شككت «إسرائيل» في طلب الرئيس السوري بشار الأسد من الولايات المتحدة المساعدة على إحياء المفاوضات السورية الإسرائيلية، ودعت دمشق إلى إنهاء دعمها لـ «حزب الله»، والمنظمات الفلسطينية المعارضة لعملية السلام قبل إحياء المفاوضات، في حين قالت واشنطن عبر الناطق باسم الخارجية الأميركية، بأنه «إذا كان السوريون مهتمين بسلام مع «إسرائيل» فيجب أن ينخرطوا مع (إسرائيل)». واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم ردا على تصريحات الأسد ان «الكلام لا يكفي» ووضع شروطا لعقد محادثات سلام مع سورية، لدى وصوله إلى إيطاليا، وقال شالوم في ختام لقاء مع نظيره الأردني مروان المعشر على هامش المؤتمر الأوروبي المتوسطي السادس بمشاركة وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والبحر المتوسط، «هذا مشجع جدا، ولكن الكلام لا يكفي». وقال «نأمل أن نرى السوريين يشاركون بصورة فعالة في عملية السلام عبر وضع حد للإرهاب والعنف الصادرين من أراضيهم». وقال «إذا ما أغلقوا معسكرات تدريب الإرهابيين، وأوقفوا الشحنات التي تأتي إلى «حزب الله» عبر مطار دمشق، إذا رغبوا في استئناف المفاوضات مع «إسرائيل» من دون شروط مسبقة، سنأخذ طبعا رغبتهم في الاعتبار وبصورة جدية». من جهته أبدى نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت «شكوكا» بشأن دعوة الرئيس الأسد لكنه دعا مع ذلك إلى «التحقق» من انفتاح دمشق. وقال اولمرت «مررنا بتجارب مريرة مع سورية في السابق ومع الرئيس الأسد تحديدا... بشكل يجعلني أميل إلى التشكيك». وأضاف «لكن يجب أن نتحقق ما إذا كان هذا الانفتاح صادقا أو انه يهدف إلى خفض الضغوط التي تمارسها واشنطن على سورية».
وشككت الصحف العبرية والأميركية، تماما كما فعل المسئولون الإسرائيليون، في طلب الرئيس السوري بشار الأسد من الولايات المتحدة المساعدة على إحياء المفاوضات السورية الإسرائيلية، وإذ أظهر المعلقون اهتماما بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد خلال حديثه إلى «نيويورك تايمز»، أثارت الصحف الأميركية تصريحات الأسد، وبدا واضحا ان «الهم» الأساسي لديها للتأكد من صدقيته هو «انفتاحه» على «إسرائيل» ولم تنس الصحف الأميركية اتهام سورية بمحاولات حثيثة لتصنيع الأسلحة المحظورة وبيعها... أما قول الأسد انه لن تكون ثمة مشكلات بين بلاده والولايات المتحدة خارج إطار «إسرائيل»، فقالت «نيويورك تايمز»، في افتتاحية خصصتها للتعليق على أقوال الأسد، انه تصريح لا يمكن «ابتلاعه» بعد أشهر من الفشل السوري في مراقبة حدودها مع العراق الأمر الذي سمح بحسب زعمها، لمئات المقاتلين العرب بعبور الحدود والمشاركة في الهجمات على القوات الأميركية. ولاحظت «نيويورك تايمز» ان الرئيس السوري يدرك انه لم يعد يعيش في منطقة الشرق الأوسط نفسها التي كان يعيش فيها والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. أي حيث القمع الشعبي والرفض القاطع للتعامل مع «إسرائيل» والعلاقات الحميمة بالمجموعات «الإرهابية» وبالدول «الشريرة»، كانت جميعها كافية للتأسيس لعقود من السلطة التي لا تقهر. لكن الصحيفة الأميركية اعتبرت انه من غير الواضح ما إذا كان بشار الأسد يدرك حجم التحدي الذي ورثه عن والده أم لا. ملاحظة أيضا ان الرئيس السوري لديه نظرة غير دقيقة للوضع في سورية. وأوضحت انه من الصعب معرفة ما إذا كان الأسد سيباشر بالقيام بالتغييرات المطلوبة في سورية، إلاّ في حال بدأ يدرك بشكل سريع حجم الوضع اليائس الذي يواجهه السوريون نتيجة سياسات من وصفتها بأنها أسرة الرئيس الفاشلة. وتابعت توضيحها معلّقة - على ما قاله الأسد خلال المقابلة من انه لن تكون هناك ثمة مشكلات بين بلاده والولايات المتحدة خارج إطار «إسرائيل» - بالقول انه تصريح لا يمكن «ابتلاعه» بعد أشهر من الفشل السوري في مراقبة حدودها مع العراق الأمر الذي سمح لمئات المقاتلين العرب بعبور الحدود والمشاركة في الهجمات على القوات الأميركية. كما أشارت الصحيفة الأميركية في السياق نفسه إلى محاولات دمشق الحثيثة لتصنيع الأسلحة المحظورة وبيعها. كما ذكّرت «نيويورك تايمز»، أيضا بأن سورية لديها تاريخ طويل من التعاون وتوفير الحماية ليس فقط لعناصر «حزب الله» بل أيضا لأبو نضال الذي عرّفت عنه الصحيفة بأنه الرجل المسئول عن مقتل 900 شخص في 20 دولة على الأقل. وتابعت الصحيفة الأميركية انه على رغم كل هذه الحقائق حاولت الولايات المتحدة، التوسط من أجل إبرام اتفاق سلام تستطيع سورية من خلاله استرجاع مرتفعات الجولان من «إسرائيل»، إلاّ ان الرئيس الراحل حافظ الأسد أحبط قبل وفاته العام 2000 عرضا واعدا من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وعلى رغم ذلك، تلاحظ الصحيفة، ان بشار الأسد أعلن انه يريد استئناف المفاوضات من حيث توقفت، وكأن فشل والده في مواصلة المفاوضات والتغيير الذي طرأ على القيادتين والسياسات الأميركية والإسرائيلية لم يحصلا أبدا. ورحبت «نيويورك تايمز»، بإجراء مفاوضات بشأن مرتفعات الجولان، ولاسيما ان الرئيس الأسد عرض تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية في حال تم التوصل إلى اتفاق. إلاّ انها أكدت انه يجب على الرئيس السوري أن يظهر قبل كل شيء حسن نيته من خلال وضع حد للميليشيات و«الإرهابيين» الذين أطلق الرئيس الراحل حافظ الأسد العنان لهم ليبرهن ان السلام مستحيل من دون إرضاء سورية. إلى ذلك اعتبرت الصحيفة الأميركية ان القسم الأكثر سوريالية في المقابلة هو إعلان الأسد انه على الشعب العراقي أن يختار حكومته من خلال الانتخابات، معتبرة على نحو ساخر ان هذا الاقتراح المميز قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة في حال تم اختباره في سورية حيث الانتخابات الحرة ممنوعة وحيث أصبحت النقاشات السياسية تأشيرة دخول أكيدة إلى السجن. وأظهرت الصحف الإسرائيلية أيضا اهتماما بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، وشككت غالبيتها على نحو ما فعل المسئولون الإسرائيليون بكلام الرئيس الأسد.
وكتب تسفي برئيل في «هآرتس» مقالا تحت عنوان «الأسد يريد قطعة من الفطيرة الاقتصادية العراقية»، في معرض التعليق على كلام الرئيس السوري بشار الأسد، خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة «نيويورك تايمز». وأشار برئيل، في مستهل مقاله إلى توضيح الأسد، خلال المقابلة، لما قصده بعبارة تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، حين أشار إلى انه يريد أن تكون العلاقة بين سورية والدولة العبرية على طراز العلاقة بين دمشق وواشنطن. وأوضح برئيل، انه على رغم وجود علاقات دبلوماسية بين دمشق وواشنطن، تخضع سورية لتهديد عبر مشروع قانون أميركي ينص على فرض عقوبات على سورية. وتابع شرحه لنمط العلاقة السورية الأميركية بالقول ان ما من استثمارات أميركية تجري في سورية عمليا وان هذه الأخيرة هي دولة داعمة «للإرهاب» بحسب التعريف الأميركي. كما ان المواطنين السوريين يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. وعلّق برئيل، على ذلك بالقول ان ما طرحه الأسد بشأن نموذج العلاقة بين «إسرائيل» وسورية، هو في الحقيقة رسالة إلى واشنطن وليس إلى «إسرائيل»، تفيد بأن نوعية العلاقة الإسرائيلية السورية مرهونة بالعلاقة الحالية بين دمشق وواشنطن. أما على صعيد المسألة الإسرائيلية فقد لاحظ برئيل، ان الأسد لم يضع شروطا مسبقة على استئناف المفاوضات مع الدولة العبرية بل قدم اقتراحا بالعودة إلى حيث توقفت المفاوضات. إلى جانب ذلك لاحظ معلق الشئون العربية في الصحيفة العبرية، ان الرئيس السوري لم يتهجّم على رئيس الوزراء الإسرائيلي ولا حتى اعتبره شريكا في المفاوضات كما انه لم يذكر الهجوم الجوي الذي شنته القوات الإسرائيلية على سورية، مكتفيا بالتأكيد (أي الأسد) ان العلاقة التي تربط بين دمشق و«حزب الله» مبنية على أساس الدعم السياسي وليس الأسلحة والمال. إلى ذلك أكد برئيل، ان ما جاء على لسان الأسد خلال المقابلة، لم يكن بالأمر العرضي لأن وزيرة المغتربين السورية والناطقة السابقة بلسان وزارة الخارجية السورية، بثينة شعبان، كانت قد دعت إلى حوار مع الإدارة الأميركية وأكدت ان سورية، تؤمن بأن الولايات المتحدة، ترغب في إحلال الاستقرار في المنطقة. وتابع ان سورية تحاول إيصال رسالة مصالحة إلى واشنطن. واستنتج برئيل، ان سورية ترغب في الحصول على «قطعة من الفطيرة الاقتصادية العراقية»، مشيرا إلى ان الأسد يفكر مليا في إعادة فتح السفارة السورية في بغداد، وإقناع الأميركيين بأن يسمحوا للصادرات النفطية العراقية بالمرور عبر الأراضي السورية، واستئناف العلاقات التجارية مع العراق التي كانت تدر على سورية مبالغ كانت تصل أحيانا إلى 300 مليون دولار سنويا قبل الحرب، وحتى الفوز ببعض عقود إعادة الإعمار في العراق. وختم برئيل، بأنه من أجل تحقيق كل ذلك يحتاج الأسد إلى ضوء أخضر من واشنطن التي على رغم توقفها عن استخدام اللهجة الحازمة مع سورية، لاتزال غير مستعدة للسماح لدمشق بالحصول على موطئ قدم في العراق.
وكتبت «يديعوت أحرونوت» انه على رغم التصريحات المشجعة في حديث الأسد إلى الصحيفة الأميركية، فإن هناك مشكلتين: واحدة سورية والأخرى إسرائيلية. والمشكلة السورية تتمثل في حجم الضغوط الأميركية التي تُمارَس على سورية وآخرها قانون محاسبة سورية. وتعتقد الدوائر الإسرائيلية أن هذه الضغوط تحشر سورية وأن العقوبات ستقود إلى الانهيار التام للاقتصاد السوري. ولذلك ترى هذه الدوائر ان الرئيس السوري يحاول إقناع الإدارة الأميركية باستعداده للمفاوضات. غير أن المشكلة الإسرائيلية بحسب الصحيفة العبرية تتمثل في أن حكومة شارون الحالية تعارض التفاوض بشأن الجولان ليس فقط لأسباب إيديولوجية، وإنما أيضا لأسباب براغماتية، إذ إن شارون يدرك انه إذا وافق في المفاوضات مع سورية على الانسحاب إلى حدود العام 1967 في الجولان فلن يوافق الفلسطينيون على أقل من ذلك.
ومن ضمن سلسلة مقالات أعلنت «هآرتس»، انها باشرت نشرها بشأن التصور العربي للسلام تطرق مرهف جوجاتي (خبير في النزاع العربي الإسرائيلي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن) إلى الرؤية السورية للسلام في مقال يحمل عنوان «التصور السوري للسلام». وأشار إلى ان دمشق، تعتبر مبادرة السلام التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، هي أفضل وسيلة دبلوماسية لحل النزاع العربي الإسرائيلي سلميا. وتابع: إن سورية تدعم المبادرة من حيث المضمون والإجراء. فمن حيث المضمون، رأى جوجاتي، ان دمشق، تدعم مبادرة الأمير عبدالله، لأنها تستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام الذي تعتبره سورية أساسا للتسوية السلمية. أما من حيث الإجراء فقد وافقت سورية، على المقاربة التي استندت إليها المبادرة، أي تلك المبنية على مبدأ بسيط يفيد بأن النزاع يشمل «إسرائيل» والدول العربية وليس فقط الفلسطينيين والإسرائيليين لذلك يجب أن تشمل التسوية كل الدول العربية التي وقعت ضحية التوسّع الإسرائيلي. وهذه المقاربة هي التي تبحث عنها سورية، منذ العام 1972. وتابع جوجاتي، إن سورية، ترفض مقاربة وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر، التي تستند إلى مبدأ الخطوات المتتالية أو مبدأ «الخطوة خطوة»، لإدراكها بأن هذا المبدأ سيؤدي إلى شرذمة العالم العربي وإضعاف الموقف التفاوضي للدول المواجهة لـ «إسرائيل». من جانب آخر، أشار جوجاتي، إلى ان سورية، تؤمن بأنه يجدر بأطراف النزاع أن يتوصلوا إلى تفاهم متبادل قبل إجراء مفاوضات بينهما. ومن هنا ترى سورية، سبب فشل اتفاق أوسلو، ولاسيما ان الفلسطينيين والإسرائيليين كانوا يتفاوضون على المسائل البسيطة قبل الدخول في المسائل المعقدة، ما أدى في النهاية إلى فشل كبير واندلاع المزيد من العنف. أما السبب وراء فشل المفاوضات بين سورية و«إسرائيل»، فيعود، إلى كون العرض الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين، عن الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان حتى حدود الرابع من يونيو/ حزيران، افتراضيا من المنظور السوري.
لابد من الإشارة، إلى ان صحيفة «تشرين» (السورية) رأت ان المواقف التي أعلنها الرئيس الأسد، جمعت بين الواقعية السياسية والتمسك بالمبادئ. مشددة على انه من الخطأ الاعتقاد بأن الأسد خاطب الصحيفة الأميركية بلغة مزدوجة، فما يقوله للرأي العام العربي، والسوري على وجه الخصوص، قاله بالوضوح ذاته للرأي العام الأميركي. وبعد أن فنّدت المواقف التي أطلقها الرئيس السوري في الصحيفة الأميركية، أكدت ان هذا الحوار الموجه بصورة أساسية لمخاطبة الرأي العام الأميركي، والمبادرات التي انطوى عليها الحوار، قد أحرج الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، ولذلك جاءت ردود فعل وزارة الخارجية الأميركية، وتصريحات الناطقين باسم شارون معبرة عن هذا الإحراج الشديد الذي فاجأهم في توقيت لا بد أن يؤدي إلى الإسراع في إفلاس سياساتها التي تثير الانتقادات من كل الاتجاهات، في حين ان كثيرا من الأصوات العاقلة في «إسرائيل» وفي الولايات المتحدة رأت في الموقف والرسائل التي حملتها المقابلة فرصة جديدة يجب ألاّ تكون ضحية للسياسات المتشددة الطائشة التي أدخلت «إسرائيل» والولايات المتحدة نفق الأزمات الخطيرة
العدد 459 - الإثنين 08 ديسمبر 2003م الموافق 13 شوال 1424هـ