تعد التربية بكل ما تحمله من معاني احدى القضايا التي تورق الباحثين وألفت على غرارها الكثير من المجلدات والكتب، فهل التربية مسئولية الأسرة، أم أنها مسئولية مؤسسات المجتمع ككل، أم أنها مسئولية المدرسة؟
بلاشك في ان كل جانب من هذه الأطراف يشترك بجزء مهما كان هذا الجزء صغيرا أم كبيرا في التربية، ولعل الأسرة تعد البوتقة الأولى والإناء الأساسي الذي تتشكل به ومعه الأجيال... ولا يختلف اثنان على أن الأم هي اللاعب الأساسي في هذا الجانب، فهي الشخص الذي يراه الطفل ماثلا أمام ناظريه صبحا ومساء، هذا إذا ما استثنينا وجود المربية الأجنبية أو إهمال بعض الأمهات لأبنائهم، والأخير نادر الحدوث وإن وجد. أما الوالد فيعد القدوة الأولى للولد، فإذا كان الوالد سكيرا وزمارا أو غير ذلك فــ «الحب يطلع على بذره»...
وقد لخص الدين الحنيف الدور الذي يلعبه الوالد في كلمات قليلة حملت الكثير من المعاني التي وقف عندها الباحثون، هذه الكلمات هي ما قاله النبي (ص) في دور الوالد بأن يتركه سبعا، ويؤدبه سبعا ويصاحبه سبعا... وقد يتبادر إلى البعض بأن التأديب هو بالصرامة والعصي أو ما شابه ذلك، ولكن التأديب الذي قصده النبي هو بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة وإن كان ولابد فالتأديب غير الضار بالصحة ويكون في مواضع بعينها، فإن تجاوز التأديب الحد المعقول يكون الوالد محاسبا أمام يدي الله...
وبعد سنين يقضيها الطفل بين أهله يتوسع المحيط مع بداية نمو أظافره، وتدخل مؤسسات المجتمع في دائرة التربية، هذه المؤسسات التي كان لها الدور الكبير في السابق تراجع دورها بشكل ملحوظ، فمساجد الله التي يعمرها عباده الصالحون هجرت، وتحولت إلى مكان يكاد ينعدم دوره بعد أن كانت في عهد السابقين ملتقى للفكر والسياسة وكل ما يشغل الدولة.
وبعد سنين، لابد أن تترك المرحلة التي يمر بها كل طفل الأثر الكبير في شخصيته، فالمدرسة وما تحويه من مدرسين وإداريين وأصدقاء تصبح المحطة التالية. ولا نبالغ عندما نقول إن شخصيته مبنية على حياته في هذه المدرسة... فهل التربية في المدرسة مقصورة على المدرس، أم أنها مسئولية المرشد الاجتماعي، أم أنها مسئولية الإدارة المدرسية؟ طبعا إنها مسئولية الجميع، فبدءا بالمدرس الذي يصبح محط أنظار الطلبة، يقلدونه، يستمعون لتوجيهاته، ومن ثم إنها مسئولية الإدارة التي تكون على دراية بكل صغيرة وكبيرة، وتحافظ على الانضباط في المدرسة، ثم انها مسئولية المرشد في توجيهاته وتقويم سلوكيات الطلبة.
إن التربية هي ذلك النتاج الذي امتزج بالإنسان منذ صغره حتى كبره، ولا تتوقف التربية عند حد معين، وهي أمر يمكن أن يتغير معه سلوك الإنسان، فإذا كانت التربية صقلت شخصية فاشلة أو مهمشة الدور، من الممكن أن تمر على هذا الإنسان فترة يتعرض فيها لمؤثرات تربوية يكون لها الدورالكبير في إعادة تشكيل هذه الشخصية من السلب إلى الإيجاب
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 458 - الأحد 07 ديسمبر 2003م الموافق 12 شوال 1424هـ