العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ

ما بعد «أبوالعيش»: الخير في ما وقع

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مع كل السلبيات التي صاحبت ما حدث لمنع عرض مسرحية «ابوالعيش»، فان الهزة التي أحدثتها داخل صفوف جمعية «الوفاق» أكملت الآثار «الايجابية» للهزات المتتالية داخل الجمعية. فمنذ عدة شهور والحوارات داخل الوفاق كانت في اتجاه واحد ويسيطر عليه فريق المتشددين، ولكن، وبعد عدة حوادث فان فريق المعتدلين الذي كان خائفا من التعبير عن نفسه بدأ في الظهور الى العلن.

وعودا الى ما حدث قبل المسرحية، فإن الاجتماع التشاوري الذي جمع أنصار «الوفاق» في سترة قبل فترة وجيزة كان مفاجأة لعدد من المراقبين. ففي ذلك الاجتماع، دون خوف، وقف احد المتحدثين ليطالب بالمشاركة في الحياة النيابية. والمتحدث حصل على من يؤيده وكانت هناك ردود عقلانية في اطار الحوار. لم يحدث هذا الامر فحسب، بل إن الغريب كان ما حدث لاحقا. ففي تصريحات لرموز الوفاق ورد توجيه وارشاد ورجاء لاعضاء الوفاق بعدم إسقاط هذا المرشح او ترفيع المرشح الآخر على أساس موقفه من المقاطعة والمشاركة. وهذه الدعوة لتحييد النقاش بشأن هذا الموضوع يعتبر تحولا جذريا داخل صفوف الوفاق وخصوصا انه صدر اساسا ممن يدعو إلى المقاطعة. وبعد تلك التصريحات تحركت الحوارات داخل الوفاق مرة اخرى من دون خوف مما كان يحدث قبل أشهر من تقاذف الاتهامات على اي شخص «تسوِّل» له نفسه النطق بكلمة تخالف الرأي المتشدد.

ثم جاءت مسرحية «أبوالعيش» فوجد كثير من قياديي الوفاق انهم أُقحموا في معركة لم يريدوها، واتضح ان الكثير لم يكن يعلم حتى بنص المسرحية على رغم أن الحوادث وصلت إلى مرحلة حرجة. الهزة كانت داخل الوفاق اكثر منها داخل المجتمع، وبعد إلغاء الدعوى بتوجيه ملكي، استرجع عدد غير قليل من العقلاء انفاسهم ليتساءلوا: كيف تدار الامور؟ ولماذا يُسمح لها بالانفلات وتجر القضايا الواحدة تلو الاخرى الى حافة خطيرة...؟

أسئلة اخرى بدأت تُطرح داخل الوفاق بشأن ممارسات سبقت مسرحية أبوالعيش، واتضح أن اكثرية اعضاء مجلس الادارة لم يكونوا على اطلاع بها. فقد كانت هناك مواقف وتصريحات شديدة من هذا الامر أو ذاك وحدثت باسم الوفاق، ولكن ادارة الوفاق لم تكن على علم بها. هذه الاسئلة لم تكن تُطرح فيما قبل لان الاعتقاد الذي ساد سابقا هو أن «كل شيء على ما يرام» وانه لا يوجد إلا «رأي واحد، كامل وشامل وفاصل»... الهزات المتتالية تكللت «بأبوالعيش» وبدأت الاسئلة الجادة تثار داخل الوفاق بشأن الاستراتيجية والضوابط. فاذا كانت المعارضة تطالب الحكومة بتوضيح استراتيجيتها وخطتها، فلماذا لا تفعل الوفاق ذلك؟ واذا كانت المعارضة تطالب بالشفافية والديمقراطية والسماح للرأي الآخر داخل البلد، فلماذا لا تفسح الوفاق المجال لذلك داخل صفوفها؟ واذا كانت المعارضة تطالب بمنع الارتجالية وتوزيع التهم المجانية عندما يحدث أمر ما، فلماذا لا تمنع الوفاق الارتجالية داخل صفوفها؟

هذه الاسئلة حركت القوى الاخرى التي كانت تخاف من طرح نفسها بصورة علانية، وأقنعت غالبية الفريق المتشدد بأنه آن الأوان لإصلاح الأمر قبل الندم فيما لو تُركت الامور تسير في مهب الرياح. فالشارع الذي ضحى كثيرا يستحق قيادة عقلانية تفكر بروية وبصورة متكاملة تجمع ولا تفرق، تحافظ على المكتسبات ولا تهدر الطاقات في الخلافات والصراعات.

«الخير في ما وقع»، والخير في تغليب العقل والسماح بالحوار الداخلي وتوفير مجال اوسع لتبادل الرأي على اساس المودة وبعيدا عن المراهقة والطفولية التي قد تزين الطريق بالحماس ولكنها تحرق المستقبل وما يوفره من فرص لمن يود ان يفتح عينيه قليلا ولا يغلقهما بالشعارات التي لم يوافق عليها الجميع منذ البداية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 457 - السبت 06 ديسمبر 2003م الموافق 11 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً