العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ

البرتغاليون لم يحتلوا البحرين... وأهلها لم يسكتوا على الضيم

في محاضرته عن الغزو البرتغالي للبحرين... تمام همام:

قال أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة البحرين تمام همام في ندوة «الغزو البرتغالي للبحرين» التي أقامتها جمعية تاريخ وآثار البحرين إن البرتغاليين لم يحتلوا البحرين وإن حركتهم العسكرية لا تعدو كونها غزو بعض السواحل البحرينية من أجل إنشاء محطة تجارية والسيطرة على الممرات البحرية وفرض الضرائب... وذكر أن الموقف الإسلامي المتمثل في القوتين الصفوية في فارس والعثمانية في تركيا لو كان في أحسن أحواله لما استطاع البرتغاليون أن يطأوا المشرق ولا الهند.

وانطلاقا من وقائع وحوادث التاريخ وتفاصيله استهل الحديث عن طبيعة الغزو البرتغالي لمنطقة الخليج والهند وأسبابه وأهدافه قائلا:

تتمثل أسباب الغزو البرتغالي للبحرين في عنصرين: الدافع الديني والدافع التجاري مستغلين المتقدم العلمي الذي جاءت به النهضة الغربية الحديثة، فحينما استقلت البرتغال كان يحكمها ملك متعصب دينيا فأراد أن ينفس عن نفسه ربما للتخلص من بقايا العرب والمسلمين ويمكن اعتبار الغزو البرتغالي للمنطقة امتدادا للحروب الصليبية من الناحية الدينية لأن هدف البرتغاليين طمس الثقافة الإسلامية ونشر الثقافة المسيحية وفي تلك الأثناء وحينما اشتد الضغط العثماني على اسبانيا والامبراطورية النمسوية فكر الغربيون في فتح جبهة عسكرية لتخفيف الضغط العثماني على إسبانيا، وفي ذلك الوقت كانت مناطق وطرق التجارة يتحكم فيها المسلمون وكانوا يأخذون الضرائب ولم يجرؤ الغرب في الحصول على عقود تجارية في المنطقة وخصوصا منطقة الخليج، ففكروا في غزو المنطقة من البحر الأحمر والخليج وكذلك الطرق البرية ليحرموا المسلمين من جني أرباح الحركة التجارية، وكان البرتغاليون في حاجة ماسة إلى احتكار هذه التجارة وفعلا استطاعوا تنفيذ ذلك حينما تقدم البرتغاليون إلى رأس الرجاء الصالح وعلى رغم صغر مساحة البرتغال وقلة عدد سكانها أرادوا إقامة امبراطورية برتغالية مستفيدين من التقدم العلمي والثقافي والتراث الإسلامي العربي الذي تركه العرب والمسلمون في الأندلس والبرتغال.

لكن كيف وصل البرتغاليون إلى الخليج؟

بعض الكتب تشير إلى أن الذي أوصل البرتغاليين إلى الهند هو الملاح العربي أحمد بن ماجد وهذا خطأ لأن الملاح أحمد بن ماجد لم يكن سكيرا ولا عربيدا بل كان رجلا زاهدا وورعا، انما الذي أوصل البرتغاليين إلى الهند شخص عربي آخر من ملقة وهو الفونسو بيه البوكير، واليوكير هنا وكما استنتج بعض المؤرخين ربما تكون كلمة لشخص عربي اسمه «أبوبكر» لأن البرتغاليين كانوا يجبرون المسلمين والعرب على تغيير اسمائهم واعتناق المسيحية وربما يكون أبوبكر هذا ارتد عن إسلامه واعتنق المسيحية وسمى نفسه بهذا الاسم، إذ على يده وصل البرتغاليون إلى جنوب الخليج في العام 1506 وقد استخدم البوكير كقائد عسكري برتغالي قسوة في منتهى الفظاظة وهو في طريقه إلى هرمز التي كانت تحكم المنطقة الشرقية أو كل البلاد العربية التي تقع على الشاطئ الغربي للخليج لأنها كانت كلها تابعة إلى مملكة ملك هرمز باعتبارها أكبر وأقوى كيان سياسي في ذلك الوقت، وكان البوكير يريد السيطرة على هرمز لكي يسيطر على مداخل الخليج من الجنوب وقد أرادوا الاستيلاء على بعض مدن هرمز لكنهم لم يستطيعوا بل احتفظوا بالسواحل وفي العام 1507 اضطر حاكم هرمز الشيخ سيف الدين ووزيره خوجه العطار إلى مقاومة قوات بوكير ولكنهم فشلوا نظرا إلى قوة الاسطول البرتغالي وبعد ذلك عقد حاكم هرمز اتفاقا العام 1907 مع بوكير وبموجب هذا الاتفاق استطاع البرتغاليون ضم هرمز وصار العلم البرتغالي يرفرف فوق حاكم هرمز مقر الشيخ سيف الدين .

وقد طلب وزير سيف الدين «خوجه العطار» المساعدة من الشاه اسماعيل الصفوي حاكم فارس لكنه لم يقدم المساعدة بسبب انشغاله مع مشكلاته في الجنوب الغربي من بلاده المحاذية للعراق ولذلك لم يهتم بالحرب البرتغالية ومساعدة حاكم هرمز على رغم كون هرمز تابعة لها ولو قدم شاه فارس المساعدة لحاكم هرمز سيف الدين لتغير ربما مسار الحرب، وبعد أن استتب الأمر في العام 1507 فتح «البوكير» عينه على البحرين لأن البحرين تتمتع بموقع استراتيجي ومزايا اقتصادية مهمة لكنه لم يتمكن نظرا إلى سفره إلى الهند وعاود الكرة لغزو البحرين في العام 1509 وكان يحكمها في ذلك الوقت أهل الجبور والاحسائيين ولتفادي غزو البحرين عقد أهد الجبور اتفاقا مع الحاكم العسكري لهرمز يعترف فيه بسلطة أهل البحرين على أرضهم مقابل دفع جزية عن الأموال إلى مملكة هرمز التي كان يحتلها البرتغاليون لكن بعد توقيع الاتفاق قاموا بمحاولة لغزو البحرين إلا أن أهل الجبور تمكنوا من طره وعلى اثر ذلك قام البرتغاليون بالقرصنة ضد سفينة بحرينية محملة باللؤلؤ ونهبوها بعدما نصبوا لها كمينا في جزيرة قشم... وفي العام 1511 قام ملك هرمز بحملة على البحرين متناسيا ما قدمه الجبور لهم من مساعدات أثناء أزمتهم مع البرتغاليين وعلى رغم كل ذلك لم تغمض عين ملك هرمز عن البحرين وفي العام 1513 طلب الملك البرتغالي من قائده العسكري «الفونسو البوكير» باحتلال البحرين إلا أنه لم يتمكن من ذلك بعد أن قامت ثورة في هرمزضد البرتغاليين فقام بتكليف ابن أخيه «بيرون» قيادة الحملة العسكرية على البحرين وفعلا قام بهذه الحملة العام 1514 وحاول الاقتراب من سواحل البحرين لكنه لم يتمكن من الاقتراب من البحرين وفي العام 1515 اشتعلت الثورة مجددا في هرمز ضد البرتغاليين فقام البوكير بعد عودته من الصين وقضى على ثورة الهرمزيين وفرض بالقوة اتفاقا جديدا على ملك هرمز أقسى من الاتفاق الأول ثم تقوم ثورة ضد البرتغاليين في الهند وفي طريقه إلى الهند لاخماد الثورة يتوفى البوكير أو «أبوبكر» ويعين محله «لوبو شواريش» وما أن تسلم مهمات سلطته كتب إلى الملك البرتغالي كتابا ادعى فيه أن أهل البحرين يرفضون دفع الجزية فطلب منه الملك الاستيلاء على البحرين فتم الاتفاق بين ملك هرمز والبرتغاليون بموجب مصالح مشتركة على غزو البحرين لكن الحملة فشلت لأن الشيخ مقرن الذي كان يحكم البحرين وأهل البحرين استطاعوا صد تلك الحملة بمساعدة الشيخ عبدالحميد والاحسائيين ومع حلول العام 1520 صمم البرتغاليون على غزو البحرين مهما كلف الأمر وتم تكليف قائد عسكري متعصب دينيا يدعى «أنطونيو كوريال» وكان يرى أن الواجب الديني «المسيحي» يفرض عليه التخلص من المسلمين فتقدم أنطونيو إلى البحرين واشتبك الطرفان في معركة رهيبة ونظرا إلى شدتها لم تتوقف حتى في أدق الأوقات وفي أثناء المعارك أصيب الشيخ مقرن بمقذوف ناري برتغالي وتوفي ثم قام الشيخ عبدالحميد بدفنه في الاحساء وترتب على ذلك إصابة المدافعين عن البحرين بانهيار لكن البرتغاليين لم يتمكنوا من دخول المدن والقرى البحرينية بل لم يتمكنوا من الحصول إلا على إقامة قاعدة بحرية في القلعة لكي تصبح البحرين في ذلك الوقت محطة تجارية لأن كل همهم جمع الضرائب ولم يتمكن البرتغاليون من نشر الديانة المسيحية في الخليج. وقد قام شعب البحرين باطلاق المظاهرات وقاوموا البرتغاليين ولم تكن لديهم الإمكانات. وحينما رأى توران شاه ملك هرمز الجديد ثورة البحرين أوعز إلى عماله في البحرين ودول الخليج بمساعدة البحرينيين والنهوض ضد البرتغاليين وكان ذلك في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1521 وقد نكل أهل البحرين بالبرتغاليين وقاموا بشنق قائدهم العسكري أو التجاري على احدى النخيل القريبة من القلعة لكن أهل البحرين لم ينسوا أن الهرمزيين ساعدوا البرتغاليين على غزو البحرين ومقتل قائدهم مقرن.

وبعد ذلك خرج حسين بن سعيد الجبوري عم الشيخ مقرن من عُمان وكان على خلاف شديد مع توران شاه ملك هرمز فحاول الاستيلاء على بعض مدن هرمز ولكن تدخل البرتغاليين كان سريعا وحاسما، وهنا تم الاتفاق بين البرتغاليين والشيخ حسين سعيد الجبوري على حكم هرمز والبحرين على أن يقبل بوجود مستشار برتغالي فقام المستشار البرتغالي ومعه حسين بن سعيد الجبوري بوضع ضرائب كبيرة ولم يتحمل شعب البحرين ذلك فقام بالثورات والمظاهرات للتخلص من نفوذ المستشار البرتغالي وسلطة حسين بن سعيد الجبوري... واستغلالا لهذه الحوادث قام توران شاه حاكم هرمز السابق بتحريك المدن الهرمزية ضد الوجود البرتغالي وأعد جيشا وهاجم البرتغاليين لكنه لم يستطع طردهم من هرمز فهرب إلى جزيرة قشم وهناك تم اغتياله بعد أن دسوا السم له، ويقال إن الذين اغتالوا توران شاه هم أهل الجبور لأنهم لم ينسوا أن قريبه سيف الدين حاكم هرمز السابق قد ساعد البرتغاليين على قتل ابن عمهم الشيخ مقرن، وبعد وفاة توران شاه ظل الخليج يموج ضد الوجود البرتغاليين وفي العام 1529 قامت ثورة في الخليج وكانت على أشدها في البحرين. وكان المحرك لهذه الثورة بدر الدين بعد اعتقال قريب له يدعى شرف الدين وقد أبدى بطولات ولكن الثورة لم تنجح لأن الأسطول البرتغالي كان أقوى





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً