقوقه على يد قوات الاحتلال الصهيوني المدعومة من قبل الإدارة الأميركية. «اننا نقف بلا تردد الى جانب هذا الشعب المتمسك بحقه في تحرير وطنه وإقامة سلطته الوطنية على ترابه الوطني رافضا السياسة التوسعية الصهيونية العنصرية باصرارها على الاحتلال وإقامة الجدار العنصري، مؤكدين ان الصهيونية عنصرية وشكلا من أشكال التمييز الذي يرفضه كل الشرفاء في هذا العالم، إذ قالت أوروبا بأكملها إن «إسرائيل» هي الخطر الأكبر على السلام العالمي وعليه نؤكد ضرورة التمسك بمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني وان تكون بلادنا محرمة على الصهاينة، كما نعبر عن وقوفنا الى جانب الشعب العراقي الذي تخلص من الديكتاتورية، ونقف الى جانبه من أجل انهاء الاحتلال الأميركي البريطاني وتسليم العراقيين أمام أمورهم في عراق موحد وديمقراطي يساهم مع أشقائه في المنطقة في مواجهة كل النوايا العدوانية الشريرة التي تحيكها الصهيونية العالمية»
العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ