رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر يتحرك على برنامج مهم مؤجل منذ سبعين عاما وهو تسجيل بعض أراضي الأوقاف الجعفرية التي لم يستطع أحد تسجيلها إلى حد الآن. ففي عمل ذكّر المهتمين بالأمر بما قام به السيدعدنان الموسوي في العشرينات قام بدر بالإشراف شخصيا على جرد أراضي الأوقاف في منطقة واحدة وهي جزيرة النبيه صالح، وتم تخطيطها هندسيا وتقديم الوثائق والخريطة الملونة إلى جلالة الملك والمسئولين للبت فيها.
«خريطة بدر» تشبه «سجل السيدعدنان»، ولكن مع فارق الاستخدام المتطور للتكنولوجيا ومع فارق القدرة على حسم الأمور. فالسيدعدنان رحمه الله قام بعمله الكبير ولكن لم يتم تسجيل الأراضي بسبب تكاسل مسئولي الأوقاف آنذاك وانشغالهم بالخلافات الداخلية بينهم، وأيضا بسبب ممانعة بعض المسئولين تسجيل الأراضي.
أما الآن فإن مجلس بلدي العاصمة منتخب ويرأسه ناشط سياسي واجتماعي معروف عنه الحزم والعزيمة، وهو لم يكل أبدا منذ أن خاطبه أهالي النبيه صالح لحل المشكلة. فعندما وجد بدر أن المشكلة متعثرة على الجانب الرسمي ذهب مباشرة إلى جلالة الملك بوصفه أعلى سلطة في البلاد. وبحسب ما ورد عن لقاءات بدر مع جلالة الملك والمسئولين، فإن الحل لا يبدو مستبعدا هذه المرة. ومع الحل ستكون هناك فوائد جمة، سياسية واجتماعية.
فعلى الجانب الاجتماعي ستساعد الأراضي في إحياء مشروعات الإسكان ومساعدة فقراء ومحتاجي النبيه صالح الذين عاشوا مع الاراضي الموقوفة عشرات السنين ولم يستفيدوا منها، بل إن الذين استفادوا منها هم بعض المتنفذين الذين اقتطعوا الأرض أو استأجروها بثمن بخس يخجل المرء من ذكره. وهذا الثمن سيسجله التاريخ وسيمثل عارا على الذين يستخدمون أموالا عامة مخصصة للنفع العام من أجل نفعهم الخاص.
أما على الجانب السياسي فستتحقق عدة أمور في آن واحد. فمن جانب ستتعزز الثقة بين القيادة السياسية والشعب، وسيشعر أبناء النبيه صالح بأن القيادة غير راضية بالظلم وأنها تسعى إلى حله بصدق وجدية، وهذا سيشجع المجالس البلدية الأخرى على القيام بما قام به مرتضى بدر والمسارعة في تعزيز هذه الحال الإيجابية عبر حل مشكلة عضال ستبقى سببا للتشكيك وإثارة الغبار كلما ذُكرت وبقيت من دون حل.
الحل، عندما يتحقق - كما هو موعود - سيعزز القناعة بأن جلالة الملك كان ولايزال صاحب المبادرات التي تلبي طموح الشعب المشروعة، وأنه حريص قبل غيره على استرجاع الحقوق. فعدم تسجيل أراضي الأوقاف الجعفرية يعتبر من الفضائح الكبرى التي لو تكشفت أوراقها لتساقطت سمعة الكثيرين كما تتساقط أوراق الخريف. فالخسائر فادحة جدا بسبب الإهمال الكبير للمال الشرعي ولممتلكات الأوقاف، بل إن ما جرى خلال سبعين عاما يقدم لنا قصة عجيبة غريبة عن قدرة البعض ليس فقط على عدم الاكتراث بتسجيل الأراضي والممتلكات وإنما أيضا على هدر الثروات لما هو مسجل ومستحصل في اليد. تسجيل الأراضي سيساعد المخلصين في الأوقاف على إثبات إخلاصهم، وسيساعد على تقوية علاقتهم بالناس وبمن يود مساعدتهم على التغلب على الصعاب.
وعلى مستوى آخر فإن مرتضى بدر، وبصفته رمزا من رموز «الوفاق» سيدلل بشكل عملي لكل الوفاقيين أن العمل من داخل النظام أفاد البلاد والناس و«الوفاق». فتسجيل الأراضي التي لن يستفيد بدر شخصيا منها ولن تستفيد «الوفاق» منها سيعطي دافعا قويا لمن يودّ المشاركة في السياسة من خلال ما هو موجود، وسيعطي دليلا آخر على أن السياسة ليست لونا أسود أو لونا أبيض، وإنما هي ألوان متداخلة يغلب فيها هذا اللون أحيانا ويختفي أحيانا أخرى، مع ضبابية تنتشر دوما. وهذه الضبابية لا يمكن إزالتها عبر ترديد الشعارات الجميلة أكاديميا والبعيدة عن الواقع الذي يحتاج إلى من ينزل إليه قليلا.
حل جزء يسير جدا من الأوقاف هو حلحلة لعدة ملفات سياسية عالقة أيضا، وأملنا ألا يقف أحد من المسئولين عقبة أمام الحل الذي يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى في جزيرة النبيه صالح... وبعد ذلك نأمل أن تُحلّ جميع المشكلات المماثلة، وما من شيء على الله عسير، وما علينا إلا السعي والمثابرة، وعلى الله التوفيق
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 456 - الجمعة 05 ديسمبر 2003م الموافق 10 شوال 1424هـ