العدد 461 - الأربعاء 10 ديسمبر 2003م الموافق 15 شوال 1424هـ

إعادة الاعتبار لغالب هلسا بطباعة أعماله الروائية بعد طول منع

صدرت له هذا العام ثلاثة كتب

لم يكرم أديب أردني هذا العام مثل التكريم الذي حصل للروائي غالب هلسا، فقد طبعت أعماله الروائية الكاملة في ثلاثة مجلدات ضمن خطة البنك الأهلي وأمانة عمان، وصدرت بعد طول منع عن دار أزمنة، كما وقد صدر عنه ثلاثة كتب مهمة هذا العام: غالب هلسا وببلوغرافيا مصادره الكتابية للناقد نزيه أبو نضال، وكتاب مرايا الحرية والابداع في اعمال غالب الروائية لحسن عليان، وحكاية الصبي والصندوق «الجنس عند غالب هلسا» للعراقي ضياء خضير والكتاب مازال يثير حفيظة المثقفين في الأردن بسبب اتهامه غالب هلسا بالشذوذ الجنسي، وعلى رغم ان الكتاب قد عرض على وزارة الثقافة سابقا، ورفضته الا انه صدر عن دار ازمنة وبتقديم للروائي رشاد أبو شاور، والكتاب مبني على افتراضات وهواجس لا أكثر.

وعلى رغم مرور اربعة عشر عاما على غياب غالب هلسا، فان اعادة الاعتبار لأعماله الأدبية قد أصبح يتنامى ويأخذ حيز الحضور الحقيقي الذي يليق به كأديب اعتبر من أجرأ الروائيين العرب، على كشف أسراره الداخلية، وأكثرهم كسرا لثالوث المحرمات: الجنس، والدين والسياسة، وكذلك الحال للندوات التي تنظمها رابطة الكتاب للاحتفاء به، اذ ستحـتـفي الرابطة به الشهر المقبل وبمناسبة ذكرى ميلاده الحادية والسبعين والرابعة عشرة لرحيله، وبمشاركة عربية متميزة.

ولد غالب هلسا في قرية ما عين وامضى دراسته الأولى فيها ثم في مادبا وبعدها في مدرسة المطران بعمان، وتخرج العام 1949، ويقول غالب عن تلك الأيام في حوار كان قد أجراه معه الشاعر اللبناني عباس بيضون في21/12/1989: «تعلمت في مدرسة انجليزية وفي الوقت ذاته الذي تعلمت فيه العربية اذ انني درست في مدرسة انجليزية هي مدرسة المطران بعمان، كانت لدينا في المدرسة مكتبة جيدة قرأت فيها معظم كتب توفيق الحكيم والمازني وطه حسين والزيات، أما بالانجليزية فقرأت «جزيرة الكنز» لستيفنسون وهي رواية سحرتني ودعتني لقراءة بقية أعماله، كما قرأت رواية «كنوز الملك سليمان» وبقية أعمال المؤلف، وقرأت ايضا أعمال وولترسكوت.

ويضيف هلسا: وبعد ذلك جاءت مرحلة الرواية البوليسية وفيها كنت أقرأ يوميا رواية بوليسية أو أكثر، تعرفت بعد ذلك بقليل على الكتاب الروس وقرأت «الجريمة والعقاب» و«آنا كارانينا» في ترجمات انجليزية، ذلك كله قرأته في حدود الرابعة عشرة من عمري. ويتحدث هلسا عن أهم حادثة جرت في صباه وهي اشتراكه في مباراة للقصة القصيرة في الضفتين الغربية والشرقية فنال الجائزة الأولى واقتنع واقنعه الآخرون بانه كاتب مهم.

وكان أول ما فعله حين استلم الجائزة وكانت سبعة دنانير انه اشترى بنطلونا كونه كان حتى ذلك الوقت يرتدي الشورت كما واشترى آلة حلاقة لاستعجال نمو لحيته وعلبة سجائر لأن الكاتب كما كان يتخيل لابد ان يدخن.

ويضيف في الحوار ذاته: «المسألة الأخرى التي أثرت في حياتي كثيرا هي انني لسبب لا أذكره انهيت المرحلة الابتدائية بسنواتها الأربع في سنتين فقط، وكان سبق لي ان دخلت المدرسة صغيرا فكانت النتيجة انني لم أكن الأصغر في الصف فحسب بل كان الفارق بيني وبين الذي يليني عمرا لا يقل عن أربع سنوات، كنت بطبيعة الحال منبوذا من الطلبة لصغر سني، وعاداتي الغريبة، وبينها قراءاتي للكتب غير المدرسية».

في العام 1950 ذهب غالب الى لبنان للدراسة في الجامعة الاميركية، وفي لبنان انتسب للحزب الشيوعي اللبناني، وفي طرابلس بلبنان اشترك في تظاهرة فألقي القبض عليه وسجن، وفي بيروت أمسك به رجال الشرطة وهو يلصق أحد المنشورات ليلا فسجن وأفرج عنه بكفالة لحين محاكمته، ولكنه استطاع بعد انتهاء السنة الدراسية الهرب من لبنان للاردن.

وحين عاد لعمان ليشارك في نشاط سياسي شيوعي أدى به الى السجن في المحطة ثم الاعتقال في الجفر، وبعد الاعتقال بأقل من سنة أفرج عنه لصغر سنه ووضع تحت الاقامة الجبرية في مأدبا، لكنه هرب لعمان وتفرغ للعمل مع الحزب الشيوعي.

وفي العام 1954 درس الصحافة في الجامعة الاميركية في القاهرة، وفي العام 1956 عاد غالب للاردن أثناء العطلة الصيفية وبعد سفره كانت الشرطة تبحث عنه ما اضطره للبقاء في القاهرة حتى العام 1976 إذ رحل الى بغداد.

خلال وجوده في القاهرة كان غالب ناشطا في الحركة الشيوعية المصرية وفي الحياة الثقافية فيها، وكان عضوا في اتحاد الادباء والصحافيين الفلسطينيين، ولقد شارك غالب في معركة قناة السويس وحمل السلاح، وشارك المصريين وخاض المعارك التي خاضها المبدعون المصريون من أجل الوصول بكلمتهم للناس، وخلال السنوات 1976 و1979، انتقل نشاطه الثقافي والسياسي لبغداد إذ عمل في مجلة الأقلام العراقية. ونشط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وأسهم في الكتابة في أدبياته المختلفة، وفي العام 1979 اضطر غالب بسبب المضايقات الأمنية لمغادرة بغداد لبيروت، وأقام فيها حتى العام 1982.

وحين وقع الاجتياح الصهيوني للبنان في يونيو/ حزيران 1982، انتقل غالب هلسا الى الخنادق القتالية المتقدمة إذ كان يدير الحوارات مع المقاتلين ليقدم من خلالها برنامجا يوميا في اذاعة الصورة.

بعد بيروت رحل غالب مع المقاتلين الفلسطينيين على ظهر إحدى البواخر لعدن ومن عدن رحل لاثيوبيا ثم لبرلين وبعدها عاد لدمشق التي عاش فيها ظروفا صحية ونفسية صعبة، وبقي حتى 18/12/ 1989، وهو اليوم نفسه الذي ولد فيه إذ توفي ونقل جثمانه للاردن بعد غياب ثلاثة وثلاثين عاما.

ان حياة غالب هلسا الأردني المولد، المصري حياة فاللبناني فالسوري اقامة والفلسطيني القلب استطاع ان يكسر حدود الجغرافيا الضيقة لفضاء الابداع والانسانية التي علمته ان يحس ويشعر أكثر بضغط الواقع عليه وربما كان هذا التحسس من الظلم ما دفعه للاشتغال المبكر بالسياسة.

لقد ازداد غالب هلسا حكمة في الكتابة لا في الحياة وهذا ما يؤكده في حوار كان قد أجراه معه الناقد أحمد أبو مطر العام 1989 في صحيفة «الوطن» وتحديدا في اجابته على السؤال الذي مفاده : كيف ترى دور الكتاب والمثقفين ازاء ما يجري في ارضنا العربية المحتلة... الآن؟ اذ قال حينها: «عندما قامت الحرب الاهلية الاسبانية بين الجمهوريين والفاشيست شارك عدد كبير من الأدباء والشعراء في هذه الحرب، وكتبوا أعمالا بالغة الأهمية عن هذه الحرب، نذكر منها: «لمن تقرع الأجراس» لهمنغواي، و«أيام الأمل» لاندريه مالرو، وغيرها كثير، هذه الأعمال كتبها أناس شاركوا في الحرب الأهلية الاسبانية، وأنا لا أعرف أديبا أو شاعرا أوروبيا كتب أدبا عن هذه الحرب من دون أن يشارك فيها، كما انني لا أعرف أديبا أو شاعرا عربيا كتب عن الانتفاضة، أو أي حدث سياسي مهم، بعد أن شارك فيه.

ويضيف هلسا: ان هذا يشير لحقيقة مهمة، وهي ان الابداع يكتب عن معايشة حقيقية للحدث، وعن فهم حقيقي له، لذلك لا اعتقد ان المبدعين العرب قادرون على الكتابة عن الانتفاضة التي لم يعايشوها، وأعلم تماما أنهم لا يكادون يعرفون عنها أكثر مما يذيعه التلفزيون.

لقد استطاع غالب هلسا في كل أعماله الروائية ان يقول نفسه اساسا وتجسد ذلك في روايته «البكاء على الاطلال» إذ يتذكر البطل المهباش ورقصة الخناجر التي أدتها آمنة في القرية، وكذلك الحال في روايته «سلطانة» إذ نجده قد سجل من خلالها تاريخ الاردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الخمسينات، وكذلك الحال في روايته «الخماسين» التي استطاع غالب ان يستعيد ذكريات القرية الاردنية ويعيش تفاصيلها. اما في روايته «الضحك» فقد تكررت مشاهد القرية الاردنية وذكرياتها، ونجد غالب في غيرها من الأعمال الروائية أو القصصية يستعير للشخصيات الحوادث والمواقف الحقيقية التي أختبرها بنفسه، وذلك ما يؤكد صدقيتها وتماسكها ويبرر انتسابه لجغرافيا مفترضة ومتخيلة تحركت في فضائها الشخوص حين كان الأمر يتعلق بالاردن، إذ انه انتسب لمصر أكثر مما انتسب للاردن ولذلك نجد ان معظم اعماله الروائية تحركت ضمن الفضاء السياسي والاجتماعي المصري في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

لقد كتب غالب هلسا كتب الرواية والقصة القصيرة والنقد الادبي وبحث في التراث والفكر العربيين الاسلاميين، وترجم كتبا في علم الجمال وله ثلاث مسرحيات مفقودة قدمت واحدة منها في عرض تجريبي على المسرح القومي السوري





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً