العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ

شادي عبدالله... «إرهابي» فوق العادة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يذكر ظهور شادي عبدالله أمام محكمة دوسلدورف بمشهد ظهور مستشار الحكومة الألمانية أمام الصحافة ليعلن أنباء مهمة، أو وزير أجنبي أو أحد مغني موسيقى البوب. هذا ما أوحى به جو القاعة رقم 128 في مبنى المحكمة إذ قبل ظهور الشاب الحامل جنسية أردنية وراء ستار من الزجاج المضاد للرصاص داخل مكان خاضع لحراسة مشددة، سبقه خمسة من رجال مكتب الجنايات الفيدرالي إلى المكان المعد للمتهم لفحصه. وبعد أن تأكد رجال الأمن من عدم وجود خطر تحدثوا عبر السماعات إيذانا بدخول شادي عبدالله قاعة المحكمة وقد وضع شعرا مستعارا (باروكة) ونظارات لإخفاء ملامحه، حتى أن أحدهم أزاح كرسي الجلوس لشادي الذي شكره. ليست هذه معاملة عادية لشخص متهم بالإرهاب وإنما شخص فوق العادة يتمتع اليوم بحماية الدولة الألمانية ويبدو أنه يستمتع بهذه المعاملة.

وكان الظهور الأخير لشادي عبدالله البالغ 27 عاما من العمر، أمام محكمة دوسلدورف في إطار الدعوى التي رفعها المدعي الفيدرالي العام كاي نيهم ضده إذ أصدرت المحكمة الحكم عليه بالحبس أربعة أعوام في نهاية مرافعات على مدى 26 جولة. ووجدت المحكمة أن الأدلة التي قدمها الادعاء العام ضد شادي عبدالله، صحيحة وأنه كان عضوا في تنظيم «التوحيد» الذي اعتقلت أجهزة الأمن الألمانية مجموعة من أعضائه في شهر أبريل/ نيسان العام 2002. واعترف شادي للمحققين - كما أبلغ المحكمة - بأنه كان يخطط مع رفاقه لتفجير منشآت يهودية في دوسلدورف وبرلين وأنه تدرب على استخدام السلاح في قواعد «القاعدة» في أفغانستان وكان لفترة وجيزة حارسا شخصيا لأسامة بن لادن.

بنهاية محاكمة شادي عبدالله، انتهت واحدة من أهم المحاكمات المتعلقة بهجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 على الولايات المتحدة. لكن السرد الطويل الذي قدمه القاضي حين شرع في شرح قرار المحكمة، واجهه شادي عبدالله بهزة رأس واحدة علامة الرضى على الحكم المخفف الذي صدر ضده. بيد أن الاتهامات التي وجهها المدعي الفيدرالي العام إلى شادي عبدالله خطيرة وتكفي عادة لحصوله على عقوبة السجن لا تقل عن عشرة أعوام، إلا أن عقوبة الحبس أربعة أعوام سببها تعاونه مع المحققين واستعداده لفضح رفاقه وتقديم معلومات عن طبيعة عمل الأصوليين في ألمانيا. ويعتبر شادي عبدالله شاهدا «من الذهب» بالنسبة إلى المدعي الفيدرالي العام الذي قرر أن يستعين به كشاهد في المحاكمات المقبلة. وتشير بيانات مكتب المدعي الفيدرالي العام إلى وجود مئة عملية تحقيق ضد أصوليين في ألمانيا يعتقد في النهاية أن عشرين منهم على الأقل سيحالوا إلى المحاكمة في القريب.

احتاج شادي عبدالله إلى عشر دقائق فقط للتفكير بقبوله أو رفضه الحكم الصادر ضده قبل أن يختار قبول الحكم والامتناع عن استئنافه. ثم صافح محاميه روديغر ديكرز واختفى مع رجال مكتب الجنايات الفيدرالي الذين كانوا يخفون أسلحتهم تحت ستراتهم وغادروا القاعة التي بنيت خصيصا لهذه المحاكمة وكأن الإرهابي كارلوس في قفص الاتهام وليس شادي عبدالله المثير للجدل. بعد أقل من ساعة عاد شادي عبدالله إلى المكان الذي سيقضي فيه العقوبة داخل سجن كولون/ أوسيندورف الذي وصله في سيارة فخمة مجهزة ضد الرصاص وداخل هذا السجن يعرف شادي عبدالله بالسجين فوق العادة ويتمتع بحماية الدولة الألمانية داخل السجن أيضا.

لن يحصل شادي عبدالله على حياة عادية داخل السجن ولاحقا، خارجه. فهذا الشاب الذي يقول المدعي الفيدرالي العام إن قيمته مثل قيمة ورقة يانصيب رابحة، عبارة عن وزة تبيض ذهبا وورقة رابحة بأيدي المحققين الألمان نظرا إلى أهمية الشهادات التي أدلى بها ضد رفاقه واستعداده للتسبب في إدانتهم عند بدء محاكمتهم. لأول مرة استطاع المحققون الألمان الحصول على معلومات تتحدث عن طبيعة عمل وتفكير الأصوليين داخل منظمة «القاعدة» وقام بسرد قصة حياته بين الأصوليين، معتبرا أنها مرحلة قاتمة في حياته وأنه قرر التوبة. لكن الألمان يريدون الاحتفاظ به حتى في المستقبل ولذلك من المستبعد أن يغادر شادي عبدالله ألمانيا على رغم أن القانون الألماني ينص على إبعاد المجرمين الأجانب بعد نهاية مدة الحبس لأن حياة شادي عبدالله ستظل عرضة للخطر. ما يزيد على ثلاثين جلسة أمضاها المحققون مع شادي حدثهم فيها عن كل ما يريدون معرفته عن منظمة «القاعدة» وتنظيم «التوحيد» وهكذا أصبح اليوم أكبر عدو للمنظمتين لأنه ارتكب الخيانة العظمى بحقهما ويواجه خطر الموت الأمر الذي سيشجعه لاحقا على طلب اللجوء السياسي لألمانيا والعيش متخفيا في مكان مجهول وبالتأكيد تحت حماية الدولة الألمانية.

الدور المتميز لشادي عبدالله كان واضحا حتى في اليوم الأخير للمحاكمة، وهذه المرة عبّر عنه القاضي إذ نوه بالاعترافات المهمة التي قدمها شادي عبدالله والدور المعول عليه في محاكمات الإرهابيين، الأمر الذي جعل المحكمة تأخذ دوره في الاعتبار ومنحته عقوبة مخففة. وكان المدعي الفيدرالي العام طلب عقوبة الحبس مدة خمسة أعوام وهي الخطوة التي فهمتها المحكمة أن الادعاء العام يشاطرها الرأي بضرورة مكافأة شادي عبدالله ومنحه عقوبة مخففة في إطار صفقة ثلاثية بين المتهم والمدعي الفيدرالي العام والمحكمة حتى أن محامي الدفاع أشاد بقرار الحكم، لكنه طلب مواصلة حماية موكله في المستقبل أيضا.

المؤكد لمحامي الدفاع أن شادي عبدالله في خطر دائم. وقال إنه خلال وجود موكله في سجن كولون تمت محاولة من قبل إسلاميين متطرفين للاتصال به. لم يرغب المحامي في الكشف عن تفاصيل أخرى لكن كانت هناك محاولات لتهديد موكله. وأكد مكتب الجنايات الفيدرالي أقوال المحامي. وقال موظف في الجهاز: ذراع الأصوليين طويلة وحقدهم على شادي عبدالله كبير جدا ولهذا ربما ينبغي توفير الحماية مدى الحياة لشادي عبدالله. ويرى المحققون الألمان أن شادي عبدالله قد يتحول إلى رمز بالنسبة إلى الأشخاص الذين يفكرون في الانسحاب من التنظيمات الأصولية وتقديم معلومات مفيدة إلى أجهزة الأمن الألمانية. واستغل القاضي اليوم الأخير للمحاكمة لتصفية حساب مع الحكومة الألمانية وهذه خطوة غير عادية. فقد انتقد القاضي قرار الحكومة بإلغاء قانون «الشاهد الملك» في العام 1999 وكان هذا القانون يعفي الشاهد من العقوبة إذا قدم معلومات مفيدة عن رفاقه إلى المحكمة، وطالب القاضي بضرورة إعادة العمل بهذا القانون الذي كان بوسع شادي عبدالله أن يحصل على العفو لو كان مازال العمل به ساريا. وقال القاضي إن محاكمة شادي عبدالله توحي بمدى الحاجة إلى العمل بقانون «الشاهد الملك» لمحاربة الإرهاب الدولي - على حد قوله - لأن هذا يشجع البعض على الحصول على مخرج من فلك الأصولية والتطرف.

لا أحد يعرف حقيقة الاعترافات التي قدمها شادي عبدالله إلى المحققين عن الأصوليين في ألمانيا. وكتبت مجلة «دير شبيغل» قبل أشهر تقول إنها اعترافات تجمع بين الواقع والخيال وقصص ألف ليلة وليلة، لكن المدعي الفيدرالي العام يعتقد أن بوسعه الاستعانة بشادي عبدالله للإيقاع بعدد من الأصوليين الذين يستعد لإحالتهم إلى المحاكمة. أما المستقبل بالنسبة إلى شادي عبدالله فسيكون على النحو الآتي بحسب البرنامج المتبع من قبل مكتب الجنايات الفيدرالي: بعد عام ونصف العام سيخرج من السجن ويكون ساهم في الزج بآخرين وراء القضبان، لكن شادي عبدالله سيحصل على حياة جديدة من دون مواجهة خطر الإبعاد إلى الأردن، وحين يمثل كشاهد لن يراه أحد ولن يصوره أحد بل سيكتفي بالحديث وراء ستارة. وفي الحياة العامة سيحصل على هوية جديدة وسيرة ذاتية جديدة واسم وعنوان جديدين ومهنة جديدة وربما على وجه جديد... على نفقة الحكومة الألمانية طبعا

العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً