العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ

اعتذار بوش

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في خطابه عن «الديمقراطية» و«التنمية» في المنطقة العربية تحدث الرئيس الأميركي جورج بوش عن سياسة بلاده، واعتذر من الشعوب العربية بسبب تأييد واشنطن للأنظمة المستبدة والمخالفة لحقوق الإنسان. كلام بوش لم يلق التجاوب المطلوب لأسباب مختلفة منها انه اعتذار متأخر، وجاء في سياق هجوم استراتيجي ينذر بالدمار والخراب.

إلى ذلك كلام بوش ليس جديدا على الحركات والهيئات السياسية في المنطقة، وخصوصا انه طرح الكلام في إطار تحالفه الثابت مع «إسرائيل» ومشروع ارييل شارون الإرهابي ضد الفلسطينيين ودول الجوار. فالكلام ليس جديدا على المنطقة وكذلك السياسة الأميركية لم تتغير عن تلك السياسات التي انتقدها بوش واعتذر عنها... وهذا ما جعل أفكاره مجرد تلاوين لا قيمة ميدانية لها لأن المطلوب لتحقيقها الإطاحة بهوية المنطقة لتبرير مشروع كبير... شارون هو الطرف الوحيد المستفيد منه.

الرئيس بوش طرح مجموعة كلمات لتبرير غزوه للعراق والمنطقة ظنا منه أن هذه المفاهيم جديدة على آذان العربي من محيطه الى خليجه. كذلك تحدث بهوس عن التخلف العربي وفشل التنمية، وأعطى اسبانيا مثالا للمقارنة بين اقتصاد تلك الدولة الأوروبية ومجموع اقتصادات الدول العربية. فالمعروف ان اقتصاد اسبانيا وحدها يساوي أو يتفوق على كل مجاميع الاقتصاد العربي. المثال الاسباني ليس جديدا أيضا على المنتديات العربية. فقبل أكثر من 20 سنة طرح هذا المثال كنموذج للتدليل على فشل التنمية العربية ونجاحه في مكان آخر. كذلك المثال الايطالي، والياباني و«النمور الآسيوية» وغيرها من نماذج كانت تطرح للمقارنة في دراسات «الفكر العربي» المعاصر. مع ذلك لا من سامع ولا من مجيب.

المصطلحات معروفة والأمثلة مطروحة ولكن سؤال «كيف الخروج من الأزمة؟» هو الذي لايزال الخلاف عليه. فالاجابات عنه مختلفة ومتنوعة على عدد مجموع الدول العربية. فكل دولة لها «حداثتها» وكل كيان له «تجربته». فهناك «حداثات» عربية و«تنميات» عربية إضافة إلى «سياسات» عربية وغيرها من مفاهيم ومصطلحات.

الأمثلة الاسبانية أو الايطالية أو اليابانية ليست جديدة كنماذج على «الفكر العربي» المعاصر. الجديد هو ان اسبانيا وحدها - وهذا لم يقله بوش - توازي في اقتصادها أو موقعها التجاري الصين الشعبية (مليار و250 مليون نسمة) وايطاليا متفوقة على الصين بدرجة واليابان متفوقة عليها بدرجات... ومع ذلك تعتبر الصين من الدول المتقدمة والنامية ويرجح أنها ستسبق كل الدول المذكورة وربما عادل اقتصادها في العام 2024 الاقتصاد الأميركي.

والسؤال لماذا نجحت اسبانيا وايطاليا واليابان والصين وفشلت الدول العربية في تحقيق الحد المعقول من النمو والتقدم كما تشتهيه الشعوب والأمم؟

المسألة إذا ليست في التنظير وانما في اكتشاف قوانين الصراع الدولي ودور الولايات المتحدة (مباشرة أو مداورة) في تحطيم الإرادة العربية، وكسر طموحات الشعوب العربية في التنمية والديمقراطية، وتوريطها في حروب صغيرة وكبيرة ودعم الدكتاتورية والاستبداد وغيرها من أمور اعتذر عنها بوش في خطابه عن الديمقراطية في «الشرق الأوسط».

اعتذار بوش جاء بعد «خراب البصرة» وفي الوقت الضائع والمسألة تجاوزت حدود التنمية وبات الوضع العربي الآن يعاني من مشكلات جديدة وهي الاحتلال وضرورة استرداد السيادة واستعادة الاستقلال.

مشكلة بوش تشبه مشكلات «النخب» العربية فالأخيرة تميل إلى التنظير وتوصيف الواقع ولا تذكر الأسباب التي أدت إلى هذا النوع من الأزمات ومن هي القوى (صاحبة المصلحة) في إبقاء الوضع على ما هو عليه. فالتنمية مثلها مثل أي عمل تحتاج إلى استقرار وأدوات، وثروات، وقوى دولية لها مصلحة في نمو الدول العربية وتطورها. وحين لا تتوافر مثل هذه الشروط الموضوعية فالإرادة الذاتية والتنظير والاستشراف وغيرها من تفكير له صلة بالنوايا الحسنة ولا يمت بصلة للواقع وشبكة علاقاته وبيئته الاقليمية والدولية لا تكفي لصوغ سياسة تحديثية.

المنطقة العربية منذ بدايات استقلالها السياسي في الاربعينات والخمسينات وصولا إلى الستينات والسبعينات عاشت دائما حالات قلق وتوتر وانقلابات وحروب صغيرة وكبيرة افتعلتها واشنطن وغيرها في كثير من الحالات. وبسبب انعدام الاستقرار الذي تتحمل مسئولية تثويره «إسرائيل» التي احتلت أرض الفلسطينيين وطردتهم من ديارهم إلى دول الجوار طرحت الفوضى سلم أولويات وضعت التحرير والاستقلال والسيادة على رأس جدول الاعمال، الأمر الذي استنزف ثروات كثيرة وبدد طاقات بشرية للحفاظ على أمن المنطقة ومنع اجتياحها وانهاكها مجددا بمشروعات تقسيمية واستيطانية. وانعدام الأمن عطل أدوات التقدم وشجع على تهريب الاموال والادمغة، واعطى ذريعة للقوى الدولية (الولايات المتحدة على رأسها) للتدخل وإدارة الصراع مجددا نحو الوجهة التي تريدها وتخدم مصالحها.

هذه المسائل ليست جديدة ايضا على «الفكر العربي» المعاصر، وكذلك بوش يعرفها جيدا. ولكنه حين اعتذر اقتصر كلامه على التوصيف فتحدث عن النتائج (وهي صحيحة) وأهمل الاسباب التي منعت التنمية والديمقراطية من النمو في المنطقة العربية في وقت لاقت النجاح في بلدان جنوب أوروبا وجنوب شرق آسيا.

اعتذار بوش ليس كافيا فهو من جهة يريد ان يخدع شعوب المنطقة بكلام عابر، ومن جهة أخرى يريد كسب الوقت ليكسب قضية تصب في النهاية في مصلحة «إسرائيل» وشارون حتى يسهل أمر تمريره ثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

اعتذار بوش مجرد كلام للعبور من العراق إلى المنطقة... وبعد «خراب البصرة» يأتي الطوفان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً