اختتمت في العاصمة التونسية، تونس، القمة الأولى لرؤساء دول وحكومات بلدان الحوض الغربي للبحر المتوسط التي تضم دول اتحاد المغرب العربي الخمس (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا) والدول الأورو متوسطية الخمس (إيطاليا، فرنسا، البرتغال، إسبانيا ومالطا) وسط خلافات بين أعضائها على قضايا تتعلق بالعلاقات الثنائية على رغم محاولات رئاسة البلد المضيف (تونس) ورئاسة البلد الذي قاد الحوار بين الدول العشر (فرنسا) طوال العامين الماضيين، إنجاح القمة بالخروج بقرارات تؤكد تفعيل الشراكة بين ضفتي البحر المتوسط، وردم فجوة التنسيق بين الدول العشر.
فقمة تونس لحوار مجموعة خمسة زائد خمسة انتهت من دون الاتفاق على تاريخ ومكان القمة الثانية، على رغم أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي ترأس جلسات قمة تونس أكد أن البلدان المشاركة اتفقت على دورية القمم. وقال في خطابه الختامي يوم السبت إن وزراء خارجية الدول العشر سيبحثون لاحقا تحديد موعد ومكان القمة الثانية.
وعلى رغم الأهمية التي يعلقها الجانب المغاربي على القرارات التي خرجت بها القمة لجهة تدعيم الاندماج الاقتصادي وتوسيع نطاق الشراكة الاقتصادية من حيث الاستثمار والتجارة، فإن المؤشرات الأبرز تقول إن دول المتوسط الأوروبية التي تعاني من شبه ركود اقتصادي على غرار ما تعانيه الولايات المتحدة كانت تركز في قمة تونس على أن تخرج بموقف تنسيقي في قضيتين أساسيتين تؤرقان تلك الدول وهما ضبط الهجرة غير المشروعة من دول المغرب العربي والأمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب، لكن الرؤى إزاء هاتين القضيتين ظلت متباعدة بين جانبي الحوار، إذ أعلن المغاربيون رفضهم أن يكونوا شرطة تحرس الحدود الجنوبية لأوروبا، فيما طلب الأوروبيون مزيدا من الجهد في مكافحة الظاهرة. لكن هذا لم يمنع من الاتفاق على إنشاء مؤسسة مشتركة للحوار بين ثقافات حوض البحر المتوسط الغربي، و«إرساء شراكة شاملة ومتضامنة ومتوازنة تستند إلى مبادئ حسن الجوار والاحترام والثقة المتبادلة». ودخلت دول المغرب العربي الخمس حواراتها مع دول أوروبا المتوسطية الخمسة وهي تحمل مخاوفها من الانعكاسات السلبية لضم الاتحاد الأوروبي إلى عضويته مع حلول شهر مايو/ أيار من العام المقبل، عشر دول جديدة من أوروبا الشرقية تسعى إلى الحصول على دعم اقتصادي واستثمارات تخشى الدول المغاربية أن تكون على حساب الاستثمارات الأوروبية في الأسواق المغاربية. ولم يجد الرئيس الفرنسي جاك شيراك سوى حث دول المغرب العربي على تحقيق تكاملها الاقتصادي وحل مشاكلها، إذ وجه «نداء ملحا إلى شركائنا المغاربيين لتعميق حوارهم وخصوصا في إطار اتحاد المغرب العربي لتجاوز العراقيل أمام تقاربهم والعمل على حل المشكلات العالقة، وبهذا سيكون لهذه الدول مجتمعة وزن جيد على المستوى الدولي».
وعلى رغم أن الأوساط الرسمية في تونس عبرت عن ارتياحها لنتائج القمة فإن المتابعين توقفوا عند الطابع العام لمضامين البيان الختامي الذي صدر باسم «إعلان تونس» إذ افتقر لإجراءات عملية وملموسة ما جعله أقرب إلى ما يكون إلى إعلان مبادئ، كما لم يتم تحقيق تقدم على صعيد تحسين العلاقات بين بعض دول المغرب العربي، وخصوصا بين المغرب والجزائر بشأن ملف الصحراء الغربية، وبين ليبيا وفرنسا حول تعويضات ضحايا الطائرة الفرنسية التي انفجرت في سماء النيجر.
وأظهرت مناقشات القمة وبيانها الختامي أن موضوع التكامل الاقتصادي «الإقليمي» الذي تسعى إلى تحقيقه الدول المغاربية قد احتل درجة أقل أهمية على جدول أعمال الدول الأوروبية الخمس التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي الذي كان أوجد قبل عقد من السنوات مبادرة من أجل شراكة ثنائية لمساعدة الدول المغاربية النامية في جنوب البحر المتوسط (الدول المغاربية الخمس إضافة إلى قبرص ومصر ولبنان وسورية وتركيا والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني) التي تعاني في الوقت الراهن من الفقر والتهميش في المسرح الدولي.
ورأى مراقبون في ذلك المشروع تجسيدا لرغبة أوروبا التي تسعى إلى احتلال موقع رئيسي في التأثير على العلاقات الإقليمية في المنطقة، بإعادة تأكيد نفسها كمنافس قوي وقابل للحياة للولايات المتحدة التي وسعت نفوذها في المنطقة وشرقي آسيا في مجال التجارة وقطاع الأعمال.
فالموقع الاستراتيجي والأسواق الواسعة لدول اتحاد المغرب العربي جعلت الاتحاد الأوروبي يرغب في تطوير جهود التعاون مع هذه البلدان إلى روابط مشاركة، ترى دول المغرب العربي أن من مصلحتها العمل مع جيرانها على الضفة الشمالية للبحر المتوسط من خلال اتفاقات مشاركة تقر مبادئ مؤتمر برشلونة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 الذي أوجد أسسا للتعاون والمشاركة وفق ثلاثة أسس رئيسية هي : السياسات والأمن بإقامة منطقة مشتركة للسلم والاستقرار، الاقتصاد والمال بإقامة منطقة مشتركة مزدهرة اقتصاديا، ومصالح اجتماعية وثقافية وإنسانية.
ووقع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مشاركة مع مختلف دول جنوبي البحر المتوسط كجزء من المشروع الأوروبي مع دول البحر المتوسط، فالاتفاق الأول وقع مع تونس في يوليو/ تموز 1995 وبدأ تنفيذه في مارس/ آذار 1998، ومع المغرب في فبراير/ شباط 1996 وبدا تنفيذه في العام 2000، ومع الجزائر في شهر إبريل/ نيسان 2002.
وأثار توقيع هذه الاتفاقات أسئلة كثيرة مهمة مثل كيف يمكن إقامة منطقة تجارة حرة بين دول الاتحاد الأوروبي المتقدمة تكنولوجيا وصناعيا وبين دول المغرب العربي التي تكافح لتجاوز النقص في الإنتاج وتباطؤ النمو؟ وإذا ما كانت هذه الشراكة مقتصرة على المبادلات التجارية بينما الاقتصادات الجديدة تعتمد على المعرفة والإبداع في إطار الاقتصاد العالمي.
وتعاني الاقتصادات المركزة لدول المغرب العربي من نقص في تنوع الإنتاج، وضعف المؤشرات الاقتصادية، ولذلك فإنها لجأت إلى صندوق النقد الدولي في محاولة لتخفيف أعباء ديونها الخارجية وتطوير برامجها الاقتصادية الوطنية وإبرام اتفاقات تقوم بموجبها بتطبيق سياسات إعادة هيكلية الاقتصاد مقابل إعادة برمجة الديون. وفعلت المغرب ذلك في العام 1983 وفعلت الجزائر ذك في عام 1994/ 1995.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن التطور في دول المغرب سيتحقق من خلال تحرير التجارة، على رغم أن ذلك في حد ذاته، لن يكون كافيا. فقد أظهرت الأرقام أنه بعد سنوات من توقيع اتفاقات المشاركة لم يكن هناك تغييرات رئيسية في الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي وكل من تونس والمغرب. وإن دول المغرب بحاجة إلى إقامة مشرعات وطنية بسرعة على مستويات اقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وتكنولوجية لدعم مواقفها التفاوضية مع الاتحاد الأوروبي.
كما يتعين على هذه الدول أيضا أن تعيد دراسة الرؤية الأوروبية للمشاركة لأنه من دون إدخال تعديلات على الاتفاقات فسيكون هناك عجز دائم في الميزان التجاري والدفعات بين الجانبين. وسيؤدي ذلك إلى بطالة متزايدة وفقر، ما يعطي مجالا لعدم الاستقرار، وتشجيع الهجرة إلى الدول الأوروبية. ويذكر أن هذه الظاهرة نفسها هي التي ساهمت في قرار الاتحاد الأوروبي في إيجاد مبادرة المشاركة في المشروعات في المقام الأول.
وأسفرت الشراكة المغاربية الأوروبية في البداية عن نتائج ملموسة في الاقتصادات المختلطة مثل خفض العجز في الميزانيات والتضخم وتحسن في بعض المؤشرات الاقتصادية في الفترة من 1996 - 2000 التي شهدت ارتفاعا في الناتج المحلي العام بنحو 4,2 في المغرب، وخمسة في المئة في الجزائر، و5,5 في المئة في تونس بينما انخفضت نسبة البطالة تدريجيا إلى نحو 33 في المئة في الجزائر و19 في المئة في المغرب، و15 في المئة في تونس.
وتظهر أرقام الصادرات في فترة التسعينات من القرن الماضي بأن 70 - 80 في المئة من الصادرات المغاربية ذهبت إلى أسواق الاتحاد الأوروبي الذي يقوم بتزويد دول المغرب العربي بنحو 65 - 80 في المئة من وارداته في ذات الفترة.
وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيسي لدول المغرب العربي فإن من الواضح وجود عدم توازن في العلاقات في الفترة ذاتها، وان البضائع ذات المنشأ الأوروبي المصدرة إلى دول المغرب العربي كانت أقل من 9 في المئة من إجمالي الصادرات الأوروبية بينما البضائع ذات المنشأ المغاربي المصدرة إلى أوروبا أقل من أربعة في المئة من إجمالي الواردات الأوروبية.
ويرى مراقبون ومحللون اقتصاديون أنه لن يكون هناك تغيير رئيسي في هيكلية الصادرات المغاربية إلى دول الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب على رغم اتفاقات الشراكة وإقامة منطقة التجارة الحرة مع حلول العام 2010، ويعزو هؤلاء ذلك غلى دخول دول أوروبا الشرقية إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في مايو المقبل وبدء تنفيذ الاتفاقات التجارية مع الصين في ديسمبر/ كانون الأول من العام المقبل.
وفي الوقت نفسه فإن هناك توقعات بزيادة الصادرات الأوروبية إلى بلدان المغرب العربي نتيجة رفع الحواجز الجمركية ورغبة الاتحاد الأوروبي للإبقاء على موقفه التنافسي إزاء الولايات المتحدة، وسيؤثر إقامة منطقة التجارة الحرة والتطور التدريجي في التبادل التجاري طبقا لاتفاقات الشراكة على اقتصادات دول المغرب العربي على المستويات كافة، فاقتصادات دول المغرب العربي تعتمد على ما تحصل عليه هذه الدول من عوائد الجمارك على التجارة الخارجية وان تخفيض التعرفة الجمركية سيؤدي إلى تقليل العوائد المتاحة للحكومات المغاربية. ففي تونس على سبيل المثال تبلغ عوائد الجمارك نحو 22 في المئة من العوائد الحكومية بينما الواردات من دول الاتحاد الأوروبي تمثل نحو 72 في المئة من إجمالي الواردات، ولذلك فإن خفض التعرفة الجمركية سيؤدي إلى خفض نحو 16 في المئة من إجمالي الضرائب على التجارة الخارجية وهو ما يعادل 3,2 في المئة من الناتج المحلي العام. فيما ستخفض عوائد الحكومة المغربية من الجمارك بأكثر من عشرة في المئة وهو ما يعادل 2,5 في المئة من الناتج المحلي العام فيما تصل التخفيضات في الجمارك في الجزائر أكثر من 19 في المئة أي ما يعادل 2,2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العام. كما سيؤدي الخفض في عوائد الجمارك إلى تقليل في مستويات الإنفاق العام.
ويطرح بعض الاقتصاديين حلا لتعويض هذا النقص في عوائد الجمارك بسبب رفع الحواجز الجمركية، بأن تعمد الحكومات المغاربية إلى تأكيد العمل بضريبة القيمة المضافة.
إن التوجه الأوروبي نحو دول المغرب العربي يمثل فقط جزءا صغيرا من إجمالي الاستثمارات الأوروبية في العالم حتى لو كانت الاستثمارات في الدول المغاربية هي أوروبية المنشأ. وعلى سبيل المثال فإنها تبلغ في تونس نحو 70 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية. ويعزو خبراء في شئون العلاقات الأوروبية - المغاربية تردد الأوروبيين في زيادة حجم اسثماراتهم في الأسواق المغاربية إلى عدة عوامل من بينها هشاشة الأسواق المغاربية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وضعف المواصلات والاتصالات وفقدان العمالة المؤهلة وغياب المؤسسات الدستورية والقانونية والرشوة والفساد الإداري.
وتتطلب اتفاقات الشراكة من الاتحاد الأوروبي توسيع قاعدة استثماراته في بلدان المغرب العربي ومساعدة هذه الدول في توفير بيئة مناسبة للاستثمار كما تتطلب من بلدان المغرب العربي العمل لجذب الاستثمارات الأوروبية بإعادة صوغ مشروعات تطوير في البيئة التحتية والتعليم والتدريب وإعادة تأهيل والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والصناعي. وهذا من شأنه أن يتم إضافة إلى التنمية الصناعية إنجازه من خلال الاستثمار المباشر والمساعدات المالية الأخرى، وسينعكس مباشرة في مستويات النمو.
وعلى رغم اتفاقات الشراكة فإن المساعدات التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي لا تعدو أكثر من 4,5 يورو بالنسبة إلى الدخل الفردي، فيما يصل ما يقدم إلى دول أوروبا الشرقية من مساعدات 23 يورو بالنسبة إلى الدخل الفردي في تلك البلدان.
وقد يكون البند الخاص في «إعلان تونس» بتأسيس مجلس مغاربي - أوروبي لرجال الأعمال يعمل على تكثيف الاستثمارات المشتركة والتعاون الاقتصادي والتجاري جزء من الحل لمعضلة الاستثمار الأوروبي في الأسواق المغاربية، ولكن الحل الشامل بالتأكيد هو من مسئولية الحكومات الأوروبية التي يجب عليها مساعدة شركائها المغاربيين برفع مستوى الاستثمار وزيادة الواردات من بلدان المغرب العربي التي تتعرض حاليا لعملية جذب باتجاه الولايات المتحدة
العدد 462 - الخميس 11 ديسمبر 2003م الموافق 16 شوال 1424هـ