لا شك أن المرأة المسلمة المؤمنة التي تفتحت على كل جوانب الحياة في إطار العقيدة والمعرفة وفي سيرها نحو الكمال لابد لها من قدوة تقتدي بها لتنير دربها، وهل يوجد أحسن من دراسة حياة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين تكون قدوة؟
يرى بعض المستشرقين ممن لهم بحوث في الدين الإسلامي أن الإسلامي يضطهد المرأة ويقيد حريتها في العمل وحضورها في الساحة بلفها بالحجاب الذي يؤدي إلى شل حركتها وتقدمها ثم حصرها في البيت امتثالا لأمر الدين الإسلامي الذي جعل أعمال البيت وتربية الأولاد وطاعة الرجل في كل الأمور والحفاظ على كيان الأسرة من أهم وظائفها وواجباتها فقط لا غير.
والرد على هؤلاء هو أننا نلاحظ أن الإسلام في هيكليته الشرعية طرح أحكاما إلزامية على المرأة كالحجاب الذي يمثل مجموعة من الأحكام تحدد أمورا لا يسع المجال لطرحها، فكل الأديان السماوية لها تشريعاتها وحدودها الخاصة بها لكلا الجنسين، رسمها الشارع المقدس فأوجب الالتزام بها، وكل ذلك لمصلحة العبد وخيره وسعادته، فالحجاب أيضا يضمن سلامة حركة المرأة خارج البيت وممارسة كل نشاطاتها من دون خوف وقلق ويحافظ على شخصيتها وعفافها من الابتذال والهوان إذا الحجاب حصن لأمن المرأة المسلمة.
وأخيرا نسألهم: أليست المرأة أحد أركان بناء الأسرة الصالحة؟ أليس المفروض أن تكون أما قديرة ومربية لأبناء صالحين نافعين للمجتمع؟ ألم يكن هذا الوسام بالنسبة إلى المرأة أمرا طبيعيا ونعمة إلهية من الله بها عليها، إذ وجدها أهلا لتحمل أعباء هذه المسئولية؟ لأنه جل وعلا خالق الإنسان وعالم بقدراته الخلاقة. فهو وهبها هذه النعم: نعمة الصبر، التضحية والفداء، الإيثار والصمود، الحب والحنان، رقة القلب وصفاء الروح ثم حمَّلها الرسالة.
رسالة خطيرة... مسئولية بناء الإنسان... مسئولية أخطر وأكبر وأدق من إدارة المصانع، والمتاجر، والشركات، وإدارة البلاد وكلها لا تعادل هذه المسئولية، لأنه كلما تقدم الإنسان في العلوم والفنون والتقنية، وغزو الفضاء وكشف الكثير من أسراره، والوصول إلى أعماق الذرة، وأسرار لم تُكشف بعد. هذه كلها ناتجة عن الفكر البشري الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للإنسان. وهذا الإنسان الذي كرمه الله وجعله أشرف مخلوقاته ومسجود ملائكته تربى في أحضان المرأة عندما كان طفلا ضعيفا لا حول له ولا قوة محتاجا إلى الحنان والرعاية ومأوى يحميه من الأخطار. كل ذلك وجده في أحضان دافئة فيها السكينة والاطمئنان والأمن - أحضان الأم المعطاء - فهذا الإنسان الصغير الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضراء استمد قوته وسبيل تأمله ومعرفته بالله وأسرار الوجود وما حوله من الغموض والإعجاز من أمه، فهي تغذي جسمه بلبنها، وروحه بالإيمان، فهو يخرج قدراته الكامنة بالقوة إلى حيز الوجود ويوصلها إلى مرحلة الفعل بالأسئلة التي يسألها، وحب استطلاعه، كما قال أفلاطون عن شخصية المرأة: «المرأة كما تهز طفلها في المهد بيد، تهز العالم بيد ثانية».
(نقلا عن كتاب «فاطمة بنت محمد أعظم ثروة فكرية إنسانية وأحسن قدوة للمرأة المسلمة» للكاتبة فاطمة الشريف).
نعيمة مطر محمد
العدد 462 - الخميس 11 ديسمبر 2003م الموافق 16 شوال 1424هـ