منذ العام 1971، يلتقي كل عام، وعلى امتداد خمسة نخبة متميزة من القيادات السياسية، والأكاديمية البارزة لمناقشة الأوضاع الاقتصادية العالمية. وغالبا ما تسيطر على أعمال المنتدى القضايا ذات الطابع الاستراتيجي على النطاق العالمي، التي تأتي منسجمة مع الهدف الرئيسي الذي أعلن عنه صاحب فكرة المنتدى كلاوس شواب والذي هو «تحسين وضع العالم».
ووفقا لما صدر عن الجهات المنظمة، فمن المتوقع أن «يشكل رجال الأعمال المشاركون في دافوس 2009 نحو 70 في المئة من مجمل المشاركين، يمثلون قرابة 1000 شركة من أولى الشركات على مستوى العالم وعلى مستوى قطاعاتها. فيما بلغ عدد الرؤساء التنفيذيين حوالي 1170 مشاركا، في حين بلغ عدد الشخصيات العامة 219 مدعوا يتضمنون أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، 64 مدعوا من أعضاء مجلس الوزراء، ورؤساء ومشرفي مكاتب المنظمات الدولية، وأخيرا 10 سفراء. وبلغ عدد المدعوين من ممثلي المجتمع المدني 432 مدعوا يشملون 32 رئيسا وممثلا لمنظمات غير حكومية، و225 من قادة الإعلام، 149 وممثلا من المؤسسات الأكاديمية ومراكز الدراسات، و15 رجل دين من مختلف الديانات، و11 قائدا أمميا، وبذلك تبلغ نسبة القادة الإعلاميين 9 في المئة من المدعوين، و6 في المئة من قادة المجتمع المدني، و8 في المئة من الحكومات والمنظمات الدولية».
ومن المتوقع أن تسيطر على أعمال «منتدى دافوس 2009» الأزمة المالية العالمية، التي أصبح الكثير من المحللين الاقتصاديين يرون أنها لم تعد أزمة مالية عابرة، بالمعنى الزمني لها، كما أنها ليست محصورة في قطاع اقتصادي معين، كما يحلو لبعض أجهزة الإعلام، وعلى وجه الخصوص الأميركية منها أن تصورها. إنها كما يشخصها رئيس منتدى دافوس كلاوس شواب في حديث له قبل شهرين مع وكالة الأنباء الكويتية ذات طابع بنيوي، وهي أزمة تحولات، ولذلك فقد أصبح العالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى «بحاجة إلى نظام مالي واقتصادي جديد، وأن على الجميع الآن معالجة سلبيات الأزمة الحالية وانعكاساتها ثم التفرغ لوضع أسس النظام الجديد». بمثل هذا التصريح كأنما يريد شواب أن يهيئ من سيشارك في دافوس أن العالم اليوم أمام أزمة اقتصادية بنيوية من شأنها، أن تغير خريطة العالم على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وأن على المشاركين، إن هم أرادوا فعلا مواجهة الأزمة الراهنة أن يعدوا أنفسهم لتغييرات جوهرية تمس بنية النظام الاقتصادي العالمي من جهة، وتنعكس آثارها على البنية السياسية العالمية، والعلاقات الدولية المتمخضة عنها من جهة ثانية. وينقل موقع إيلاف تصريحا أدلى به كلاوس، في سياق محاولته لتأكيد أن العالم اليوم أمام أزمة بنيوية، يقول فيه أن «التحدي الأساسي الذي يواجهه المنتدى هو خلق إجماع دولي منسق بين المجتمعين، وما يميز هذا الاجتماع هو محاولة الخروج من الأزمة وتشكبل العالم ما بعد الأزمة... وبأن الهدف ليس الخروج من أزمة للدخول بأخرى».
ويتفق مع كلاوس في أن الأزمة الحالية ذات طابع بنيوي الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين الذي لخص، في خطابه أمام المنتدى في أول يوم من أعماله، مكونات الأزمة على أنها تتمحور حول مرتكزات أساسية تتبلور في «فشل النظام المالي القائم وعدم التوازن بين نطاقات العمليات المالية والقيمة الأساسية للأصول... وبين الضغوط المتنامية على القروض الدولية ومصادر توفيرها، والخلل الخطير في منظومة النمو الاقتصادي العالمي - حيث يقوم مركز إقليمي واحد بطبع النقود بلا توقف ويستهلك الخيرات. بينما يقوم مركز آخر بإنتاج السلع الرخيصة ويدخر النقود التي تطبعها الدول الأخرى».
ويعزز أطروحات شواب، وتقديرات بوتين، تقارير عالمية من بينها ذلك التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي الذي حذر فيه من أن الاقتصاد الأميركي، والذي يشكل حوالى 25 في المئة من الاقتصاد العالمي، «لن يتمكن من تحقيق نمو قبل العام 2010، مشيرا إلى أن العجز المالي في الاقتصاد الأميركي يرتفع بشكل كبير ويتوقع أن يصل إلى 4.5 في المئة. وعلى الصعيد ذاته يلفت التقرير قادة العالم إلى أن بلادهم تقف اليوم، «على حافة كساد اقتصادي بسبب الأزمة المالية».
ثم يذهب التقرير في إلقاء المزيد من الأضواء على القطاعات الاقتصادية التي تتمظهر فيها الأزمة بشكل بنيوي فيتراجع عن توقعاته التي كانت تصبو إلى نسبة نمو للاقتصاد العالمي، لم تتجاوز3.9 في المئة كيف يجعلها 3 في المئة فقط. وكلتا النسبتين تعدان منخفضتين بالمعيار العالمي لاقتصاد معاف.
ولا يختلف المسئولون العرب ممن وجدوا أنفسهم في أتون الأزمة الاقتصادية، عما ذهبت إليه تلك التوقعات، فنجد الأمين العام لمجلس دبي الاقتصادي هاني راشد الهاملي، والمعروف أن إمارة دبي من بين أكثر الدول العربية تضررا من الأزمة المالية العالمية التي نتحدث عنها، في نطاق تأكيده على الأهمية التي يكتسبها «دافوس 2009»، يشدد على أن دافوس مطالب بتناول إجراءات ومقاييس «إصلاح النظام المالي العالمي في حقبة ما بعد الأزمة المالية العالمية الراهنة على الأمدين القصير والطويل... (من أجل ضمان) استقرار النظام المالي وإنعاش النمو الاقتصادي العالمي وضمان النظام الاقتصادي العالمي والحوكمة الإقليمية والمحلية في الأمد الطويل».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2338 - الخميس 29 يناير 2009م الموافق 02 صفر 1430هـ