الديمقراطية في العالم العربي مازالت تعاني الغربة، ومازالت عصية الدمع شيمتها الصبر... متعثرة... الجميع يكرهها تارة لانها «مستوردة» وتارة لانها تزاحم الأحادية الضاربة في المؤسسات، أو لانها تزاحم السلطة في نزعتها الأبوية البطريركية. فكل شيء تريد ان تجعل عليه رقابة... وتريد ان تحد من سلطة الفرد ومن نرجسية المتنفذين.
هي فعلا كما قال تشرشل: على رغم بعض مساوئها فإنها أفضل الموجود.
كل شيء تحرِّم عليك السلطة تناوله، والكتب الممنوعة في عالمنا العربي (الديمقراطي) أكثر من المباحة فبإمكانك ان تقرأ لفرويد وتبحث وتشتري كتب الفلسفة ذات النزعة الابيقورية التي تقدس الشهوة والجنس ولكن ليس بامكانك ان تقرأ «سأخون وطني» لمحمد الماغوط، ولا كتاب «السلطان» لشاكر النابلسي، واياك ان تقترب من «مدن الملح» لمنيف، وحتى القصائد محرمة لانها تخرج على المألوف المشخصن، وتكسر عرف الحزب الحاكم فربما تزيدك تذمرا من ديمقراطية 99,99 والتسعة المفقودة نعجة عرجاء... وليس ذلك عيبا ان جاء المنع من السلطة فالنظام العربي نظام مطلق شمولي أوتوقراطي يلتقي في الديمقراطية في «الطاء» فقط، ولكن العيب في المثقفين وخصوصا ممن مازالوا يسبحون في عسل السلطة، ولعلةٍ يطيلون صلاتهم. فهم جمهوريون أكثر من الرئيس. ألم يخرج مثقفون على الرئيس حسني مبارك يطالبونه بتقليص جرعات الديمقراطية خوفا على الناس من ان يشرقوا بالحرية؟ فكتابات الوشاية وتجيير الاعمدة للنميمة السياسية اصبحت صفة ملازمة وعلامة بارزة لكثير من اصحاب الانتلجنسيا العربية.
قصائد مظفر النواب ممنوعة، قصائد مغضوب عليها لنزار قباني تصادر سراعا من مكاتبنا العربية.
وعلى ذكر نزار، فقد سعى الواشون إلى محاربة قصائده السياسية وخصوصا بعد نكسة 67 وبعد التحول في كتاباته «من شاعر يكتب بالحب والحنين، لشاعر يكتب بالسكين» فبعد هزيمة 67 كتب قصيدة «هوامش على دفتر النكسة» فهرول اصحاب المباخر والمباضع من المثقفين الى جمال عبدالناصر يحرضونه على الرجل ومنعت القصيدة ومنع الشاعر من الدخول الى مصر، لكنه بعث رسالة لعبدالناصر يوضح موقفه وحقه في التعبير فتفهم موقفه حتى انفرجت الازمة. وهاجمه نجيب محفوظ عندما كتب قصيدة «المهرولون»، اذ اطلق الرصاص من خلالها على كل المنبطحين لعملية «السلام»... انتقده نجيب محفوظ فرد عليه نزار «ظهر طفح ثقافي على جلد بعض المثقفين المصريين اسمه «كامب ديفيد» وكان استاذنا نجيب محفوظ احد المبدعين الكبار الذين ظهرت على كتاباتهم اعراض هذا الطفح» (المصدر: نزار وقصائد كانت ممنوعة، لنضال نصرالله).
الديمقراطية إذا لا تمثل ازعاجا للسلطة فقط بل حتى للمثقفين فهم لا يؤمنون بالنقد ومازالوا يدعون - ولو بالغمز واللمز - الى عودة الطوارئ، ويفضلون محاكم التفتيش والمحاكم العسكرية ومحاكم أمن الدولة على المحاكم المدنية... بعضهم لا يريد قضاء مستقلا... ابدا يريده موجها على رغم ان النظام العادل لا يمكن ان يكون عادلا الا بثلاثة شروط:
1- برلمان ذي رقابة.
2- قضاء مستقل.
3 - صحافة حرة.
وكل هذه تعد آليات للفوضى لهؤلاء وخصوصا لمن هم مسكونون بالتفسير التآمري. كان الاغريقيون يقولون: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، الا ان العرب الذين ستعلن وفاتهم بعد سؤال نزار بقصيدته «متى يعلنون وفاة العرب؟» كان جدهم ومثقفهم الكبير ابن هانئ الاندلسي يردد امام المعز لدين الله:
ما شئت لا ما شاءت الاقدار
فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما انت النبي محمد
وكأنما انصارك الانصار
يذكر النابلسي في كتابه «السلطان» ص 178 ان وزير الاعلام السوري مصطفى البارودي في عهد الوحدة المصرية السورية كان يقول لعبــــدالناصر: الله هو الناصــر، الله هو الــقاهر، وتلك هي ازمتنــا.
التضخم الذاتي - الذي يقود الى الشبق الذاتي - هو احدى ازماتنا المعاصرة، هو ازمة الكبار سواء كانوا شعبويين ام نخبويين.
والنـقد البنــــاء وعدم تأليـــــه الفرد، المؤسســـة، الوزارة، المجتــــمع اذ لا مقدســــات في الحوار والحقيقـــة بنـــت الحوار يقـــود الى وضــع افضــل
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 456 - الجمعة 05 ديسمبر 2003م الموافق 10 شوال 1424هـ