يبدو أنه من المفيد دعم طرح نواب «المنبر الإسلامي» بشأن الذمم المالية للمسئولين في المؤسسات الرسمية، وذلك لتعزيز قيم دولة القانون، وإضافة لبنة إلى بنيانها. فليس خافيا على أحد أن الكثير من المسئولين، ومنهم وزراء أيضا، مارسوا ويمارسون التجارة والانتفاع من مناصبهم وقدرتهم على التيسير لعدد من المعاملات لكي تتم، فنجد أن عددا من المسئولين، يثرون بشكل فاحش، وهم الذين يفترض أن ليس لهم في الدنيا سوى رواتبهم المحددة، ومهما علت تلك الرواتب وما يتبعها من امتيازات، فإنها لا تبني المجمعات أو تجلب السيارات الفارهة، ولا التجارة العريضة التي تدار من خلال مكاتبهم التي يفترض أن توظف كل طاقتها لخدمة الصالح العام. صحيح أن بعض المسئولين ينحدرون أساسا من أسر ثرية، ولكن هناك آخرون كانوا موظفين ليس إلا، وفجأة تأبى الثروات المفاجئة إلا أن تطل برأسها، و«كلنا عيال قريّة... وكلٍ يعرف أوخيّه». وكان الاعتقاد أنه مع تشكل ديوان الرقابة المالية والإدارية، فإن نهم عدد لا بأس به من المسئولين لتكديس الثروات باستغلال المناصب ومراكز القوى سيخف شيئا ما، حياء وتأدبا مع الجو الانفتاحي والاتجاه إلى الشفافية، إلا أن البعض منهم راح يستغبي الناس، ويحول أسهمه في الشركات، ومناصبه إلى أقرب أقربائه، أي إلى حسابه ولكن بشكل غير مباشر، ومنهم من لم تؤثر فيه التغيرات في البلد أي شيء، لقناعة أن «ليس على المسئول حرج»، فالحرج فقط يقع على عوام الناس.
هناك تجارب عربية حاولت فيها قوى المعارضة والصحافة الحزبية أن تفضح هذه الخروقات والممارسات الخارجة عن القانون، وتقوم بنشر هذه التجاوزات، ولكن كأن شيئا لم يكن، فيظل المسئول على كرسيه، وفي منصبه لا يتزحزح، وكأن النظام يقول للمعارضة والصحافة: «قولوا ما تشاؤون، ونحن نفعل ما نشاء».
إن ملاحقة المسئولين في الذمة المالية، إن لم يدعم بقانون رادع، فإنه كأن لم يكن، ولن يزيد الناس هنا إلا إحباطا وانصرافا عن الشعارات البراقة، والدخول في دوامة اجترار الآلام والاقتراب الحثيث من اليأس
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ