العدد 454 - الأربعاء 03 ديسمبر 2003م الموافق 08 شوال 1424هـ

نابليون... والإسلام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وعود كثيرة تعيشها المنطقة العربية إلى جانب تهديدات بشن حروب تقلب الأنظمة وتزعزع الاستقرار النسبي. وأين الحقيقة من كل ما نرى في المشهد الدولي؟ فهل المنطقة مقبلة على تغيير ديمقراطي - سلمي يحقق النمو والتطور أم هي تنتظر الكثير من الخراب والدمار أملا في وعود قيل إن واشنطن تفكر في تنفيذها لرفع مستوى الشعوب ودفعها نحو التقدم والتنمية؟

هناك الكثير من القراءات وكلها تصب في اتجاه واحد وهو عدم الثقة في ما يقال استنادا إلى تجارب تاريخية جلبت معها الجيوش (المستعمرة) إضافة إلى وعود كثيرة تبين أنها كاذبة. فالتجربة كما يقال أكبر برهان. ومن لا يستفيد من تجاربه هو مثل ذاك العالم الذي لا يستفيد من علومه. والعلم الذي لا ينفع كالجهالة التي لا تضر.

ماذا تقول التجارب التاريخية؟ فالجواب الزمني ربما يساعد على كشف خفايا كثيرة من تلك التصريحات التي تعلن عزم الولايات المتحدة على محاربة الفساد والدكتاتورية وتحقيق التنمية والديمقراطية ولو من طريق القوة.

لنأخذ غزو نابليون بونابرت لمصر كمثال يريد البعض أن يشبه به غزو جورج بوش للعراق. بونابرت (امبراطور فرنسا لاحقا) قام بحملة على مصر كما نعلم في العام 1798 - 1799 وردد آنذاك ما يردده بوش الآن بعد غزوه العراق 2003. قال بونابرت الكثير وذهب بعيدا في وعوده لمصر والشعوب المسلمة. تحدث عن الإسلام وقال إنه جاء إلى بلاد المسلمين لتطبيق الإسلام بعد أن انحرف المسلمون عن دينهم. وتحدث عن أن فرنسا (المسيحية) نجحت في تطبيق الإسلام من دون مسلمين وهو يريد إعادة التجربة (الفرنسية) في بلاد يفترض فيها أنها النموذج في تطبيق الإسلام. وقيل عن نابليون ونقل عنه الكثير من الأحاديث السرية والشفوية فذكر مثلا أنه اعتنق الإسلام، وذكر أيضا أن مجلسه يغلب عليه الطابع الإسلامي وأن الكثيرين من مستشاريه اعتنقوا الدين الإسلامي. وحتى الآن لاتزال تلك «الأخبار» المنقولة والمسموعة تتردد في كتب التاريخ والمصنفات والوثائق التي تتحدث تارة عن إسلام نابليون وطورا عن إسلام أبرز قادة حملته.

بونابرت آنذاك لم يكن مسلما ولا داعية للإسلام، فهو مجرد قائد حملة عسكرية مغامرة أراد منها السيطرة على طرف المواصلات التجارية البحرية - البرية والتحكم بالمعابر الاستراتيجية التي تمر بها القوافل. وبونابرت أيضا كان يريد توسيع جبهة الصراع مع بريطانيا بنقل المعركة معها من غرب المتوسط إلى شرقه وتسجيل نقطة سياسية في حرب عسكرية مديدة مع الدولة الأولى بحريا والمنافسة تجاريا لفرنسا. وبونابرت أيضا كان يعمل على تحسين موقعه في السلطة في فرنسا ويريد من حملته على الشرق (مصر بوابته آنذاك) لضمان عودته المظفرة إلى باريس لضرب خصومه السياسيين وإزاحة كل المنافسين له في مشروعه الامبراطوري للسيطرة على الدولة. وهذا ما حصل.

بعد عودة نابليون إلى فرنسا من الشرق (ومصر تحديدا) دخل في منافسة مع خصومه انتهت كلها في مصلحته نظرا إلى ارتفاع شعبيته وتحسن سمعته في السلطة ونمو فريق من العسكريين يؤيدون حروبه الدائمة وضرباته الاستباقية. فالحملة على الشرق (مصر) أثمرت فرنسيا في عسكرة السياسة وتركز الفكر الجمهوري في شخصية القائد - البطل فاتح الشرق ومحطم عنفوان دولته الأولى في المشرق (مصر).

نجاح نابليون في حملته على مصر رفع شعبيته وجعله الجنرال الأوحد الذي يستحق الاحترام والتكريم، وهذا ما دفعه إلى الصعود في سلّم الدولة وصولا إلى حصنها الأعلى ومصادرتها كليا فنصّب نفسه الامبراطور الأول (نابليون الأول) وبات الآمر الناهي في شئون الدولة يتصرف بها كما يحلو له ويريد بين 1804 و1815 فاستدرج فرنسا إلى حروب لا تنتهي ومعارك ومواجهات برية وبحرية فغزا ألمانيا وغزا روسيا وخاض سلسلة ضربات ضد إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا فتآلبت عليه وضده كل أوروبا خوفا منه ومن مغامراته العسكرية التي لا حدود لها. فانتهى نابليون بونابرت نهاية مأسوية بعد هزيمته في واترلو في العام 1815 ومات وحيدا في جزيرة نائية لا يحرسها سوى قراصنة البحر.

هذا هو نابليون مصريا وفرنسيا فكيف سيكون مصير نابليون الولايات المتحدة عراقيا وأميركيا؟ الوعود كثيرة بينما الحقيقة واحدة وهي: المعارك في الشرق تصنع الأبطال في الغرب وتحسن من شعبيتهم وترفع شأنهم ضد الخصوم والمنافسين وتزيد من فرص فوزهم في معاركهم الخاصة في أميركا وأوروبا. فهل ينجح بوش من حيث فشل نابليون؟ التاريخ لا يرحم ولكن المشكلة في الفارق بين نابليون وبوش. فالأول مأسوي والثاني مضحك.

هذه قصة نابليون في فرنسا وبقي علينا أن نقرأ قصة المنطقة بعد حملته على مصر. وهذا حديث آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 454 - الأربعاء 03 ديسمبر 2003م الموافق 08 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً