العدد 453 - الثلثاء 02 ديسمبر 2003م الموافق 07 شوال 1424هـ

احترام العلم والخبراء صفة حضارية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما تحدثت مع رئيس جمعية المهندسين سعيد العسبول في اليوم الثاني للعيد كان مزاجه على غير ما يرام. فقد كان يشعر بنوع من الإهانة بعد استدعائه ليلة العيد والتحقيق معه لمنع الجمعية من السماح باستخدام قاعتها لعرض مسرحية «ابو العيش». وقد شاطرته الانزعاج ليس دفاعا عن المسرحية وليس استهانة بالقانون، ولكن لإيماني بأن الأمور بالإمكان أن تسير وتدار بطريقة أفضل بحيث يشعر من يتسلم منصب رئيس جمعية مهنية بالاحترام والتقدير.

على أن كل مجتمع يحترم ولا يحترم ... يحترم فئة معينة ونوعا معينا (يطلق عليهم مواطنون صالحون) ولا يحترم آخرين (يعتدون على حقوق الآخرين بسبب طمعهم في المزيد من دون حق). والمشكلة هي عندما تختل الموازين ولا يعود الاحترام مؤسسا على قيم رفيعة. المهندسون والعلماء (في مختلف المجالات) والأدباء والفنانون لهم احترامهم وسلطتهم «الأدبية» في المجتمعات المتقدمة ولا يتوقع أحد من هذه الفئة أن تتم «جرجرته» لسبب بسيط بالطريقة التي حدثت لرئيس جمعية المهندسين. فقد كان بالإمكان إيصال الرسالة نفسها ولكن بأسلوب آخر. كما بالإمكان إدارة شئوننا بطريقة يشعر فيها من يعمل بإخلاص لهذا الوطن أن هناك من يقدّره ويحترمه ولا يتصيد عليه أو يعامله كما يعامل من يعتدون على حقوق الناس.

فلو رجعنا الى دول كانت صغيرة الشأن وأصبحت عظيمة الشأن لاحقا، فإننا نجد أن واحدا من أسباب ذلك هو طريقة التعامل مع علمائها وخبرائها. وسواء كان ذلك في صدر الاسلام أم في الهند أم الصين أم بريطانيا، فالأمر لا يختلف.

فانجلترا التي كانت من أضعف الأمم في القرن السادس عشر، بل إنها كانت تخاف من اسبانيا ومن فرنسا وحتى من اسكتلندا (قبل أن تتوحد مع انجلترا في مطلع القرن الثامن عشر ليصبح اسمهما بريطانيا) فإنها شهدت طفرة كبرى في القرن السابع عشر قوامها العلم والعلماء والأدباء مثل بيكون ونيوتن ولوك وغيرهم. ولولا أعمال هؤلاء العلماء (لاسيما نيوتن) لما كانت لدينا علوم العصر الحديث وتطوراته ولما غدت بريطانيا الضعيفة والصغيرة «دولة عظمى» تنتشر لغتها في كل مكان وتصبح أهم مصدر للعلوم لعدة قرون، وتدفع بلغتها لتصبح أهم لغة في العالم، حتى عصرنا الحاضر.

في بريطانيا كان العلماء - ومازالوا - من أعز الناس وأكثرهم احتراما، بل إن الملك (أو الملكة) يختار أهم الشخصيات من كل تخصص ويمنحهم عضوية «ملكية». فمثلا افضل المهندسين يعطون عضوية الأكاديمية الملكية للهندسة، وأفضل العلماء في مختلف العلوم يمنحون عضوية الـ Royal Society وهي أقدم جمعية علمية في عالم اليوم أسست في 1660م وتضم في عضويتها أفضل العلماء من أمثال إسحق نيوتن، وشارلز داروين، وألبرت أينستين، وستيفن هوكنغ وغيرهم من أكبر العقول التي عرفتها البشرية ماضيا وحاضرا. وأي عضو في الجمعية من الموجودين (مثل ستيفن هوكنغ، وهو معوق ولكنه من أكبر عقول زماننا) لا يتوقع الا الاحترام من المجتمع والاهتمام من الدولة، وله بذلك «سلطة أدبية». المهندسون كذلك لديهم سلطة أدبية، وأكبر العقول الهندسية في بريطانيا يمنحون لقب (FREng) ومعناها زميل الأكاديمية الملكية للهندسة، وأي مهندس «عبقري» يتمنى ويتوقع اليوم الذي يتلقى فيه مكالمة هاتفية من الجهة المعنية للتشرف بالعضوية.

أستذكر هذه الأمور لأن الاحترام يبدو أنه يبتعد (في بلادنا) عن من لديه عقل وخبرة وعلم ويذهب إلى مجالات أخرى متفرقة. وفي الوقت الذي لا نطالب فيه بمثل ما يعامل به أهل العلم والخبرة في الغرب فإننا نتوقع ألا تتم إهانتهم لهذا السبب أو ذاك. أما كيف يتحقق ذلك، فلعل البداية تبدأ بمد جسور المودة وحسن الظن والتفاهم قبل الشروع في استخدام الوسائل الأخرى. والاحترام لايعني السماح بمخالفة القانون، ولكن اذا كان الحال يتعقد بسبب قوانينا التي «تجرم» حرية التعبير فانه لايبقى لدينا حل الا بتغيير هذه القوانين لكي تستقيم امورنا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 453 - الثلثاء 02 ديسمبر 2003م الموافق 07 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً