استمتعت مساء يوم الثلثاء الماضي بالورقة التي طرحها الأخ عبدالله جناحي في الملتقى الثقافي الأهلي عن الوحدة الوطنية «المعهد الديني الجعفري نموذجا»، وبالتأكيد أصابت الورقة الرؤى في أن إنشاء المعهد الديني الجعفري هو تكريس للتنافر الطائفي والتربية الطائفية، وفيه عدم توفيق من الحكم في إنشاء هذا المعهد، مقابل وجود المعهد الديني الذي لا يحمل تسمية المعهد الديني السني، وكأننا نقول ان المذهب الجعفري هو مذهب خارج عن الدين الإسلامي وهو دين مستقل بذاته، ولا أدري ما إذا كان الحكم يعي مثل هذه المسائل أم لا!
إن الواضح البين أن إنشاء المعهد الديني الجعفري جاء إرضاء للطائفيين من كلا المذهبين، فإذا كان المنتمون إلى المذهب الجعفري هم مسلمون وبالتأكيد هم مسلمون فعليهم أن يرفضوا إنشاء مثل هذا المعهد وعليهم الإصرار على أن يكون التعليم الديني تعليما موحدا، وعلى الحكومة ألا تستجيب للضغوطات الطائفية أيا كان مصدرها.
أعود إلى ورقة الأخ عبدالله جناحي وأقول إنها سلطت الضوء على جانب من المسألة، الحكومة طرف فيها نوجه اليها النقد البناء بما نراه لتعزيز الانتماء للوطن بدل الانتماء للطائفة، ولكن أعتقد أن جانبا مهما لم تتضمنه الورقة المطروحة، ولم يجر الحوار فيه، وهو مسئولية المجتمع المدني ومؤسساته في عدم تكريس الوعي الطائفي وتعزيز الانتماء للوطن، ويبدو أنه من السهل علينا أن نوجه النقد واللوم دائما إلى الحكم، ولكن من الصعب علينا أن نواجه الأمور التي نحن طرف فيها، ونتحرج من المواجهة الصريحة فيها.
يا ترى هل سألنا أنفسنا ما إذا كانت الجمعيات السياسية ذات التوجهات الإسلامية قيامها ونشئها يعزز الوحدة الوطنية أم هو نشوء يكرس الطائفية. إن الأمر الواضح لأي متتبع هو أن نشوء هذه الجمعيات مبني على الانتماء الطائفي قبل الانتماء الوطني، أي انها جمعيات تجعل الفرد يلجأ للاحتماء بطائفته بدل أن يلجأ للاحتماء بوطنه.
أن الأسوأ من نشوء جمعيات سياسية ذات نَفَسٍ طائفي هو نشوء جمعيات مجتمع مدني ذات نَفَسٍ، طائفي ما هو مبرر انبثاق جمعيات نسائية تابعة لجمعيات سياسية إسلامية العضوية فيها مقتصرة على منتميات لطائفة معينة! قد يكون هناك رد بأنه لا يوجد في شروط العضوية ما ينص على أن العضوية مقتصرة على أبناء طائفة معينة من دون سواها، وهو رد في ظاهره صحيح ولكن واقع الأمر هو عكس ذلك تماما. وفي هذا السياق أتذكر وقبل حوالي ثلاث سنوات قرأت في إحدى الصحف المحلية أن صندوقا خيريا في مدينة المحرق أقام حفلا تكريميا للمتفوقين دراسيا من أبناء وبنات هذه المدينة العريقة، وكان وقتها لديّ بنتان متفوقتان تتبؤان المراكز الأولى لم يشملهما هذا التكريم، وعندما قمت بالبحث والسؤال تبين لي أن هذا الصندوق خاص بالطائفة الجعفرية، ويبدو أن هذا التكريم اقتصر على المتفوقين والمتفوقات من أبناء الطائفة، وقد يكون الأمر تم في الصندوق الخيري الآخر الخاص بالطائفة السنية، ومع ذلك سررت لعدم تكريم البنتين من قبل أي من الصندوقين، إذ يبدو أننا بحاجة إلى صندوق آخر ينتمي للوطن وهذا غير موجود! إننا بحاجة إلى قانون يجرم التمييز الطائفي، قانون لا يسمح بقيام أية جمعيات مدنية تمارس نشاطها في اطار الطائفة ولخدمة أبناء الطائفة.
علينا أن نواجه أنفسنا ونصارح الآخرين ونقولها صراحة من دون مواربة ان نشوء الجمعيات السياسية الإسلامية هو مساهمة في نشوء أوضاع طائفية، وان نشوء جمعيات مجتمع مدني بروح طائفية هو تفتيت لوحدة أبناء هذا الوطن.
وبالمناسبة فإن التيار الوطني الديمقراطي هو وحده القادر على العمل بروح وطنية دونما تمييز طائفي أو عرقي أو إثني، شرط أن يكون صريحا مع نفسه وصريحا مع الآخرين
العدد 455 - الخميس 04 ديسمبر 2003م الموافق 09 شوال 1424هـ