هكذا، خسرت «الوفاق» ما كان في يدها من قدرة كبيرة على المناورة في شأن بسيط، كان لها أن تتعالى به وتنقله إلى ساحة القضاء طاعنة في أي إجراء من شأنه أن يكون نقطة أخرى من نقاط الرقابة المسبقة على أشكال التعبير المختلفة.
فالجمعية لم «تلعب» سياسة في هذا الأمر، وإنما ارتدت إلى لعب «المكابشة» وكسر العظم بينها وبين السلطة التنفيذية في عناد خلا من الحصافة السياسية التي يفترض أن تسير بالأمر في مسار يختلف عن «ردحة» إثبات قوة العضلات وتحشيد الجماهير، حتى خرج الأمر تماما من بين يديها بتقديم الأمر إلى ساحة القضاء من قبل السلطة التنفيذية، وما أن أعدت الجمعية أضابير دعواها المضادة حتى جاء الأمر الملكي لإسقاط الدعوى الأولى، فسقطت بذلك الدعوى الثانية، احتراما لمبادرة جلالة عاهل البلاد.
وعلى رغم أن التاريخين البعيد والقريب يعجان بالعبر التي بها يتقدم المتخاصمون أشواطا في دعاواهم، ويكسبون نقاطا تؤثر إيجابا في تعديل القوانين وتغييرها ربما، فإن اندماج الجمعية في المشهد وعدم خروجها منه لمراقبة ما يمكن أن يأتي من وراء ذلك من مكاسب، أدى إلى دخولها في مماحكات «قلنا وقلتم» مع وزارة الإعلام أساسا وبقية الأطراف التي دخلت اللعبة.
كان من الأجدى لو استفادت الجمعية من حركة كتلك التي لا تزال تغالبها جمعية العمل الوطني الديمقراطي في سبيل عدم التوقف في قضية نشرتها بين «غالب ومغلوب» إلى قضية رأي عام، وتفكيك بعض القوانين، فهذا كان سيثمر التفافا ليس حول «مسرحية» فقط، ولكن حول حرية التعبير التي لا تزال تتعرض لتقاذف وتفسيرات لقوانين يتم إشهارها فقط حين الحاجة.
عندما سأل عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان «أشجاع أنت أم جبان؟»، رد عليه «شجاع إن واتتني فرصة وإن لم تواتني، فجبان»
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 452 - الإثنين 01 ديسمبر 2003م الموافق 06 شوال 1424هـ