عاود ملف الأحوال الشخصية تصدر واجهة الحوادث المحلية. إذ أعلن الشيخ عيسى قاسم أمس عدم ثقته في نتائج استطلاع للرأي بشأن الأحوال الشخصية عزم مركز البحرين للدراسات والبحوث تنظيمه، وأكد أن العريضة العلمائية المعارضة حصدت 65 ألف توقيع، فيما لوح السيدعبدالله الغريفي في كلمة له في القفول بتحريك العريضة العلمائية مرة أخرى، وقال: «يجب على أعضاء البرلمان أن يحسبوا النتائج بدقة، وان يحترموا إرادة أبناء هذا الشعب المسلم».
وكان مجلس النواب ناقش مسألة تقنين الأحوال الشخصية، وعرض نواب كتلة المنبر الإسلامي تسعة ضوابط مقترحة للتقنين أهمها: تأكيد استمداد نصوص قانون الأسرة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها، الدعوة الى تشكيل لجنة عليا من ذوي الاختصاص من علماء الدين من المذهبين لصوغ مشروع قانون أحكام الأسرة، تأكيد وجود ضمانة دستورية لحماية التشريعات الخاصة بقانون الأسرة، الاعتماد في صوغ هذا القانون على المتخصصين في الفقه الإسلامي والقضاء والقانون والاجتماع.
الدراز - حسين خلف
أكد الشيخ عيسى أحمد قاسم خلال خطبة يوم الجمعة أمس معارضة العلماء تقنين الأحوال الشخصية عبر البرلمان، وأوضح أن العلماء لا يثقون بالجهة التي ستجري استطلاعا للرأي بشأن تقنين الأحوال الشخصية، وأن العريضة العلمائية المناهضة لتقنين الأحوال الشخصية جمعت ما يقارب 65 ألف توقيع، وأكد ضرورة أن يكون الاحتفال بالعيد الوطني احتفالا لاعلان التخلص من الملفات الساخنة.
وقال قاسم: «لا تكون الأحكام شرعية في أية مساحة من المساحات حتى تكون الجهة المشرعة شرعية. والصلاة لو اعتمدنا فيها على قول الإنسان العادي وتعبّدنا بها على هذا الأساس لا تكون مجزية وإن طابقت الصلاة المأخوذة عن اجتهاد وحتى لو طابقت الصلاة الواقع».
وأضاف «الشعب صوّت في شريحة واسعة منه، فلدينا ما يزيد على 65 ألف صوت يرفض التدخل في مساحة الأحوال الشخصية بما ينقل ملف الأحوال من اليد الشرعية إلى يد الغير، ما قيمة استفتاءات تجريها هذه الجهة أو تلك الجهة لشريحة محدودة بعد هذا الاستفتاء الذي في استعداده أن يضاعف العدد لو عمّ التصويت البحرين، نحن مسبقا لا نثق فيما تتبناه تلك الجهة أو تلك الجهة من استفتاءات قد تأخذ شريحة معينة مختارة ولا نأمن من أن تأتي بنتائج لا تطابق الواقع بالكامل».
وتابع «أنا أقول إن الشعب لم يستنفذ لا طاقته ولا أساليبه في رفض المشروع، وأنا حريص جدا على أن تكون البحرين ليس بلد مظاهرات ومسيرات، وإنما بلد يكون فيه الحوار بأساليب أهدأ من تلك، وان ردات الفعل الشعبية لأي تعدٍّ وتدخل في أحكام هذه المساحة الشرعية يتحمل مسئوليتها كاملة أصحاب التدخل أنفسهم، ولا لوم على المدافع عن دينه وعرضه، وندعو دائما الى ضبط النفس كلما أمكن».
ووجه قاسم حديثه الى طلبة العلوم الدينية بالقول «يُطلب لي من حيث كوني واحدا من طلاب العلوم الدينية وللاخوة الأفاضل العلماء والطلاب ممن قد يتعرضون لمقابلات صحافية وتصريحات بشأن المسألة الاحتراس كثيرا من أن تبدر كلمة على اللسان سَبْقا ومن غير قصد تشعر قارئها بأن أحدنا يأذن بمس الشريعة أو فتح باب من أبواب هذا المس، والعلماء المحترمون لا يعطون لأنفسهم هذا الحق قطعا ويتنزهون عن هذا الوهم».
وعن مقدمي اقتراح تقنين الأحوال الشخصية «والذين تقدموا بمشروع المناقشة من الاخوة الاسلاميين الكرام إلى المجلس النيابي لا نتهمهم في دينهم، ولكن نختلف معهم كثيرا فيما حصل لهم من تقدير لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين».
وكان مجلس النواب ناقش مسألة تقنين الأحوال الشخصية، وعرض نواب كتلة المنبر الإسلامي تسعة ضوابط مقترحة للتقنين أهمها: تأكيد استمداد نصوص قانون الأسرة طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها، الدعوة الى تشكيل لجنة عليا من ذوي الاختصاص من علماء الدين من المذهبين لصوغ مشروع قانون أحكام الأسرة، تأكيد وجود ضمانة دستورية لحماية التشريعات الخاصة بقانون الأسرة، الاعتماد في صوغ هذا القانون على المتخصصين في الفقه والقضاء والقانون والاجتماع، تأكيد ترسيخ القواسم المشتركة بين المذهبين الكريمين في المشروع، على أن يتم اقرار مواد القانون طبقا للضوابط المذهبية المنصوص عليها لدى فقهاء الطائفتين مع مراعاة خصوصية كل مذهب على حدة، تأكيد فتح قنوات حوارية وعقد لقاءات تشاورية بين المختصين من علماء الدين من المذهبين من أجل بلورة رؤية مشتركة بشأن القانون، تتجلى الوحدة الوطنية فيها من خلال هذا القانون، ممارسة الحوار العلمي بعيدا عن التشنج.
المنامة - حسين خلف
انتقد السيدعبدالله الغريفي معاودة طرح مسألة قانون الأحوال الشخصية في البرلمان، ولوّح بمعاودة تحريك العريضة الشعبية الرافضة لتقنين الاحوال الشخصية والتي قال انها حصدت العدد الكبير من الموقعين، وقال «ان مصدرية الشريعة وفق الصيغة المدونة في الدستور لا تحمي التشريع المدني من تجاوز أحكام الشريعة الاسلامية».
ابتدأ الغريفي محاضرته بالقول: «عودة الى قضية الأحوال الشخصية... لماذا هذه العودة؟ مازال هناك اصرار لدى عدد من النواب على طرح القضية على المجلس، ومازال هناك اصرار لدى بعض القوى والفعاليات على اثارة الموضوع وتحريكه في الصحافة والمنتديات... الامر الذي يفرض علينا انطلاقا من مسئوليتنا الشرعية ان نؤكد موقفنا في رفض أي تدخل من قبل البرلمان في شئون الاحوال الشخصية»، وأضاف قائلا: «نأمل ان لا نضطر الى تصعيد الموقف في التصدي والمواجهة ويجب على أعضاء البرلمان ان يحسبوا النتائج بدقة، وان يحترموا ارادة أبناء هذا الشعب المسلم الذي لن يسمح لأية مؤسسة وضعية ان تتدخل في أحواله الشخصية المحسومة من الناحية الشرعية.
وان العريضة الشعبية التي وقعها عشرات الآلاف من أبناء هذه البلد لهي تعبير واضح عن إرادة الجماهير المؤمنة في هذا البلد، واذا كانت العريضة قد تحركت لمدة محدودة واستطاعت ان تحتضن هذا العدد الكبير من التوقيعات، فانها اذا اقتضت الضرورة ستتحرك مرة أخرى، وسيعبر الناس عن موقفهم المبدئي في هذه القضية، لقد قلنا ومازلنا نقول: اننا مع قضايا المرأة العادلة بحسب ما قررته شريعة الله تعالى، لا بحسب ما تفرضه اهواء الانسان وقوانين الارض القاصرة، اننا مع حقوق المرأة، ومع حقوق الرجل، ومع حقوق الانسان، وضد كل ألوان الظلم والجور والاعتداء والمصادرة، وضد كل ألوان الفوضى والعبث والفساد والتمييز».
طمأنة الناس لا تفيد
وحذر من التقنين عبر البرلمان بقوله: ان تحويل الاحوال الشخصية من مظلة الشريعة الى مظلة المؤسسة الوضعية جناية كبيرة لها مردوداتها الخطيرة جدا، ولن يشفع لدعاة التحويل مقولات يرددونها ويحاولون من خلالها ان يطمئنوا الناس بأن التقنين لن يتجاوز احكام الشريعة، مادام دين الدولة الرسمي هو الاسلام، ومادام الدستور ينص ان الشريعة مصدر رئيسي للتشريع... هذا الكلام لا يملك صدقية، فلا رسمية الاسلام كدين للدولة، ولا مصدرية الشريعة وفق الصيغة المدونة في الدستور كل ذلك لا يحمي التشريع المدني من تجاوز احكام الشريعة الاسلامية وواقع القوانين في بلدان المسلمين اكبر شاهد على ذلك، وما يؤسف له ان تغيب هذه الرؤية عند بعض الأخوة ممن لا نشك في اخلاصهم للدين وقيم الدين، وللفقه واحكام الشريعة. حينما يتصورون ان استصدار قوانين مدنية من قبل المؤسسة الوضعية تنظم احكام الاحوال الشخصية هو انتصار للشريعة انطلاقا من الهدف الكبير الذي يسعى اليه الاسلاميون وهو «اسلمة القوانين المدنية» قد يبدو هذا الكلام صحيحا وقد يبدو المنطق صائبا، ولكننا لو تأملنا في عمق المسألة سنجد اننا الخاسرون يوم طوّعنا شريعة الله تعالى لمؤسسات مدنية لا تملك صلاحية ان تعطي رأيا في احكام الله، ولا تملك حصانة في ان تتجاوز احكام الشريعة وقد ناقشنا هذه المسألة باسهاب في خطب سابقة».
أسلمة القوانين
وأردف «اننا ندعو بلا شك الى اسلمة كل القوانين وفي كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاعلامية والسياسية انه مشروع الانسان المسلم في اسلمة الواقع بكل مكوناته، ومن الواضح ان حياة الانسان المسلم في هذا العصر، وفي داخل مجتمعات المسلمين يمكن ان نصنفها الى مجموعة مساحات:
أولا: مساحة العبادات: وهذه المساحة لم تتجرأ انظمة الحكم في مجتمعات المسلمين ان تتدخل فيها، وبقي الانسان المسلم يمارس عباداته وفق انتمائه الفهي المذهبي.
ثانيا: مساحة الاحوال الشخصية؛ الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والوصايا والمواريث. وتسمى هذه المساحة احيانا باحكام الاسرة. هذه المساحة بقيت في بعض مجتمعات المسلمين خارج دائرة الهيمنة الرسمية لانظمة الحكم وتركت لتوجيهات الفقه والشريعة... ولكنها في بعض بلدان المسلمين تم اخضاعها للمؤسسة الوضعية وان بقيت محكومة في الغالب لتوجيه الشريعة الا ان ذلك لم يمنع المشرع المدني احيانا من العبث والتغيير والتلاعب بأحكام الشريعة وهناك امثلة كثيرة على ذلك.
ثالثا: بقية المساحات في حياة الانسان المسلم وهذه تمت الهيمنة عليها من قبل المؤسسات الوضعية، واخضعت في الغالب لقوانين مخالفة للشريعة الاسلامية، وفي ضوء هذا التصنيف، فان الدعوة الى اسلمة القوانين تعني محاولة ارجاع المساحات المغصوبة الى مظلة الشريعة الاسلامية، وليس التفريط بالمساحة المتبقية في حماية الشريعة وتسليمها الى هيمنة المؤسسة الوضعية، فليتق الله في دينهم اولئك الذين يصرون على اعطاء المؤسسة الوضعية حق التدخل في شئون الاحوال الشخصية.
ولا حديث لنا مع دعاة العلمنة فمن الطبيعي ان يكون موقفهم هو اقصاء الشريعة الاسلامية، وتجميد دور الدين في صوغ حركة الحياة والانسان.
واختتم بالآية الشريفة: «ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران: 85)
العدد 463 - الجمعة 12 ديسمبر 2003م الموافق 17 شوال 1424هـ