على رغم التعديلات التي أجرتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية على قانون العمل الأهلي فإن ثغرات كثيرة لاتزال تعتري مشروع قانون العمل الأهلي الذي يتهمه العمال بأنه جاء إرضاء لأصحاب الأعمال على حسابهم، وأنه قانون يستهدف الحد من حقوقهم وسلب حريتهم العمالية والنقابية بعد أن قلص مشروع القانون حق العمال في الإضراب وأعطى أصحاب الأعمال فرصا أوسع لتوقيع العقوبات على العمال.
ومن الواضح أنه استهدف امتصاص الحماس والحركة العمالية القوية في هذه الفترة لحين الانتهاء من مناقشة التعديلات التي تم إدخالها على القانون، وكذلك النظر في ما قد يصل إليه المؤتمر العام لاتحاد النقابات العمالية في البحرين والمزمع إقامته في منتصف شهر يناير/ كانون الأول.
بينما يرى الجانب الحكومي أن مسودة القانون الجديدة لا يوجد بها أي تغليب لمصالح أي طرف من الأطراف على الطرف الآخر والقانون رقم 23 لسنة 1976 المطبق حاليا عفا عليه الزمن وأصبح غير صالح للتطبيق في المرحلة الحالية... والحكومة هي الحكم العدل في المنازعات التي تنشأ بين العمال وأصحاب الأعمال، من خلال تشكيل هيئة تحكيم مكونة من قضاة وممثلين من العمال وأصحاب الأعمال.
ويرى بعض النقابيين أن الجهات الحكومية بدأت في إدخال بعض التعديلات على بعض مواد القانون التي تمت مراجعتها في مجلس الوزراء وذلك بهدف إحكام سيطرة الحكومة على جميع الأنشطة العمالية بما فيها حق الإضراب الذي يكفله القانون للعمال إذ تسعى الحكومة إلى تقييد حق الإضراب من خلال ضرورة حصول العمال قبل تنظيم الإضراب على موافقة ثلثي أعضاء مجلس إدارة النقابة العامة التي يتبعها العمال وهو أمر يكاد يكون من المستحيل تحقيقه نظرا إلى الحال السيئة التي يمر بها التنظيم النقابي بسبب حداثته وخوفه من ردات فعل أصحاب العمل من فصل تعسفي أو تهديد أو توقيف الترقيات والعلاوات... إلخ.
من الواضح أن محاولات الجهات الرسمية الجادة قد نجحت في التقليص من أهمية الإضراب ودمجه في باب واحد مع الإغلاق الذي «يجوز لصاحب العمل - لضروريات اقتصادية - إغلاق المنشأة كليا أو جزئيا أو تقليص حجم نشاطها بما قد يمس حجم العمالة بها»، كما أفردت بابا خاصا بالتسوية الودية والوساطة والتحكيم في باب واحد يطلق عليه منازعات العمل الجماعية كما أبدت مسودة المشروع، واشترط القانون «إخطار صاحب العمل بعزم العمال على التوقف عن العمل قبلها بخمسة عشر يوما على الأقل، كما انه يترتب على الإضراب وقف عقد العمل، ولا ينهيه إلا في حال الخطأ الجسيم» وهو إجراء يهدف إلى تفريغ حق الإضراب من مضمونه وجعله إجراء شكليا فقط. وقد تعالت بعض الأصوات التي اقترحت حصر أسباب الإضراب في سببين فقط هما عدم الحصول على الأجر المتفق عليه وإخلال صاحب المنشأة بالسلامة والصحة المهنية وهو ما يخالف الاتفاق الدولي الخاص بالحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه الأصوات لم تلاق أي قبول من المشرع.
كما أنه من اخطر الأمور التي نص عليها القانون هي التصريح لصاحب العمل بفصل العامل في حال «عدم مراعاة الضوابط الخاصة بممارسة حق الإضراب المنصوص عليها في القانون»، والتي اعتبرها القانون من الأخطاء الجسيمة التي يقوم بها العامل في حق المنشأة.
أما التعديل الأكثر خطورة في مسودة قانون العمل الأهلي فهو التعديل الذي أدخله المشرع على المادة 184 من الفصل الخامس المتعلق بالإضراب والإغلاق وخصوصا بحظر القيام بالإضراب في المنشآت الحيوية إذ منح المشرع لرئيس الوزراء الحق في تحديد هذه المنشآت، معللا ذلك بأن «الإضراب قد يترتب عليه إخلال بالأمن الوطني أو اضطراب في سير الحياة اليومية للمواطنين»، وهو الأمر الذي يعني تقويض حق العمال في الإضراب بالكامل.
وتتكون مسودة قانون العمل الأهلية في صورته الحالية من 227 مادة وتقع في 18 بابا تضم فصلين في الباب الأول ويتكون من 9 مواد تتناول التعاريف والأحكام العامة أما الباب الثاني فيتناول تنظيم عمل الأجانب ويتكون من 4 مواد، كما تتناول مسودة المشروع التشغيل وتنظيم العمال في الداخل والخارج وعقد العمل الفردي والأجور والاجازات وواجبات العمال ومساءلتهم والتحقيق مع العمال وتنظيم العمل وساعات العمل وفترات الراحة وتشغيل النساء وتشغيل الأطفال وانقضاء علاقة العمل.
ومن الملاحظ أن الحكومة جاملت أصحاب الأعمال بصورة مبالغ فيها وخصوصا في المواد الخاصة بالتحقيق مع العمال ومساءلتهم إذ تشددت معهم بصورة واضحة حين وضعت لهم 12 واجبا ينبغي تنفيذها بدقة وحظرت عليهم القيام بخمس محظورات حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون وفي الوقت نفسه يمكن أن يتعرض العامل لحوالي 7 جزاءات تأديبية تبدأ بالإنذار وتنتهي بالفصل النهائي من الخدمة مرورا بالغرامة والوقف عن العمل والحرمان من العلاوة السنوية أو جزء منها وتأجيل الترقية لمدة لا تزيد على سنة والإنذار الكتابي بالفصل، كما تضمنت المادة 102 من القانون 10 أسباب تجيز فصل العامل من الخدمة وهي اذا انتحل العامل شخصية الغير أو قدم اوراقا مزورة واذا ارتكب خطأ نتجت عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل بشرط أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال 24 ساعة من وقت علمه بوقوعه، واذا تكرر منه عدم مراعاة التعليمات اللازم اتباعها لسلامة العمال والمنشأة على رغم إنذاره كتابيا، واذا تغيب من دون مبرر مشروع أكثر من 20 يوما متقطعة، واذا أفشى أسرار المنشأة التي يعمل فيها واذا حكم على العامل نهائيا في جناية او جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، وإذا وجد اثناء العمل في حال سكر بينِّ أو متأثرا بما تعاطاه من مادة مخدرة، أو ارتكب عملا مخلا بالاداب في أماكن العمل واذا اعتدى على صاحب العمل، أو أحد المسئولين، بالإضافة إلى إخلال العامل بأحد الالتزامات الجوهرية التي يرتبها عقد العمل، والأهم من كل ذلك هو «عدم مراعاة الضوابط الخاصة بممارسة حق الإضراب المنصوص عليها في القانون».
ويتناول الباب الرابع من مسودة القانون التدريب المهني وذلك من المادة 25 إلى المادة 28 في حين يتناول الباب الخامس عشر علاقات العمل الجماعية التي قسمها إلى خمسة فصول أولها التعاون والتشاور والمفاوضة الجماعية وعقود العمل الجماعية والتسوية الودية والتحكيم للمنازعات وأخيرا الإضراب والإغلاق.
ويعد الفصل الخامس من الباب 15 من مسودة القانون أحد أهم المناطق الشائكة في قانون العمل الأهلي لأنه بحسب آخر صيغة للقانون يتناول الإضراب والإغلاق وقد تكفل القائمون على صوغ القانون بتقييد حق العمال في الإضراب بكل ما أوتوا من قوة لأنهم حتموا ضرورة موافقة ثلثي أعضاء مجلس النقابة من أجل تنظيم الإضراب بحسب نص المادة 184 أما المادة 185 فهي تجبر الطرفين المتنازعين على اللجوء إلى التحكيم في المنازعات الجماعية التي تقع في المنشأة الحيوية، بعد فشل التسوية الودية بين العمال وصاحب العمل، أما الفقرة (د) من المادة 184 فتحظر الإضراب في المنشآت الحيوية التي يصدر بتجديدها قرار من رئيس الوزراء وهو التفاف واضح لتفريغ القانون من محتواه ومضمونه في هذه النقطة لأنه كان من الضروري تحديد هذه المنشآت في نص القانون.
وفي المقابل منح المشروع أصحاب الأعمال سلاحا قويا لمواجهة احتجاجات واضرابات العمال وهو حقهم في إغلاق المنشأة لأسباب وظروف اقتصادية معينة وكذلك منحهم حق تقليص حجم ونشاط المؤسسة لظروف اقتصادية في حين تتناول باقي مواد القانون من المادة 194 حتى المادة 209 السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل والتفتيش والعقوبات والضبطية القضائية.
وعلى رغم كل هذه الثقوب والثغرات التي تضمنتها مسودة قانون العمل الأهلي سواء بقصد أو من دون قصد من المشرع فإن المسئولين عن القطاعات العمالية يتباهون بأنه من أفضل قوانين العمل ويقولون إن منظمات دولية مهتمة بشئون العمل والعمال أثنت على هذا القانون، مشيرين إلى أن قانون العمل الأهلي قانون نموذجي. ويرى البعض أن قانون العمل بصورته الحالية يعتبر محايدا للغاية ولم يجامل رجال الأعمال على حساب العمال لأن استقرار العلاقات الإنتاجية أساسه الاستقرار والتوازن في العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال مشيرين إلى أن هذا القانون استحدث عدة أمور أبرزها إنشاء مجلس للأجور يختص بوضع حد أدنى للأجور على المستوى الوطني، على أن يكون هناك نوع من التوازن بين الأجور والأسعار كما سمح القانون لشركات إلحاق العمالة بممارسة نشاط التشغيل في سوق العمل الداخلية وكذلك أعطى لمفتشي العمل حق الضبطية القضائية بالنسبة إلى الأمور التي تتعلق بالصحة والسلامة المهنية.
بينما يرى بعض النقابيين أن مسودة القانون في صورته الحالية جيدة وتحقق الحد الأدنى من مطالب العمال مشيرين إلى انهم لا يؤمنون بالصدام الذي لا يحقق أية مصالح للعمال لكنه بالتفاوض المستمر على طريقتهم الخاصة التي يطلقون عليها طريقة «طرق الأبواب المغلقة» إذ إنهم يؤكدون أن هذه الطريقة ناجحة في هذه الفترة من خلال الحوار المستمر والمتواصل مع المسئولين
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ