نالت «وثيقة جنيف» تأييدا أميركيا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية إذ دعمها الرئيسان السابقان جيمي كارتر وبيل كلينتون بالإضافة إلى قيادات بارزة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، ومن كبريات الصحف الأميركية. وفيما أعرب واضعا الوثيقة الوزيران السابقان الفلسطيني ياسر عبدربه والإسرائيلي يوسي بيلين، عن ارتياحهما للمحادثات التي أجرياها مع وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وأكدا ان الوثيقة التي وقعاها في سويسرا ليست بديلا عن «خريطة الطريق» بل تكملة لها، تم تأجيل الاجتماع الذي كان مقررا مع نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز لاضطرار الوزيرين السابقين للسفر إلى نيويورك لاجتماع طارئ مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. لكن «واشنطن بوست»، أوردت ان اللقاء الذي طلبه عبدربه وبيلين من مستشارة الرئيس لشئون الأمن القومي كوندليزا رايس لم يستجب. وكان اللقاء مع باول أغضب حكومة ارييل شارون التي رفضت الوثيقة وسعت إلى الحؤول دون عقده. ودافعت وزارة الخارجية الأميركية عن اللقاء وقال المتحدث باسم الوزارة آدم ايرلي «كان لقاء جيدا وبناء مع جماعة خاصة صاغت خطة خاصة». وأضاف «ان الأفكار التي نوقشت اليوم لم تكن متناقضة بأي شكل أو متعارضة مع رؤية الرئيس أو مع خريطة الطريق». وتابع «خرجنا من هذا اللقاء أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بأن خريطة الطريق هي السبيل الواجب سلوكه»، وأكد ان «اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيتم تقريره بين الحكومات، وهذا ليس موضع شك». وتناولت «واشنطن بوست» في افتتاحيتها «اتفاق جنيف» غير الرسمي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذ اعتبرت ان الاتفاق قد لا يطبّق بصيغته الحالية، أكدت انه حقق أهداف واضعيه أي إثارة هزة في الوضع الدبلوماسي والسياسي الذي لطالما عانى من الجمود. وأوضحت ان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، بدآ يشعران بأنهما مجبرين على القيام بمبادرات شخصية. وتابعت ملاحظة ان عرفات، أوفد رئيس الوزراء أحمد قريع إلى القاهرة في محاولة لإقناع الفصائل الفلسطينية بالموافقة على وقف إطلاق النار. أما شارون، فقد أعلن في المقابل عن نيته لقاء قريع وبدأ يطلق تلميحات عن احتمال إخلاء بعض المستوطنات اليهودية. حتى الإدارة الأميركية، تضيف «واشنطن بوست»، قد استيقظت من سباتها الدبلوماسي العميق على حد تعبير الصحيفة ليعلن الرئيس بوش ان «مبادرة جنيف» قد تكون مفيدة وليلتقي وزير خارجيته كولن باول مع واضعي المبادرة الوزيرين السابقين الفلسطيني ياسر عبدربه والإسرائيلي يوسي بيلين. غير ان الصحيفة الأميركية لاحظت ان الرئيس عرفات، على رغم دعمه لمبادرة جنيف، فقد أعلن دعمه للقرار الجديد للأمم المتحدة، الذي يؤكد حق العودة للفلسطينيين ما يعني ان الزعيم الفلسطيني ينفي احتمال قيام الفلسطينيين بالتنازل عن هذا الحق. وخلصت في هذا السياق إلى ان الرئيس عرفات، ليس مهتما بإحلال السلام قدر اهتمامه بتحسين موقعه التكتيكي.
على الجانب الآخر، تلاحظ الصحيفة الأميركية ان شارون، على رغم مواقفه المرنة التي أعلنها حديثا (في ما يتعلق بخطوات من جانب واحد قد تقوم بها «إسرائيل»)، لايزال يضع المتفجرات في طريق السلام المتمثلة وبشكل خاص في الاستمرار في بناء الجدار الفاصل وضم المزيد من أراضي الضفة الغربية إلى «إسرائيل». أما في ما يتعلق بالخطوات التي يقوم بها البيت الأبيض في هذه المرحلة فقد رأت «واشنطن بوست»، انها جيدة ولكنها قد لا تؤدي إلى نتائج سريعة محذّرة من أن تنتهي الجولة الثانية من الانتخابات الأميركية وقد أصبحت التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعيدة المنال.
من جهة أخرى، أشار مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية الأميركية من على موقعه على الإنترنت انه من الواضح ان الأوروبيين يزاحمون أو هم يحاولون الفوز بدور مميز في الشرق الأوسط... لافتا إلى ان التنافس بين أميركا وأوروبا بلغ حدّه بعد توقيع الاتفاق الشهير (وثيقة جنيف) في العاصمة السويسرية. فقد اعتبر غلوبل إنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) من على موقعه على الإنترنت ان أوروبا تدعم مبادرة جنيف غير الرسمية للسلام في الشرق الأوسط في محاولة لإحكام قبضتها على المنطقة ومواجهة السيطرة الأميركية. وتابع انه على رغم ان «مبادرة جنيف» قد لا تطبق إلاّ انها ستجبر الفلسطينيين والإسرائيليين إلى جانب الولايات المتحدة ومصر على أن يبرهنوا انهم قادرون على القيام بخطوات من أجل دفع العملية السلمية قدما. والدليل على ذلك هو دعوة القاهرة للفصائل الفلسطينية إلى إجراء محادثات بشأن إبرام اتفاق هدنة جديد، واجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، بوزرائه للبحث في إعادة إحياء الحوار مع الفلسطينيين، ووصول مبعوث الولايات المتحدة وليام بيرنز، إلى المنطقة من أجل إحياء المحادثات «المعطلة». على جانب آخر لاحظ المركز أيضا ان أوروبا، تتجه نحو بناء تحالفات مع شركاء شرق أوسطيين مثل إيران والفلسطينيين الذين ليس باستطاعة الولايات المتحدة، التحالف معهم بشكل مباشر. وأوضح المركز ان الخطة الأوروبية الجديدة تهدف إلى وضع حد لتأثير الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط من دون حصول مواجهة مع واشنطن. وأضاف ان أوروبا تعمل على توسيع تدخلها في المنطقة على المديين القريب والمتوسط وتعزيز مواقع الدول التي ليست على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة. وأكد المركز، ان الدول الأوروبية تحتاج إلى أن تكون قادرة، على المدى الطويل، على تأمين موارد النفط من دون الوقوع رهينة سيطرة الولايات المتحدة على الدول الغنية بالنفط كالعراق وإيران والسعودية. وتابع المركز انه من أجل تحقيق هذه الغاية سبق للأوروبيين أن قاموا بعدد من الخطوات ألا وهي: أولا تعزيز العلاقة مع روسيا. ثانيا توطيد التعاون الداخلي وبناء قوة الدفاع الأوروبية المشتركة من أجل مواجهة منظمة حلف شمال الأطلسي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة وتخفيف اعتماد أوروبا على الدعم العسكري الأميركي. ثالثا: توسيع الدور الأوروبي السياسي والاستثماري في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما دعم طهران، في قضية برامجها النووية.
وفي محاولة لتبرير الموقف الأوروبي من الدولة العبرية الذي كشفه استطلاع المفوضية الأوروبية أخيرا، رأى روبرت لوفين في «واشنطن بوست» ان الأوروبيين الذين شملهم الاستطلاع والذين اعتبروا ان «إسرائيل» هي الخطر الرئيسي على السلام في العالم، قالوا ذلك لأنهم لاحظوا ان الدولة العبرية تعيش حال حرب. وأوضح ان الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع لم يعطوا الوقت الكافي ليفكروا ما هي الدولة التي تشكل الخطر الأكبر على السلام في العالم بل كان عليهم أن يعطوا إجابة سريعة، ما جعلهم يعتبرون ان الوضع العسكري المتوتر في «إسرائيل» هو الذي يجعلها خطرا على السلام. غير ان لوفين، لم ينفِ ان بعض الذين شملهم الاستطلاع لديهم رأي مسبق بأن «إسرائيل» خطر على السلام، وهذه الشريحة من الأوروبيين ليست معادية للسامية بل معادية للسياسة الشارونية. مستنتجا ان نتائج الاستطلاع لا تدل على اتساع معاداة السامية في أوروبا كما يروّج البعض بل على اتساع المعارضة لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون. وخلص إلى القول ان كل ما يريد الاستطلاع أن يؤكده هو ان الأوروبيين يعتبرون ان الدول التي تعيش في ظل الحروب تشكل تهديدا للسلام. من جهة أخرى، أشار مولي مور في «واشنطن بوست» إلى أن التقرير الذي صدر عن مركز جافي للدراسات الاستراتيجية ووضعه النائب السابق لرئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي الجنرال شلومو بروم يتهم «إسرائيل» بأنها كانت شريكا رئيسيا في الإخفاقات الاستخبارية البريطانية والأميركية التي ساهمت في تضخيم البرامج النووية والكيميائية والبيولوجية للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، قبل الحرب على العراق. وأشار مور، إلى ان بروم، كتب في التقرير ان الإخفاقات المتتالية في العراق، دليل على فشل الاستخبارات الإسرائيلية وصانعي القرارات في «إسرائيل». وتابع بروم ان أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قد أجرت تقييما مبالغا فيه للقدرات العراقية، ما يؤكد احتمال أن تكون الصورة التي رسمتها تلك الأجهزة متلاعبا فيها. كما جاء في الدراسة ان المخابرات الإسرائيلية بالغت كثيرا في تصوير خطر شن العراق هجوما غير تقليدي من غير أن تجرؤ على التأكيد في النهاية انه ليس لدى العراق أيا من تلك الأسلحة. وجاء في الدراسة أيضا انه على رغم ان «إسرائيل» ينبغي أن تكون مسرورة للنتيجة التي أسفرت عنها الحرب على العراق، فإن أجهزة استخباراتها خسرت صدقيتها أمام شركائها في العالم وأمام الشعب الإسرائيلي وان تلك الأجهزة أنفقت مبالغ طائلة من المال على معالجة التهديدات التي إما أنها لم تكن موجودة وإما أنه كان من المستبعد حصولها
العدد 460 - الثلثاء 09 ديسمبر 2003م الموافق 14 شوال 1424هـ