العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ

هيمنة... أم مخططات للسيطرة؟!

ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من عالمنا

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

اسئلة كثيرة تثيرها احوال العالم ما بعد كل حركة اميركية يقودها الرئيس الاميركي بوش أو إدارته... فما بين العراق وافغانستان هناك طريق او ممر يوصل الى سورية وايران... او حكاية اخرى عما تريده من عالمنا المتعب اصلا... هيمنة ام مخططات للسيطرة هذا ما نحاول تحليله هنا.

فهل ما زال يشك احد اليوم بانفراد قوة واحدة وحيدة بحكم العالم والتحكم فيه وذلك بعد تقويض المعسكر الاشتراكي ونجاح الولايات المتحدة الاميركية في هدم النظام العالمي القديم الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية والذي كان يقوم على الاستقطاب الدولي من خلال الصراع والتنافس بين القوتين العظميين استنادا لتقاسمهما النفوذ في العالم بعد تلك الحرب مباشرة، وقد بدأت ملامح النظام العالمي الجديد تتشكل منذ انهيار جدار برلين في العام 1989 وحرب الخليج الثانية في بداية العام 1991 ولم يعد النظام العالمي الجديد تسمية او شعارا بل تحول الى فعل وقد كتب ديميترى سميموس في «النيويورك تايمز» في العام 1989 مقالا أكد فيه على الانتصارات والانجازات التي ستتحقق لاميركا بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والبدء بتشكيل النظام العالمي الجديد وذلك من خلال إمكان استخدام القوة العسكرية وصوغ عالم جديد وفق المفاهيم والمصالح الاميركية، ولذلك فإن التبشير بالحرب قد بدأ مبكرا باحتلال بنما في نهاية الثمانينات من قبل الولايات المتحدة الاميركية، ثم قيادة اميركا لقوى التحالف في مطلع التسعينات ضد العراق الذي وفر لاميركا المبرر للحرب من خلال احتلاله للكويت في العام 1990، وقد أصبح واضحا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة أن نظاما عالميا جديدا يقوم على قطب واحد يقف على قمة العالم إذ أصبحت الولايات المتحدة الاميركية القوة الوحيدة التي تسير العالم، وكما هو معروف فإن النفوذ هو حصيلة القوة وقد كانت القوة عبر التاريخ كما يعرفها ماكس ويبر بأنها الوسيلة الوحيدة التي تفرض فيها قوة عظمى إرادتها على الآخرين، ومع انه يشير الى ان الخطاب السياسي والاعلامي كثيرا ما يسعى الى استخدام ديباجات رقيقة ومنمقة ومضللة للتغطية على الأهداف الوحشية للقوة في تحقيق السيطرة عبر التفوق العسكري المستند الى الثروة عبر امتلاك الولايات المتحدة الاميركية لهذه الثروة وقد كان التخطيط والثراء والقوة العسكرية هي ركيزة التفوق الاميركي كما يقول صموئيل هنتجتون، ولذلك يمكن القول ان المخطط الاميركي لحكم العالم له جذور عميقة، وهو أبعد مما يقوله نائب وزير الدفاع الاميركي وولفو نيز بأنه مشروع القرن الاميركي الجديد إذ يؤكد: ان هذا الزمن من القوة العسكرية لاميركا والتي لا منافس لها وزمن الأمل السياسي والنفوذ الاقتصادي.

لكن هذا الزمن الاميركي كان حصيلة تخطيط واستراتيجية لم تبدأ في القرن الحالي لأنها سياسات رسمت وحددت قبل ان يبدأ القرن الماضي والذي احتاجت اميركا كل زمان القرن الماضي لتنفيذ مخططها على مراحل ووفق برامج ورؤى واضحة.

وبصرف النظر عما يجرى الاعلان عنه من قبل قوى العالم الكبرى، فلا بد من اختبار هل ما يحدث حقا هو تشكل وتشكيل لنظام عالمي جديد، وهي نقطة في غاية الأهمية، وهذا يعني ان حسابات الصغار من دول وشعوب وقوى لا قيمة لها في لحظات التحول الكبرى، فضلا عما يعلن عنه وما يقدم كأسباب مباشرة لخطوات هذا التحول من سياسية واقتصادية وعسكرية، لا قيمة له، وهو يتدرج في باب الاستهلاك اليومي للفكر والسياسة وهو لا يعنى كثيرا بالتدفق في التفاصيل او بأسبابها.

وبالاستقراء التاريخي للسياسة يقول المحلل السياسي لصحيفة «الدستور» الاردنية: فليس صحيحا ما يجرى تسويقه، والايهام به، من أن العالم لم يعرف نظاما عالميا بقطب واحد او بقوة مسيطرة واحدة.

والعالم الذي تعرف على نظامين عالميين خلال ما يقارب ثمانين عاما من تاريخه الحديث، وها هو يستعد للتعرف على ثالث، لم ينس بعد النظام العالمي الأول عصبه الأمم 1920 وكيف انهارت وانتقل العالم الى النظام العالمي الثاني (هيئة الأمم المتحدة 1945) التي تستعد للانهيار، بافتراق الطرق بين كبارها.

وعصبة الأمم التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى بغرض ضمان السلم العالمي(!) ومنع الحروب (!) وتأكيد وتنظيم التعاون الدولي، كانت هذه العصبة هي أول محاولة جدية لاقامة منظمة عالمية لتشكيل نظام عالمي جديد.

ومن المفارقات في تاريخ هذا النظام العالمي الأول ان عصبة الامم جاءت تحقيقا للبند الرابع عشر من المبادئ التي دعا لها الرئيس الاميركي (ويلسون) في أعقاب الحرب الأولى 1918 أما المفارقة فهي ان الولايات المتحدة لم تشترك في هذه العصبة إذ اعترض الكونغرس (بغالبيته الجمهورية) على طلب الرئيس ويلسون الديمقراطي ورغم عدم اشتراك الولايات المتحدة في العصبة فقد تشكلت من عدد من دول الحلفاء باعتبارهم أعضاء مؤسسين ثم توالى الأخرون بعد ذلك.

ولا تختلف عصبة الأمم كثيرا في مبادئها ومؤسساتها (كنظام عالمي أول 1920) عن مبادئ ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة كنظام عالمي ثان 1945 إلا في القوى الكبرى المشاركة في مجلس العصبة آنذاك الذي كان يتألف من 9 أعضاء منهم خمسة دائمين كانوا يمثلون دول الحلفاء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا واليابان ثم ضمت إليهم ألمانيا بالاضافة الى أربع دول تنتخبهم الجمعية العامة ثم ارتفع اعضاء المجلس الى 15 عضوا.

وبالتدقيق قليلا فإن ما تغير في انتقال مجلس عصبة الأمم الى مجلس الأمن الدولي هو استبدال الولايات المتحدة وحصولها على العضوية الدائمة في مجلس الأمن بدلا من ثلاث دول هي إيطاليا (الفاشية) وألمانيا (النازية).

واليابان وإضافة للصين كعضو دائم كان هذا أحد نتائج الحرب العالمية الثانية وأسبابها في آن معا.

وفي سياق الأهداف والمبادئ فإن أهم الوسائل التي عنيت بها العصبة هي: تخفيض التسليح الى الحد الذي يقتضي مع مقتضيات أمن كل دولة وفض المنازعات التي تنشب بين الاعضاء بالطرق السلمية كوسيلة لمنع الحرب مع فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية في حال قيام دولة بعمل عدواني.

اما سياسيا فان أهم ما قامت به العصبة فهو وضع نظام الانتدابات وأشرفت على تنفيذه باعتباره خطوة نحو استقلال المستعمرات والشعوب المتخلفة كما عنيت بمسائل الأقليات والجنسيات.

المهم ان النظام العالمي الأول كان برأس واحد وبقوة عظمى هي الامبراطورية البريطانية، التي لعبت الدور الرئيس في توجيه سياستها، إذ كانت تدفع النصيب الأكبر من نفقات العصبة (2 مليون جنيه سنويا).

وربما كان من المهم هنا ملاحظة ان النظام العالمي الأول بالرأس الواحد لم يصمد أكثر من عشرين عاما، ولعل شكل بنائه وتاريخ تصدعه تسببا بالكثير من المخاوف التي تسيطر على الكثير من القوى الكبرى في عالم اليوم وهم يمانعون في الطريقة الاميركية للانتقال الى عالم جديد ثالث.

أما النظام العالمي الثاني الجديد يؤكد محلل الدستور السياسي- فقد بدأ التفكير به أثناء احتدام الحرب العالمية الثانية، وارتبط إعلان الأمم المتحدة الذي أصدره ممثلو دول الحلفاء في 1 يناير/ كانون الثاني باميركا وارتبط صوغه باسم الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1943 أعلن وزراء خارجية دول منظمة الحلفاء الاربعة على اثر مؤتمر موسكو الاتفاق على قيام منظمة دولية بهذا الاسم، والتي توجت في النهاية بمؤتمر (سان فرانسيسكو) 1945 والذي كان المشاركون فيه كلهم من دول الحلفاء وأنصارهم وهي التي أقرت ميثاق الأمم للمنظمة الدولية وبدأ مجلس الأمن بـ 11 عضوا ارتفعوا الى 15 وبقي الدائمون في هذا المجلس 5 أعضاء.

ومن مفارقات هذين النظامين العالميين، ان دولة العراق كانت مشاركة فيهما، في حين أن الولايات المتحدة لم تشارك الا في النظام العالمي الثاني ومنها ايضا ان فكرة النظامين وأساسهما ومبادئهما هي فكرة الولايات المتحدة رغم عدم مشاركتها في النظام الأول.

ولعل أطرف ما يمكن ذكره هنا هو أن اللغات الرسمية التي أقرت عند التأسيس في هيئة الأمم المتحدة كانت: الانجليزية والفرنسية والروسية والصينية والاسبانية وهي لغة أجزاء كبيرة من أوروبا وبعض مناطق الولايات المتحدة ومعظم أقطار قارة أميركا اللاتينية وهذه اللغات هي لغات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن!؟

ومن القضايا الكبرى التي أثيرت في الدورات العادية والاستثنائية للجمعية العامة وقد اشترك في أكثرها مجلس الأمن هي: قضية كشمير بين الهند وباكستان والحرب في كوريا والنزاع العربي الاسرائيلي وقضية قبرص والكونغو الإفريقية وقضية نزع السلاح...

ومن دون جهد كبير يمكن ملاحظة ان هذه القضايا هي القضايا التي ما زالت عالقة الى اليوم، والتي جرى على مدى السنوات القليلة الماضية رفع درجة غليانها في ملاحظة لا تخفى على نابه.

لم يكن هذا درسا في التاريخ بقدر ما هو محاولة لاستحضار الملامح السياسية لنظامين عالميين ما يزال أحدهما قائما يجرى الاعداد لهدمه وبناء آخر. قصد منه استحضار الحقائق المادية على الأرض كي لا تطغى العواطف والانفعالات على البصر في رؤية ما يحدث.

بقي أن نشير هنا الى أن الولايات المتحدة وخلال الثمانين عاما الماضية بقيت تطبق سياسة الانعزال التي تقوم على مبدأ مونرو إذ بقيت بمعزل عن حوادث العالم القديم حتى الحرب العالمية الأولى، إذ اشتركت الى جانب الحلفاء، ووضعت عبر رئيسها مبادىء عصبة الأمم ولم تشترك بها حقا أما السؤال هنا فهو: هل أخرجت الولايات من محيطات عزلتها؟ أم أنها خرجت بمحض إرادتها لصوغ نظام عالمي جديد ثالث؟، سيما والرئيس بوش لا يفتأ يكرر القول: إن الولايات المتحدة لم تعد آمنة، ولم تعد المحيطات تحميها في عزلتها البعيدة.

اما المحلل السياسي الاردني راكان المجالي فيرى المسألة متعلقة بما تقدمه الادارة الاميركية من مبادرات اكثرها وما اقل الانجازات وما اكثر الاقوال في ظل انعدام الافعال والعجز عن البدء في اية خطوة عملية على طريق الالف ميل لحل مشكلات المنطقة وفي مقدمتها القضية المزمنة التي لم تقترب الارادات الاقليمية والدولية من حلها حتى اليوم.

آخر المبادرات وربما اكبرها المبادرة الجديدة التي تبشر بها الادارة الاميركية والتي من المنتظر ان يطلقها الرئيس جورج بوش قريبا وهي المبادرة التي ابلغتها مستشارة الرئيس الاميركي لشئون الامن القومي لنظرائها الاوروبيين اثناء الزيارة الاخيرة للرئيس جورج بوش إلى بريطانيا إذ التقت مع المسئولين الاوروبيين الذين استدعتهم لاطلاعهم على خريطة الطريق للتغيير من اقصى المغرب الى اقصى المشرق.

والمفارقة ان خريطة الطريق التي تشمل كل المنطقة تلغي خريطة الطريق الخاصة بحل القضية الفلسطينية، وعندما سئلت مستشارة الامن القومي اين تضع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في اطار هذه المبادرة قالت: إن هذا الصراع مجرد اسطورة تستخدمها انظمة المنطقة كذريعة للاحجام عن الاصلاحات السياسية ولو كانت هذه الانظمة تعلق اهمية على حل الصراع لكانت ساعدت الفلسطينيين، وضربت على ذلك مثلا كون بعض الدول العربية توقفت منذ فترة طويلة عن تقديم اية مساعدة للفلسطينيين من خلال الجامعة العربية. وحسب ما اوردته جريدة «الحياة» فان احد المستشارين الاوروبيين قال لرايس ان الصراع قد يكون اسطوريا ولكن هنالك واقعا على الارض بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي ربما تستخدمه الانظمة العربية الا انه لا ينبغي وجود ظلم للفلسطينيين ينبغي ان يعالج.

وكان رد رايس على كل التساؤلات واضحا إذ قالت: ان اولوية الولايات المتحدة الآن هي لتحويل الشرق الاوسط الى ديمقراطيات وعبر فتح مكاتب للناتو في عواصم المنطقة لتتولى نشر هذه المبادرة.

وقد يكون كلام رايس هو سيناريو من جملة سيناريوهات او ربما كان بالون اختبار او قنبلة دخانية للتغطية على مخططات عسكرية او ضغوط سياسية. لكن ما يعنينا اكثر هو النظرة الاميركية إلى القضية الفلسطينية التي تبدو اما انها مؤجلة الى ما شاء الله أو ان حلها هو تحصيل حاصل عندما تنجح الولايات المتحدة في تطبيق خريطة الطريق التي تتحقق من خلالها الديمقراطية لكل الدول في المنطقة، وهو امر بعيد المنال اذا لم يكن مستحيلا، وربما يكون هذا الحلم او الوهم اسطورة بينما الصراع العربي الاسرائيلي هو الحقيقة المرة التي لا يستطيع احد تجاهلها، وهذه الحقيقة ركيزة كل الخيارات والمشروعات للتغيير في المنطقة وحتى الولايات المتحدة الاميركية تدرك بعمق ان خريطة الطريق الفلسطينية هي مفتاح الحل الذي يفتح الباب امام كل الخرائط التي تشمل الجميع .

وكأن الحال السياسي العربي الراهن في المنظور العالمي على صلة بما تكنه السياسة الاميركية من مخططات ومبادرات واهوال قد تدخلها دول المنطقة من دون أي تحذير مسبق حتى لشعوبها

العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً