العدد 454 - الأربعاء 03 ديسمبر 2003م الموافق 08 شوال 1424هـ

إبراهيم غلوم: الكتاب تصور مضاد لهشاشة المثقف ومحاولة لتجاوز اليأس

على هامش قراءة الثقافة وإنتاج الديمقراطية

العدلية - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

نظمت أسرة الأدباء والكتاب مساء الاثنين الماضي ضمن فعالياتها الثقافية للموسم الجاري قراءة نقدية في آخر إصدارات إبراهيم غلوم «الثقافة وإنتاج الديمقراطية»، قدمها عبدالله جناحي، وأدارها عبدالقادر فيدوح.

وبدأت القراءة بتقديم من المؤلف لأهم الأفكار والخطوط التي حملها هذا المؤلف، إضافة لبعض الأفكار التي تنصب في إطار محاور الكتاب الرئيسية، مبرزا لفكرة تحولات المثقف المستمرة، وحالات اليأس التي تتلبسه، مسلطا الضوء على أطراف من تجربته الشخصية وتحولاته ويأسه ومحاولات خروجه إلى فضاءات الثقافة العامة بما يمس مشكلات المجتمع. ومما طرحه غلوم في تقديمه أن معضلة المثقف أنه يدخل في حلم ويخرج منه، لكنه سرعان ما يدخل في حلم آخر، هذه - على حد تعبيره - صيرورة المثقف منذ البداية، وهي إشكاليته التي لم تحل ولن تحل، لأن حرة المثقف تكون في أفق برزخي، والأمر نفسه ينطبق على قضية الثقافة والديمقراطية.

وأضاف غلوم: إن معضلة المثقف اليوم الهشاشة الدقيقة في شخصيته، وهناك مشكلات مستعصية راسخة في وعي المثقف، فنصوصه متناقضة إذ إن ظاهرها ولغتها تتناقض مع النسقية الصلبة التي لا يمكن التخلص منها... لذلك فالمثقف هو نفسه من يقوم بهدم ما يبنيه.

وفي معرض تمهيده ألمح غلوم إلى مسألة التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، ما أسهم في ترسيخ حال من الالتباس لدى المثقف، هذه الحال - كما يقول - لم يسلم هو نفسه منها، لذلك فالكتاب تنطوي فصوله التي كتبت في فترات متباعدة على محاولة تقديم تصور مضاد لحال الالتباس هذه، ولإعادة جردة الحساب تجاه قضايا كثيرة، ومن هنا كان تأكيد الكتاب على أن الثقافة هي المحرك، وهي المنتجة للأفكار والمفاهيم الكبرى.

وبعد تمهيديه قدم جناحي مداخلته عن أفكار الكتاب وفصوله، وفيما يأتي بعض النقاط التي أوردها جناحي. يقول: إن تبني المؤلف للمنهج الهيجلي ومراهنته على أن إحدى مكونات البنية الفوقية للمجتمع «الثقافة» هي خالقة ومنتجة المكونات الأخرى من هذه البنية كالمفاهيم والتشريعات والدساتير والأفكار، وكذلك منتجة للبنية التحتية من المجتمع كالاقتصاد والمفاهيم المتصلة بالسوق، والقيم الكبرى كالحق والعدالة والمساواة والحرية... - هذا التبني - لم يصمد أمام الوقائع المادية، فواقع مجتمعاتنا الشرقية ذات البنية الريعية الواضحة، واعتمادها الكلي على سلوكيات وممارسات ومن ثم قيم الاقتصاد الريعي بكل تشوهاته، كل ذلك يضعف من هذه الفرضية التي انطلق منها المؤلف في كتابه، فضلا عن تشوه التطور الاجتماعي والاقتصادي لهذه المجتمعات الشرقية، والذي عكس نفسه على تشوه مقارن لتطورها السياسي والفكري والثقافي.

ويتساءل جناحي في مداخلته: هل وظيفة الثقافة الجوهرية كما تدعي مقدمة الكتاب إنتاج الأفكار والمفاهيم الكبرى في مثل هذه المجتمعات؟ وهل هي التي أنتجت الديمقراطية والأيديولوجيا بكل تنوعاتها من قومية إلى ماركسية إلى إسلامية إلى ليبرالية؟ وهل اقتصاد الدولة نتاج ثقافة اقتصادية ورؤية استراتيجية معتمدة على نظرية أو نظريات اقتصادية وفلسفية كما هو حاصل في الغرب الرأسمالي أو دول المنظومة الاشتراكية فيما مضى؟

وقال: لم يتعمق الكتاب في معنى المثقف الذي يقود هذه الوظيفة التاريخية الجوهرية في إنتاج كل مجتمع، فمن هو هذا المثقف القادر على إنتاج مثل هذه المفاهيم والأفكار وحتى الاقتصاد والسوق؟ هل هو المثقف العضوي المؤثر جماهيريا وشعبيا، وأي هو هذا الصنف من المثقفين في مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي؟ أم هو المثقف العضوي المتمثل في رجال الدين؟ أم هو المثقف المرتبط بالسلطة والمنظر لمشروعاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية... أو هو المثقف المستقل؟

ويتابع: يثير المؤلف إشكالية طرحت على الساحة العربية منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي من قبل الكثير من المفكرين العرب «الجابري، أركون، أدونيس» وهو يتبنى هذه الرؤية المتمثلة في هيمنة نسق الاستبداد في الثقافة العربية، إذ يضع قلمه على بؤرة هذه الإشكالية حينما يؤكد أن جميع القوى المهيمنة في الثقافة العربية هي التراث، وخصوصا الدين كأعتقاد وكأنثروبولوجيا، وكأيديولوجيا وكطوائف ومذاهب وفرق غير أنه يقحم عوامل أخرى... منها اللغة، السلطة، الدولة، الشعر، العلوم. وأعتقد أن وضع هذه المحددات كافة في سلة واحدة قد أضعف الطرح وشتت التركيز على بؤرة الإشكالية، وعلى سبيل المثال، فإن اللغة والشعر وإن كانا مؤثرين كمحددين جوهريين في تأسيس الحضارة العربية الإسلامية وتم تأصيلهما في عصر التدوين، إلا أنهما لم يكن لهما ذلك التأثير في عصرنا الراهن أمام تأثيرات العوامل الأخرى.

وفي معرض القراءة لفصول الكتاب تحدث جناحي عن الفصل الذي تناول فيه المؤلف قضية المثقف والسلطة والمثقف ذي التكوين الديني قائلا لقد استعرض المؤلف عند تقديمه لهذا الفصل مرجعية نظرية لا يختلف بشأنها كثيرا معظم المثقفين والنقاد، من حيث إبرازه للتحديات بمعانيها المتعددة المفتوحة أو المغلقة، وعلاقة الثقافة بالإعلام الرسمي، والثقافة في الإعلام في ظل الطفرة الاقتصادية في دول الخليج العربية ونتائجه الاستهلاكية من جهة، وهيمنة أولوية الاقتصاد والأمن على حساب الثقافة وغيابها تماما من الاستراتيجيات الرسمية... غير أن ما لفت انتباهي في هذا الفصل، إضاءة كنت أتمنى من المؤلف لو أنه توسع في تشخيصها وتحليلها وطرح نماذج منها، وأقصد بها علاقة المثقف الخليجي بالسلطات الحاكمة.

وحسبي لو أن المؤلف استمر في تشخيص هذه الحال وتفكيك خطاب هؤلاء المثقفين وأسباب التحولات وآثارها ونتائجها الفكرية والسياسية، الإيجابية منها والسلبية لأضاف للأطروحة النظرية المتعلقة بإشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة إضاءات جديدة واقعية ومقارنة بين الخطاب المعارض لهذا المثقف وتحولاته بعد انتقاله ومشاركته في صوغ سياسات السلطات الحالية على الصعد التربوية أو الإعلامية أو السياسية أو غيرها.

ويضيف: ولكن الإضاءة التي لم يكملها في هذا الفصل والأخطر من سابقتها، إذ لمسها المؤلف من دون التعمق فيها تتمثل في إشكالية ثقافية تتداول بين الكتاب والمثقفين من دون أن يتجرأ أحد التنظير بشأنها وتبيان رموزها المشخصة في الواقع الخليجي، ونقصد بهذا النموذج هو ذلك المثقف الذي وصفه المؤلف بالخارج من عقود الكوارث والتحولات والثورات الإسلامية.

ويعتقد المؤلف أن هذا النموذج من المثقفين غير مأمون الجانب، إنه لا يجرؤ على خوض معارك عملية مع الواقع، وليست له إنجازات ثقافية ملموسة ويكاد يكون كمن يمارس وظيفته حسب الطلب... إن هذه الأحكام الحاسمة لنموذج جديد برز على الساحة الثقافية بعد التحولات السياسية الكبيرة، وخصوصا بعد انتصار الثورة الإيرانية الإسلامية، وانتصارات إسلامية مرافقة لها في السودان وأفغانستان.

نقول إن هذه الأحكام المطلقة بحاجة إلى دراسة موضوعية معمقة سوسيولوجية ومعرفية، وكذلك نفسية... وعليه فإن مرور المؤلف سريعا على هذه الظاهرة مع إعطاء هذه الأحكام من دون إعمال التحليل والتفكيك والنقد يعتبر إضعافا لمثل هذه الأحكام وتفويتا لفرصة أخرى نادرة لكشف الأبعاد الخفية والمسكوت عنها في خطاب المثقف الأصولي المغلف بقشرة الحداثة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً