كثيرون الذين تصوروا ان الحرب على العراق ستبدّل اوضاع العراقيين الذين عانوا كثيرا على مدار عقود من سياسة انظمتهم، ولاسيما نظام الرئيس السابق صدام حسين، والسبب الرئيسي وراء هذه التصورات يتمثل في الاعلانات الأميركية التي ظهرت في عداد مبررات الحرب على العراق، ووصفت تلك الحرب بأنها عملية «تحرير العراق» والعراقيين من اسار النظام السابق وسياساته.
غير ان وقائع الأشهر الثمانية التي انقضت على احتلال العراق، بيّنت ان العكس هو الصحيح، بمعنى، ان اوضاع العراق والعراقيين تردت بصورة متصاعدة، وهو امر لا يقتصر على الاوضاع الامنية، التي يمكن القول انه لم يحدث مثيلها في تاريخ العراق الحديث، فمثلها الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تميز حياة العراقيين تحت الاحتلال الأميركي - البريطاني.
والحديث عن العراقيين اليوم، بصفتهم ضحايا ما بعد الحرب، يرتبط بصورة اساسية بما تمخضت عنه الحرب من آثار طاولت العراقيين والعراق، اذ دمرت العمليات العسكرية كثيرا من البنى التحتية للاقتصاد والمجتمع العراقيين ومنها الطرق والجسور وشبكات المياه والكهرباء والهاتف والخدمات الصحية والبلدية، كما اصاب المؤسسات العلمية والثقافية دمار شامل عطلها عن القيام بأعبائها المطلوبة، وترافق دمار الحرب على العراق مع ما اصاب العراقيين مباشرة من عمليات قتل وجرح وتشريد لعشرات الآلاف منهم.
واذا كان امل العراقيين بعد الحرب في ان تبدأ عمليات ترميم مرافقهم وحياتهم، شأن كل الشعوب عندما تضع الحرب أوزارها، فقد حدث ذلك بصورة جزئية بسبب السياسات التي طبقها المحتلون، وأدت سياسات الاحتلال وخصوصا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بعد تسريح نحو مليون شخص من العاملين في أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية، الى تعميم الفقر والعوز لدى قطاعات واسعة من العراقيين، ثم تناغمت تلك السياسات مع ممارسات اجرامية قامت بها عناصر منفلتة تحت سمع وبصر قوات الاحتلال، لتزيد أوضاع العراقيين ترديا على رغم ان القانون الدولي يحمّل سلطات الاحتلال مسئولية حفظ النظام العام، وحماية الملكيات العامة والخاصة في البلد المحتل.
ان الاهم فيما صار اليه حال العراق بعد الحرب، هو ما اصاب العراقيين من عمليات قتل وجرج وتشريد، إذ تجاوز عدد القتلى من العراقيين الذين سقطوا، بحسب تقديرات خبراء في الوضع العراقي، عشرة آلاف شخص، وفي بغداد وحدها تجاوز العدد 1500 قتيل، سقط كثيرون منهم بنيران جنود التحالف، والبقية نتيجة عمليات اجرامية.
وفي واحدة من نتائج الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، وقع أكثر من ألف طفل ضحية التلاعب بالاسلحة والذخائر والقنابل الانشطارية المتروكة في الطبيعة منذ نهاية الحرب على العراق، طبقا لإعلان المسئول في صندوق رعاية الطفولة (يونيسف) جيف كيل. وفي مدينة كركوك شمال العراق قتل وجرح أكثر من 130 طفلا خلال اسبوعين فقط، فيما كان يجري التبليغ يوميا في الموصل عن عشرين حادثا من هذا النوع، ولا يشمل هذا النوع من الضحايا الذين وقعوا ضحية الفوضى في مواقع التلوث الكيماوي وبينهم نساء وأطفال يعانون الموت البطيء.
تحدثت تقارير عن قيام قوات الاحتلال باعتقال أكثر من خمسة آلاف عراقي خلال الأشهر الماضية، فيما تحدث وزير الدفاع الأميركي عن معتقلين أجانب في العراق من عشرين بلدا تحتزجهم قوات الاحتلال. وقالت منظمة العفو الدولية، ان قوات الاحتلال تمارس تعذيب المعتقلين والأسرى من المدنيين والعسكريين العراقيين. واعلنت المنظمة ان القوات الأميركية لم تتعاون مع بعثتها التي زارت العراق في مايو/ ايار الماضي.
ووسط الأجواء التي تمخضت عنها الحرب في العراق، تردّت أوضاع العراقيات نتيجة الفقر وغياب المعولين من الرجال وخصوصا الازواج والآباء والابناء، ما دفع بكثيرات من النساء والفتيات الى سوق الاعمال الرخيصة، التي تمتهن الكرامة الانسانية. وزاد في الامر، تزايد حالات خطف النساء بمن فيهن عاملات وطالبات مدارس وجامعيات من قبل عصابات اجرامية في واحدة من سلسلة ممارسات تتواصل في بغداد ومناطق عراقية اخرى نتيجة غياب الأمن، وتشمل عمليات منظمة للسطو على المنازل والمحلات التجارية أو احراقها، ما حوّل حياة العراقيين الى جحيم في ظل الاحتلال.
خلاصة القول في اوضاع العراقيين بعد الحرب، انها زادت ترديا على ما كان عليه الحال قبلها، بل انها زادت سوءا على ما كان عليه حال العراقيين خلال الحرب عندما كانت قذائف دمار قوات التحالف تتساقط بكثافات عالية على بغداد وبقية مناطق العراق فتدمر وتقتل وتجرح وتشرد
العدد 453 - الثلثاء 02 ديسمبر 2003م الموافق 07 شوال 1424هـ