النبأ الذي قرأناه أخيرا عن أجهزة الأمن المصرية التي اكتشفت بعد أن قضت إحدى الفنانات المتهمة بقتل زوجها القطري نصف فترة الحكم عليها أن القاتل غيرها ما أثار ذلك غضب الكثيرين واستنكارهم وعندما سئلت عن سبب اعترافها بأنها هي مرتكبة الجريمة قالت: التعذيب الذي لم أتحمله.
وعلى رغم تعاطف الناس مع الضحية البريئة إلا أن مثل هذه الحال ليست بدعة وقعت في هذا البلد، بل هناك قضايا أمرّ وأكثر مأساة منها. فقد تم اكتشاف براءة أصحابها بعد أن قضوا ما يزيد على 25 عاما في السجن بل إن بعضهم أعدم فعلا وتم اكتشاف حقيقة أن المجرم غيرهم فيما بعد.
ان مئات الأبرياء في كثير من البلدان وخصوصا في البلاد العربية يقضون حياتهم خلف القضبان في السجون لاعترافهم بسبب التعذيب وما أصدق المثل المصري «ياما في السجن مظاليم». وإذا كانت المصادفة وحسن الحظ أديا إلى اكتشاف المتهم الحقيقي بعد انقضاء نصف الفترة فإن هناك المئات من سيئي الحظ ممن يقضون حياتهم في السجون وهم أبرياء.
إن المأساة لا تكمن في أن الشخص يكون ضحية أجهزة الأمن الظالمة التي كل همها إثبات جدارتها، وإثبات أنها تصل إلى الحقيقة في سرعة قياسية لتكشف لمسئوليها أنهم يبيضون الوجه بينما وجوههم أكثر سوادا من (الإسفلت) نفسه ولا مكان لهم إلا الدرك الأسفل من النار، إنهم بهذه الجريمة التي ارتكبوها ليتها تؤثر فقط على المسجون البريء نفسه بل ستضيع أسرة بكاملها قد تكون فقيرة لا أحد يعيلها غيره. والمأساة الأكبر أنه عندما يتم اكتشاف أن المذنب ليس المسجون تغطي أجهزة الأمن غلطاتها التاريخية وتأخذها العزة بالإثم إذ تقوم بإخفاء هذا السر وتواصل بقاءه ليكمل فترة عقوبته حتى لا تنفضح... أية جريمة هذه التي ترتكبها أجهزة الأمن في الوطن العربي بما تقوم به من تعذيب الأبرياء، ومن بينها أجهزة أمن (...) التي يعتبرها البعض الأشطر والأعظم في ابتكار وسائل التعذيب، أذكر أن أحد المحامين من المعتقلين السياسيين كالعادة تم تعذيبه أثناء استجوابه وعند المحاكمة كشف محاميه عن ظهره ليري القاضي آثار التعذيب وكان القاضي المذكور من خارج البلاد فكان رده أسوأ من فعل جهاز الأمن الظالم (أمال ياكلوه بمبوني؟) وعندما يكون القضاء بعقلية هذا القاضي فإن كل الجرائم يمكن لجهاز الأمن ارتكابها باسم القانون. سؤال آخر أطرحه على أعضاء مجلس النواب: أما آن الأوان للمطالبة بتشكيل لجنة للإشراف على المسجونين والمتهمين لحمايتهم من التعذيب؟
العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ