قال عضو مجلس النواب فريد غازي: «لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تحيل القوانين المطعون فيها (الصحافة، والسلطة القضائية، والإجراءات الجنائية) إلى البرلمان، ريثما تفصل المحكمة الدستورية فيها».
وأوضح «إن صدور حكم بعدم دستورية قانوني السلطة القضائية، والإجراءات الجنائية اللذين طعنت فيهما جهات عدة يعني أن أحكام الإدانة التي صدرت بناء عليهما ضد متهمين (أو مجرمين معروفين) تعتبر كأن لم تكن، استنادا إلى قاعدة الأثر الرجعي للحكم بعد دستورية النص الجنائي، وذلك يعني أن جميع من حوكموا في ضوء هذا القانون، حتى المعروفين منهم بالتعدي على الحقوق، يخرجون من السجون فورا، بعد تبليغ الادعاء العام، ولا تعاد محاكمتهم، انسجاما مع القاعدة الشهيرة في هذا الصدد ما بني على باطل فهو باطل».
واسترك قائلا: « إن الأثر الرجعي لا يطول أحكام البراءة، إذ تبقى صحيحة، وكذلك الأحكام الصادرة وفق القانون المدني تبقى صحيحة ولا ينالها في ذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية».
وأشار غازي - الذي يدرس في المرحلة العليا في القانون الدستوري - إلى أن الحكم بعدم الدستورية «يعني أن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل العمل بمرسوم بقانون رقم 46 بشأن السلطة القضائية لسنة 2002، وقانون رقم 47 بشأن الإجراءات الجنائية لسنة 2002، الذي يتضمن إنشاء النيابة العامة، ويعاد العمل بقانون أصول المحاكمات الجنائية لسنة 1966، ونظام الادعاء العام الذي كان جزءا ولصيقا بوزارة الداخلية، ذلك أن الحكم بعدم دستورية مرسوم بقانون رقم 47 يلغي النيابة العامة القائمة حاليا».
واستند غازي في ذلك إلى «احدى القواعد القانونية المستقرة، التي توجب العمل بالقوانين التي كانت سارية قبل العمل بالتشريع الذي ألغي بحكم عدم الدستورية، لتفادي حدوث فراغ تشريعي، ويستمر هذا الوضع حتى إقرار هذه القوانين مرة أخرى عن طريق السلطة التشريعية».
لا يجوز تعديل القوانين
وأضاف غازي (الذي كان يرأس اللجنة التشريعية في مجلس النواب) أن ذلك يعني أيضا أن الاقتراح بقانون بتعديل قانون السلطة القضائية الذي تقدمت به كتلة المنبر الإسلامي، يصبح «كأن لم يكن، لأنه وقع على تشريع حُكم بعدم دستوريته فأي إجراءات اتخذت بتعديله ينعدم أثرها. فلا يجوز أن تعدل النصوص التي حكم بعدم دستوريتها».
ومضى قائلا: بناء على نصوص الدستور فإن «أحكام المحكمة الدستورية وقراراتها نهائية، وغير قابلة للطعن، وتكون ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة، ويجب تطبيق النص القاضي بعدم «دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم تحدد المحكمة تاريخا لاحقا لذلك».
وأشار غازي إلى أن محكمة التمييز هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، والمذكرة التفسيرية لدستور 2002 نصت على أنه «...لا يمنع ذلك - بطبيعة الحال- من أن ينيب الملك عنه في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من يراه من رؤساء الهيئات القضائية الموجودة حاليا أو التي يمكن أن توجد في المستقبل».
وحين صدر الدستور - يقول غازي - لا توجد هيئة قضائية، وأول هيئة قضائية شكلت هي المحكمة الدستورية، وهذا يعني أن ما جاء في المذكرة التفسيرية «غير صحيح، لأن الهيئة غير موجودة، فأول هيئة قضائية هي المحكمة الدستورية. ودائرة التمييز الموجودة قبل صدور الدستوري هي دائرة وليست هيئة، والنص الوارد في المذكرة التفسيرية يعبر عن «عدم دراسة القضائي بشكل سليم».
الدفع جدي... ولكن
وبشأن توقعاته عن حكم المحكمة الدستورية في الطعون الموجهة، قال غازي: «الدفع بعدم الدستورية جدي، نظرا إلى تعمقي في النص الدستوري الخاص بالمادة 121 من الدستور»». وأشار إلى وجود رأيين في هذه المسألة: الأول تفسير المحكمة الدستورية عبارة «يبقى صحيحا ونافذا كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين (... ) معمول بها قبل أول اجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغ وفقا للنظام المقرر في هذا الدستور». وأوضح أن التفسير الخاص بـ «المعمول بها»، هو الذي دفع إلى تغليب رأي عدم دستورية هذه القوانين، باعتبار أن العمل بها تم بعد ممارسة المجلس التشريعي مهماته في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002».
يذكر أن قانون السلطة القضائية صدر في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2002، على أن يعمل به في 20 يناير/ كانون الثاني 2003، أما قانون الإجراءات الجنائية فصدر في 23 أكتوبر، ويعمل به في 23 يناير 2003.
أما الرأي الثاني - بحسب غازي - فيستند إلى «تفسير مفهوم آلية الصدور، فإذا كانت صحيحة، فإن القانون صحيح».
وأضاف: «وأعتقد أن آلية الصدور صحيحة في غياب المجلس التشريعي... فالقوانين صدرت ورتبت أوضاعا قانونية جدية، فيصبح من غير المصلحة إلغاؤها، وهو ما أخذ به قسم من الفقهاء الدستوريين في النظام الفرنسي، وبعض الفقهاء العرب في المشرق العربي». وأضاف «وأنا أميل إلى الرأي الثاني، لكنه يبقى رأيا إلى أن تثبت المحكمة الدستورية عدم ذلك».
وعن توقعه لحكم المحكمة الدستورية، قال غازي: «مع معرفتي بجميع قضاة المحكمة الدستورية الموقرين، لا أستطيع أن أتنبأ بآرائهم، لكن عندي ثقة كبيرة ومطلقة بهؤلاء القضاة بأن يكون رأيهم مستقلا، ونابعا من وعيهم القانوني والدستوري، وما استقر في وجدانهم وضميرهم»
العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ