العدد 455 - الخميس 04 ديسمبر 2003م الموافق 09 شوال 1424هـ

إذا لم تفلح في إثارة الخوف في نفوس الفلسطينيين فازرعه في نفوس الإسرائيليين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بعد عامين ونصف العام على الهزة التي أحدثها انتخاب بطل صبرا وشاتيلا أرييل شارون في منصب رئيس الحكومة في «إسرائيل»، تتحدث التقارير الصحافية الواردة من وأد الأزمات في الشرق الأوسط، عن تنامي مشاعر عدم الثقة بشارون وحكومته المتطرفة. وقد ثبت لكثير من الإسرائيليين الذين انتخبوا الجنرال السابق، فشله الواضح في تحقيق الوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية والتي كانت ذروتها زيارته الاستفزازية لحرم المسجد الأقصى في سبتمبر/ايلول العام 2000 وهي الخطوة التي تسببت بإشعال انتفاضة الأقصى، ثاني أكبر انتفاضة فلسطينية في مواجهة الاحتلال، والتي ما زالت مستمرة وكلفت الكثير من الدماء بين الجانبين. فقد فشل شارون في ضمان الأمن للإسرائيليين، والمؤكد أن «سور برلين» الجديد، لن يضمن الأمن المفقود في ظل السلام المفقود، بل عزل الفلسطينيين بهذه الصورة المهينة للإنسان الفلسطيني على أرضه، من شأنها أن تشجع على المقاومة في ظل السور الذي هو بصريح العبارة: ترسيم للحدود التي وضعتها حكومة شارون، للفصل بين المستوطنات غير المشروعة والمناطق الفلسطينية التي تحولها «إسرائيل» تدريجيا إلى جزر يتوه فيها المرء تحقيقا لهدفه بخلق واقع يحول دون قيام دولة مستقلة للفلسطينيين. كما فشل شارون في تحريك الاقتصاد الإسرائيلي من الجمود الذي زاده قيام الانتفاضة الثانية. إذا كانت هناك إجابة صريحة عند الإسرائيليين على السؤال عما حققه شارون منذ استلامه منصبه، فهذا ليس أكثر من مسعاه لتثبيت نفوذه في السلطة، ليس أكثر. ويلاحظ وزير العدل الإسرائيلي السابق جوسي بيلين الذي انشق أخيرا عن حزب العمل احتجاجا على تحالفه مع الليكود ضمن حكومة موسعة تحت زعامة البلدوزر، كما هو أحد المشاركين بوضع مبادرة جنيف الفلسطينية الإسرائيلية - لم يجر منذ عامين ونصف، أي منذ مجيء شارون إلى السلطة، أي اجتماع يخص عملية السلام، عوضا عن ذلك، اقتصرت المحادثات حول أمن «إسرائيل» وإزالة حواجز جيش الاحتلال التي يعتمد وجودها على المزاج السياسي للحكومة الإسرائيلية. بانتخاب الإسرائيليين أرييل شارون رئيسا للوزراء للمرة الثانية، عطلوا عملية السلام. هل يحتاج الإسرائيليون إلى ثقافة سياسية وأخلاقية؟

منذ أسبوع، تم توزيع مسودة ما يعرف بمبادرة جنيف للسلام على منازل المواطنين الإسرائيليين، وهي المبادرة التي استغرق إعدادها ثلاثة أعوام وترمي إلى وضع أسس صلح نهائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح تكون عاصمتها القدس الشرقية كما تخضع منطقة الحرم الأقصى لمراقبة دولية يسمح للعرب واليهود التجول فيها. لكن النقطة السوداء في مشروع جنيف، تخلي الفلسطينيين عن حق عودة اللاجئين باستثناء 30 ألف لاجئ. وفقا لآخر عملية استطلاع للرأي تؤيد نسبة 40 في المئة من الإسرائيليين هذا المشروع.

رد فعل الحكومة الإسرائيلية لم يكن غريبا، جاء متطرفا كالعادة عندما يتعلق الأمر بعملية السلام. منذ استلام شارون منصبه يستغل كل فرصة لقطع الطريق على اتفاق سلام. وقد جاء البلدوزر إلى السلطة دون أن يكون لديه تصور واحد واقعي بشأن السلام. على العكس من ذلك سعى إلى إقناع الإسرائيليين بضرورة استخدام سياسة القبضة الحديد ضد الفلسطينيين. يحكم شارون دون معارضة وهذا أسوأ ما يمكن حدوثه. لكن يلاحظ أن الأصوات المعارضة لشارون داخل «إسرائيل» بدأت تزداد. كل شيء بدأ بعد احتجاج مائة جندي إسرائيلي على العمليات العسكرية التي يتعين عليهم القيام بها في المناطق الفلسطينية، إذ يطلب منهم تصفية كوادر الفلسطينيين وتوفير الحماية للمستوطنين وتعريض حياتهم للخطر من أجل تنفيذ سياسة يرفضها القانون الدولي. وامتنع طيارون عن القيام بغارات وكان رد وزارة الدفاع تسريحهم من الجيش. في الغضون يزيد عدد أصوات المعارضين داخل «إسرائيل» وخارجها ويرى دبلوماسي ألماني رفيع المستوى أن السياسة التي يتبعها شارون ضد الفلسطينيين تسهم في إضعاف صدقية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش والحرب المناهضة للإرهاب التي يخوضها ويرى هذا الدبلوماسي أن الديمقراطية الإسرائيلية في خطر إذا واصلت تل أبيب التمسك بسياسة الاحتلال. ويشير الدبلوماسي الألماني إلى ضرورة حل النزاع المزمن بين الفلسطينيين و«إسرائيل» لأن استمرار النزاع يزيد الزيت على نار النزاعات المتعددة في «الشرق الأوسط» ووسط آسيا، وأعرب عن رأيه بأن يتنبه الأميركيون لنتائج استمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن أبرز هذه النتائج: منح الأصوليين الحجة والوسيلة لتحدي الغرب وتهديد مصالحه في البلدان العربية والإسلامية.

المعارضة ضد شارون ليس مصدرها حزب العمل الضعيف، بل هناك معارضة فريدة من نوعها، إذ لم يسبق أن حصل في «إسرائيل» واحتج أربعة من قادة أجهزة الأمن الذين عملوا سابقا في إدارة الموساد وشين بيت وغيرها، على سياسة رئيس الحكومة. هذه الخطوة التي أحدثت ضجة واسعة في «إسرائيل» بعد أن نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تصريحات لهم أشاروا فيها إلى مخاوفهم من تعرض «إسرائيل» إلى كارثة إذا أصر شارون على المضي باستخدام سيفه. ويجد افراهام بورغ رئيس الكنيسيت السابق التابع لحزب العمل علامات الخطر تهدد ما وصفه بمبادئ الصهيونية. واعترف بورغ أنه لم يعد يستطيع النوم لأنه يشعر أنه يحتل أرض الشعب الفلسطيني ويجد أن «إسرائيل» تتبع سياسة غير أخلاقية. يذهب البعض إلى أكثر حين يعربون عن توقعاتهم بأن تتحول «إسرائيل» إلى دولة عنصرية. وفقا لحسابات منظمات شرق أوسطية وعالمية سيزيد عدد السكان المسلمين في «إسرائيل» على عدد السكان اليهود بصورة ملفتة للنظر بحلول العام 2010 والنتيجة البديهية أن حلم مؤسس الدولة اليهودية تيودور هيرتزل سيواجه الفشل. إذا لم تنشأ دولة فلسطينية قبل العام 2010 سيشعر اليهود بأنهم اصبحوا أقلية أمام المسلمين وهكذا ينتهي الحلم الصهيوني الذي قام على أساس باطل

العدد 455 - الخميس 04 ديسمبر 2003م الموافق 09 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً